samedi 18 juillet 2015

بسرد حكاية بطله «الطلياني»..شــــــكري المبخـــــوت يختصـــــر أم يقــــــزّم ســـــيرة وطـــــــــــــن..؟


لميس علي
الثورة، (سورية)، الأحد 21-6-2015

أؤمن أن الرواية تاريخ غير رسمي.. تاريخ لايُعترف به بالأعم الأغلب.. لكنه يشتمل على أدق الحقائق وربما أخطرها.. وهو على ما يبدو سبب عدم الاعتراف به/ بها.
في حنايا كل عمل يستند إلى التاريخ، ثمة نوع من التوثيق.. ربما فاجأك بمقدار المعلومات التي ترسخ في ذاكرتك لأنها مقدّمة إليك عبر أسلوب جذب أدبي وفن تطريز كلامي يسوق المعلومة عفو الخاطر.. بسلاسة ويسر.. بقالب حكائي لن تنسى معه تفاصيل حكاية البطل التي غالباً ما كانت في الكثير من السرديات الروائية العربية مؤخراً، متشابكة مع سيرة بلاد ذاك البطل.‏‏
الوصفة باتت معروفة، يقدّم الروائي حكايته عن أحدهم ويضفرها مع تاريخ بلاد هذا الـ(أحدهم).. الخلاف، بمعنى التميّز، يأتي بأسلوبية رش المعلومات وسوق تفاصيل الحكاية.. ومدى الإتقان والحرفية في منح المتلقي بناءً سردياً يثير خياله.. يلهب ذكاءه.. ويُعمل حواسه في التقاط نقاط قوة العمل بالعموم.‏‏
في رواية «الطلياني» التي فازت مؤخراً بجائزة البوكر العربية.. يتبع شكري المبخوت الوصفة السابقة من المشابكة بين سيرة بطله الملقّب بالطلياني وسيرة بلاده تونس فترة الثمانينات من القرن الماضي.‏‏
تنفلت حكاية الوطن بين ثنايا سيرة البطل.. فالمباح لنا من نتف تاريخية تمس تاريخ تونس يتناثر على طول بساط السرد الخاص بالطلياني.. ومع ذلك ووفق الملاحظ لم تنهض سيرة الفرد بسيرة الجماعة/ المجموع.‏‏
لماذا ينتابك إحساس بأن الكم الأكبر من السرد انحاز لصالح البطل بعيداً عن جعل سيرته تختصر سيرة وطنه.. لماذا تشعر وكما لو أن عبد الناصر أو الطلياني ما كان سوى شاهد خارجي.. يراقب الحدث مجرد مراقبة تقترب من توصيفها مراقبة رفع عتب.. ما هذا المناضل الطلابي الذي لم يكن ذا قراءة خاصة لما مرّت به بلاده من فترات ضعف اقتصادي زمن بورقيبة وانقلاب جاء به زين العابدين بن علي على نظام بورقيبة، بل حتى أنه لم يكن له أي قراءة تُذكر.. لماذا لا تعلق أي معلومة مهمة أو تفصيل جديد في ذاكرته سوى هذه العناوين العريضة من الأحداث.. ؟‏‏
الكثير من التساؤلات تُثيرها رواية الطلياني العمل الروائي الأول لشكري المبخوت الأستاذ الأكاديمي وعميد كلية منوبة في تونس.. مما جعل البعض يرى أن خبرته العلمية كانت ذا تأثير واضح جمحت انطلاق الخيال لديه فجاءت الرواية واقعية لكنها بقيت عملاً يسجل الواقع تسجيلاً خجولاً.‏‏
تبدأ الرواية بحادثة اعتداء عبد الناصر على المدعو علالة إمام الجامع.. ثم يعود خيط الزمن وراءً ليبني أحداثاً تؤسس لهذه اللحظة التي دفعت بعبد الناصر لضرب علالة، على هذا النحو يعود الروائي إلى زمن الطفولة، المراهق، ثم سنوات الجامعة والنضال بالانتماء إلى صفوف الحركات الطلابية اليسارية قُبالة المد الإسلامي الذي شهدته البلاد ذاك الزمن.. ولا يخلو كل هذا من ذكر تفاصيل الحياة العاطفية للبطل بتعرفه على الطالبة المناضلة زينة التي يتزوجها لكن زواجهما لا يدوم.. يصبح صحفياً لامعاً.. ويترك سنوات النضال خلف ظهره.. يمر انقلاب بن علي.. لا شيء يتغير في البلاد.. هكذا حتى الوصول إلى نقطة الانطلاق لحظة ضربه لـ(علالة) يوم جنازة الحاج محمود والد عبد الناصر.. هنا تفشي الحكاية سراً خبأه الطلياني طوال سنوات عمره من محاولة اعتداء المدعو (علالة) عليه.. لتشهد الخاتمة حالة تكثيف لم تتبدَ طوال العمل.‏‏
أسلوبية السرد التي اتبعها المبخوت تتصف بالسلاسة والرشاقة في بناء فضائه الروائي.. لا فنيات ولا زخرفات.. ولا حتى متاهات زمانية.. الزمن لديه واضح ينطلق صعوداً من لحظة البداية إلى النهاية.. مع أن نقطة البدء عادت لتظهر من جديد كشفاً لسبب ضربه «علالة» الحدث الذي بدا أساساً ظاهرياً انفلشت وراءه الحكاية.‏‏
تبقى اللعبة الأبرز لدى المبخوت هي لعبة الرمز.. فكل شخصياته وما انتهت إليه ليست أكثر من حالة رمزية تومئ إلى حال البلاد غير المستقر.‏‏
حالة من التشظي حاول رسمها عبر شخصياته لاسيما الطلياني التائه إثر ترك زينة له.. هي التي تركته لتسافر أملاً بإكمال دراستها التي لن تكملها.. وأيضاً ما انتهت نجلاء صديقة زينة، نجلاء التي عاش معها الطلياني حكاية حب هي الأخرى، الأنثى التي كانت تشع جمالاً وطاقةً انتهت إلى سلوك مسلك بنات الليل..‏‏
حالات من التشظيات الفردية ما هي سوى ملمح إلى حال البلاد عموماً.‏‏

lamisali25@yahoo.com‏‏

Aucun commentaire: