vendredi 28 décembre 2012

النّرجسيّة الجريحة




 (1)
من وجوه الحداثة في الفكر والحياة إعمال النّظر في غير المفكّر فيه لإظهار المضمر وكشف المخفيّ واستنطاق المسكوت عنه. فالحداثة ، في بعض دلالاتها ، إعلان وفضح يفضيان إلى أزمة داخل التّصوّرات والمفاهيم وإلى مراجعة ما يبدو متماسكًا مستقرًّا ، فتدخل إليه دودة الشّكّ والارتياب ليخرج لنا ألسنةً هازئًا بثوابتنا فيجعلنا نستعيد قدرتنا على الدّهشة والتّعجّب.
والواقع أنّ كثيرًا ممّا نشهده اليوم في ثقافتنا العامّة ومشهدنا المتداخل القلق ، بتردّداته وتنافر مكوّناته، إنّما هو صورة مشوّشة عن مسار التّحديث الذي يستوعب القديمَ المستعيد لأوهام صنعت في سياقات معرفيّة تقليديّة وحقائق انتهت صلاحيّاتها التّاريخيّة بقدر ما يستوعب الحديث الذي ينبني على أوهام جديدة صنعها اغتراب البشريّة الحالي ويبشّر بحقائق تنبثق كالوعد الحقّ. وبينهما ، بين العتيق المترسّخ والآتي غير المتوقَّع ، طيفٌ من الضّلالات والظّلال والصّور المنعكسة على المرايا المحدَّبة والمقعَّرة جميعًا حتى لكأنّ الواحد يحمل في داخله كثرة وتعدّدًا يفوقان الحصر.
إنّه حظّنا من عصرنا ، وقدرنا في عهد أتاح لنا ما لا عين من عيون أسلافنا رأت ، وما لا أذن من آذان من قبلنا سمعت.
 (2)
 وقد ذهب في وهم عدد من أبناء سياقنا الحالي بعد الرّابع عشر من جانفي ، أنّنا سنأتي ، بفضل الممكن التّاريخيّ ، بما لم تأت به الأوائل من أنظمةِ قيمٍ ومعايير أخلاقيّةٍ وتصوّرات إنسانيّة نقترحها على البشريّة الغارقة في استلاب طال ومشهديّة خانقة صنعها رأس المال المنفلت من عقاله.
وعد زائف صاغه بعضنا فصدّقه والحال أنّنا أصبحنا نخشى على كلّ شيء : ممّا اعتبرناه "مكاسب" هي بعضٌ من الحدّ الأدنى الذي نطابق به عصرنا ، إلى نمط عيشٍ بدا لنا تأليفًا بين ما تنافر في أعطاف تراكم تاريخيّ طويل.
انتقلنا بسرعة من نرجسيّة متفائلة مرحة إلى نرجسيّة جريحة شقيّة. كنّا نتوهّم إمكان الابتداء بالإبداع فإذا بنا نركن إلى الخوف على ما وجدنا عليه آباءنا.
فأيّة ثورة هذه تخرج لنا الأموات من قبورهم ليحكموا رقابنا وتطلق عفاريت المكبوتات والأحقاد والغباء المصفّى لتهدّد وجودنا الثّقافي في زمننا الرّاهن ؟
 (3)
الحداثة أفق مدهش يتوسّع بقدر ما نتقدّم في الطّريق إليه. وفي الطّريق أفخاخ وحجارة وحطامُ بناءات متداعية وجثثٌ متعفّنة مازالت ، وياللمفارقة ، تتنفّس ولكن علينا أن نمرّ بها.
والمفارقة أنّ البوصلة واضحة تتطلّب منّا شيئًا من التّواضع ، وبعضًا من جراح الكبرياء الثّقافيّ وقليلا من حسن الإصغاء إلى نبض التّاريخ وسلامة البصيرة.
لسنا وحدنا متمركزين على هويّة لا تتزحزح. فقد جرحت البشريّة في الصّميم حين اكتشفت ، وما بالعهد من قدم ، أنّ الأرض ليست مركز الكون ، وتألّم الإنسان كثيرًا حين كشف التّحليل النّفسي وهم الوعي فيه. وقد لا تكون أمّة المسلمين قد استوعبت "صدمة الحداثة" بعد انهيار المجد الأثيل ولكن لا سبيل لها باديًا إلاّ أن تستعدّ إلى مزيد الصّدمات رغم المعاندة والمكابرة.
البوصلة واضحة والسّيل سيجرف ، طوعًا أو كرهًا ، الجميع. أمّا ماعدا ذلك فمزيد من إضاعة الفرص الثّقافيّة والوقت الحضاري باسم الثّوابت والخصوصيّة والهويّة وما إليها ممّا لا نفع ولا خير للقائلين بها قبل غيرهم.

mardi 18 décembre 2012

نكبة نخبتنا



1
كانت العرب تقول إذا تكلّم أحدهم بلا تفكير ولا رويّة : "ألقى الكلام على عواهنه". وتطبيقًا للمثل العربيّ قال صاحب المتن ، وقد استعار لسان السّلاطين، "نكبتنا في نخبتنا لأنّهم كَيْتَ وكيتَ ولأنّهم كذا وكذا ...". ولك أن تملأ الفراغ بما شئت ما دام السّجع على لسان صاحب المتن موقّعا رائقا ، صادما صارما، مفتوحا على احتمالات شتّى.
لسنا نريد أن ندافع عن النّخبة التّونسيّة المنكوبة بعيّ الخطباء وقلّة فصاحتهم. ولكنّنا نودّ لفت الأنباه إلى بعض المفارقات الطّريفة.
فقد أعجبني ، والحقّ يقال ،أن يخرج صاحب المتن نفسه من النّخبة لينتصب في موقع أعلى يستمدّه من منطق الدّولة لا من ديناميكيّة المجتمع. فقد كان ،بالأمس القريب، بعضًا من هذه النّخبة ونكبتها ينازع الدّولة ويشكّك في شرعيّتها المهترئة وها هو اليوم ينفصل عنها ، إذ غيّر الموقع، مُؤْذِنًا بإحداث لا نظير له في التّاريخ إلاّ قليلا : فقد اعتدنا أن تنقد النخبةُ السّلطةَ وتسلّط الضّوء على نزعتها الفطريّة للتّسلّط وتهاجمها دفاعًا عن المجتمع وتعلّقا بجمهوريّة أفلاطون وتمسّكا بمطلق الحرّية ولكنّنا  وصلنا إلى عهدٍ جديدٍ غريبٍ أضحت فيه النخبةُ نفسها مدعاة لتهجّم أصحاب السلطة  وتبرّمهم منها. وهذا ، لو تأمّلنا ، من نكّد الدّهر على الأحرار كما يقولون.
2
وكادت العرب أن تقول، قياسا على حديث نبويّ شريف ، "إذا لم تستحِ فَقُلْ ما شئت" ولا فرق عند تدبير شؤون المدينة بين القول والفعل إذِ الأقوالُ أعمالٌ ومنها انّ هجاءَ النّخبة طعنٌ في أدوارها التي تضطلع بها.
والمفارقة كامنة في أنّنا لم نعرف تحديدًا المقصود بالنّخبة التي كانت سببًا في نكبتنا. فهي نُخَبٌ في شتّى مناحي الثّقافة والمجتمع والسّياسة.
وهي نخب حملها صاحب المتن والسّلطة على الإفراد جامعًا في دلالته ما لا يتجانس منطلقاتٍ ومواقفَ. ولكنّه حريّ بنا هنا أن نصرّفها في الجمع على معنى التّفريق والفصل ، كما هو واقع الحال ، لنؤكّدَ حيويّةَ الجدل وتفاعلَ متناقضِ الآراء ومتضاربِ التّوجّهات.
فأيّها يقصد صاحب المتن ؟
أيقصد من دعا إلى تطبيق منطوق آية الحرابة ضد المحتجّين ؟ أم من ينازع في المساواة بين النّساء والرّجال ؟ أم من يتردّد في تبنّي كونيّة حقوق الإنسان ؟ أم مَنْ مازال يحلم بشريعة لم تغادر أطلالها ؟ أم مَنْ يهاجم منظّمات المجتمع المدني المناضل ومؤسّساته المدافعة عن النساء والمعطّلين والشغّالين؟
أيقصد من هبّت عليه نسائم الثّوريّة والديمقراطيّة بأَخَرة ولكنّه يبعث اليأس في النّفوس ويُثقل كاهلَ المعدمين ويفقأ عيون المحتجّين بعد أن وعدهم بجنّات عدن وبتدفق الصّكوك الحلال ؟ أم يقصد الوحوش الكواسر التي تنهش، على الحقيقة والمجاز ، جرحانا من المواطنين وهم ينزفون دمًا.كواسر وجوارح وغربان  متمسّكةٌ بأوهامها متشبّثةٌ بكراسٍ عاجزة عن ملئها بأجساد ضعيفة سقيمة ونفوس أسكرها المجد الكاذب وعقول أغوتها شهوة السّلطة ؟
3
كانت العرب تقول " تلك العصا من تلك هذه العصيّة هل تلد الحيّةُ إلاّ الحيّةَ" فكلتاهما من شجرة زَقُوم السّلطة والحيّتان بلدغهما شيء واحد.
والمفارقة، ها هنا، أنّ هذه الأقاويل والتّقوّلات التي تذمّ نخبنا تلصق بها تهمة الأنانيّة والمصالح الشّخصيّة والفئويّة والأجندات الخارجة عن الصّفّ الوطنيّ وتتهجّم عليها فتراها ثّرثارة لا تعرف فصل المقال ، تنكّل بها لأنّها تتخاصم  ولم تجد سبيلاً إلى الوفاق الوطنيّ ، كلّ هذا سمعناه من قبل ، حين كان الملك المخلوع يتّكِئُ على عصا المصلحة الوطنيّة ويهشّ بها على معارضِيه. سمعناها من الأمّيّ الذي كان يحتقر النّخب والمثقّفين ولا يراهم صالحين إلاّ إذا تملّقُوا ودعّموا أركان دولته في عهده الزّاهر العامر.
وها أنّ التّاريخ ، تاريخ احتقار النّخب وتحميلها وزر الفشل ، يعيد إنتاج خطابه المفضوح في شكل يجمع ، هذه المرّة ، المهزلةَ إلى المأساة  حتى صرنا لا نعرف إلى أيّ جانبيْ الخطاب نميل.وهذه ، حقّا وصدقا ، نكبة نخبنا في هواة الخطابة العاجزين عن سياسة القول وسياسة الناس معا. وهي لعمري  أعظم وأخطر من نكبتهم.
وصدق من قال " عاش من عرف قدره فجلس دونه".

mercredi 12 décembre 2012

حاشية على متن تاريخ الاحتجاج




1
إذا قيّض الله لأحد المؤرّخين المجانين أن يكتب في ما سيأتي من الأيام تاريخ الاحتجاج فلا شكّ أن لسليانة ، في مؤلّفه، فصلا موجعا طريفا.
قد يتحدّث مؤرّخنا في أسى عن مواجهة المحتجّين بسلاح سمعنا عنه في زمن الشرعيّة المجيدة العتيدة ، لأوّل مرّة.وقد يروي  ما يقع وراء الأحداث من تنمية عرجاء وسنوات من الإقصاء والفقر والبطالة والتهميش.غير أنّ هذا كلّه لن يكون ممّا يميّز ربوع سليانة سواء في زمن البنفسج البهيج أو زمن الأزرق الممزوج بلون السماء.
 وأكبر ظنّي أنّ مؤرّخنا سيروي ، مستخلصا من وقائع تاريخ المنطقة العبرَ ، بعض الأحداث التي جعلت سليانة وأحيازها تلقّن الغزاة والمعتدين بعض الدروس في التراجع والتواضع.
هذا كلّه من المشترك ، خصوصا في شمال البلاد المنسيّ وفي جنوبها الذي ألف الجراح.ولعلّه داخل في جدل الإخضاع والإباء أو في باب التدافع ، وما أدراك ما التدافع،بين المغالبة والممانعة.

2
يقول المؤرّخ المجنون في ما سيأتي من الدّهر:" أواخر الشهر الحادي عشر من السنة الثانية بعد الثالث والعشرين من أكتوبر ،حسب التقويم الثوريّ الانتقاليّ، غادر سكان سليانة ، شيبا وشبابا نساء ورجالا ،مدينتهم وضربوا عصا الترحال في الطريق خارج العمران تاركين بيوتهم ومتاجرهم وشوارعهم وأحياءهم في مسيرة مهيبة في اتجاه ...مدينة تونس المحروسة".
وعلّق الشارح مفسّرا ما وقع: هكذا تخفّفوا من المكان المألوف ومزّقوا خارطة ذكرياتهم عن مدينتهم ليتركوا السلطة فيها دون شعب والوالي دون مواطنين والبناءات دون سكان والإدارة دون مواطنين والمقاهي دون روّاد والمدارس دون تلاميذ ..
حركة واحدة اجتمعت فيها حرقة المقهور المقموع بسخرية اليائسين "المرشوشين" لتذكّر الساهين المتناسين أنّ مدينة بلا سكّان ، كدولة بلا شعب،خواء قاس وعبث محض ومفارقة قاتلة.
وهل أقسى من ذلك سخريةً تنتقم بها الضحيّة من جلاّدها مذكّرةً الحاكمين بأمرهم أنّ سلطتهم وهم واقعيّ جدّا وُلدَ من وهم شرعيّة لم تف بتعهّداتها بعد أن رفعت سقف الوعود عاليا ...أعلى من زرقة السماء.
سخرية تُعلم من لم يَعلم بعد أنّ الكراسي التي يجلسون عليها مقدودة من خشب العناد والارتجال ومسامير ليّ الذراع الصدئة.
3
سليانة ُ مقايضةٌ للألم والاستعطاف والتضرّع والخضوع بالسخرية والمفارقة والهزء والحقيقة الساطعة كعصا القمع وبنادق الرشّ.تقول لحاكمها بإيجاز بليغ :" سيدي الوالي ، نعتذر لك عن الصداع الذي سبّبناه لك ..نعتذر لك عن شقاوة أبنائنا ...نعتذر لك عن مساسنا بالشرعيّة وهيبة الدولة ..وها نحن نترك لك المدينة فسيحة مريحة لتحيى أنت وتحيى الشرعيّة.سنذهب ، سيّدي ، إلى يأسنا كما عهدتنا صامتين مقهورين حتّى تظلّ الدولة أكبر من وعود الثورة وتظلّ هيبتها أولى من خبزنا وسواعدنا المعطّلة..عفوك وغفرانك سيّدي الوالي ، ابق حيث أنت ..أو اذهب إن شاؤوا فلك اعتذارنا الشديد عن الإزعاج".
فبدل الخوف والرعب اللّذين يسبّبهما ، في القصيدة، انتظار سكان تلك المدينة الإغريقيّة للبرابرة، وبدل انتظار غودو الذي قد لا يأتي في المسرحيّة، وبدل الهجرة إلى مدينة أخرى هربا من بطش فرعون أو قريش وجد أهل سليانة هجرة من صنف يليق بهم: هجرة رمزيّة مؤقّتة ، كحكومتنا ورئاستنا وسلطاتنا الشرعيّة جميعا.
هجرة تذكّرنا بأن الدولة وهيبتها والحكومة وبرامجها والشرعيّة وآليّاتها والديمقراطيّة ومخرجاتها إن هي إلاّ وسائل لزراعة الأمل ورعاية الأفق الممتدّ وليست مراقي لليأس بالمكابرة والمعاندة وخنق الأنفاس بغاز الشرعيّة المسيل للكرامة وفلاحة العنف والعنف الضادّ.
خذوا المدينة ، لكم الدولة ومؤسّساتها ، تمتّعوا بأساطيركم وأوهامكم،تأمّلوا ما شئتم صوركم في مراياكم المهشّمة ولكنكم لن تأخذوا قلوبنا وإباءنا وإنسانيّتنا.مع الاعتذار مجدّدا عن الإزعاج.   


mardi 4 décembre 2012

منتخبنا الوطني في المجلس التأسيسيّ إلى أين؟




1
أذكر، في ما يذكر اليافعون المغرمون بكرة القدم ،الشعور بالإهانة إثر الهزائم المتتالية المخجلة لممثل إفريقيا في كأس العالم بداية السبعينات.
ربّما اكتشفت، بذاك الشعور المذلّ، بعدا إفريقيّا في الشخصية، وربما كان بسبب من خيبة من انتصر وجدانيّا لقارة المقهورين المفقّرين الخارجين من عنف الاستعمار إلى استعمار ذوي القربى.ولكن ّ ما بقى من ظلال الذكرى هو الأداء المخجل المرتجل للفريق الإفريقيّ مقابل اللعب المنظّم العقلاني الممتع للفرق المقابلة من أوروبا وأمريكا الجنوبيّة.
وما زلت أرى، في ما يرى المستذكر، اللاعبين الفارقة يركضون في الملعب على غير هدى يركلون الكرة كماعزٍ نفور أو غزال شارد هارب من أسود ضارية.
حينها تأكدت من البون البائن بيننا وبينهم وبين عالمين مختلفين في كرة القدم وفي غيرها من شؤون الحياة الجادّة وغير الجادّة.
2
ومادام حديثنا قياسا وتمثيلا، نجد أنفسنا اليوم في ما يتّصل بشأننا الثقافيّ العامّ ، بفاعليه المسيطرين المبتدئين الواهمين وأدائهم المرتبك المخجل ، نستحضر ذاك الشعور بالإهانة.
فهم يعتقدون، في لغة ثورجيّة لا تناسبهم وإن كانت ببؤسها معبّرة عنهم ،أنهم يدافعون عن الأمة وثقافتها والهويّة وثوابتها.وبيد أنّهم ،حين ندقّق ونحقّق ،يمارسون التفكير في شرط الحريّة ويحلّلون الواقع الثقافيّ في العالم العاصف المتحوّل كما كان الفريق الإفريقيّ يمارس كرة القدم أمام لاعبي العالم.
    إنّ الثورة المدنيّة، بمطالبها في الحرّيّة والكرامة وبأثر الفراشة الذي امتدّ إلى قلب المدن العريقة في تأسيس الحريّة، قد رشّحتنا للمشاركة في كأس العالم للحرّيّات الفرديّة والجماعيّة وفتحت لنا الباب للدخول إلى نادي الإنسانيّة الحديثة. إلاّ أنّ هؤلاء الهواة المتخبّطين في أوهامهم وأوجاعهم وذاكرتهم المكتظّة بالمتون الصفراء المختنقة برواسب القرون الوسطى لم يدركوا بعدُ أنّ قواعد اللّعبة قد تبدّلت وأنّ للرياضة، في الفكر والممارسة، مواثيق وطرائق ومنهجيّات لا مناص منها.
ورغم ذلك مازال القوم يكابرون في شطح ثقافيّ مرتبك أشبه بدراويش لم يتقنوا الرقص على قواعده متمسّكين بخصوصيّة عاقر لم تلد من قبل غير الاستبداد ولن تلد مستقبلا إلاّ ما هو أشدّ وأنكى. فصرنا نتجادل كالصبيان في كونيّة حقوق الإنسان أتُضمّن في الدستور أم لا؟ وفي الشريعة، دين البداوة كما قال جدّنا ابن خلدون، أمصدر للتشريع هي أم لا؟ وفي الفرق ، أعزك الله وأعزّ بك ،بين مساواة آدم وحوّاء و تكاملهما؟
3


لقد انهزم الفريق الإفريقي في كأس العالم ، بداية السبعينات، ولعلّه تدارك أمره ليتعلّم بعد الهزائم القاسية المهينة قواعد كرة القدم حسب أصولها وأساليبها الحديثة ولكنّ ما تتخبّط فيه نخبتنا الوطنيّة بالمجلس التأسيسيّ الموقّر قد يفضي بنا ، ونحن نلعب في الوقت البديل ، إلى هزيمة قاسية لا تستحقّها فرقنا الوطنيّة التي قدّمت منذ سنوات بطولات قويّة تدلّ على إرادة في الحداثة السياسيّة والاجتماعيّة لا يعبّر عنها فريقنا الوطنيّ بثقافته السياسيّة أحسن تعبير وأوفاه.فشرعيّة السير في مسالك التاريخ والتحديث رغم الأوجاع خير وأبقى من شرعيّة الصناديق المؤقّتة وشرعيّة الممانعة الثقافيّة المحنّطة.
أهو خطأ في اختيارات المدرّب الوطنيّ أم ضعف في الإعداد المعرفيّ والتأهيل الفلسفيّ واللّياقة الفكريّة والتدريب الحضاريّ ؟
أهو عجز بعض اللاعبين عن الأداء الجيّد وتخاذلهم إذ اكتفوا بما تعلموه في فرقهم حين كانوا في الدرجة الثانية وما تشرّبوه من مسكرات انتهت صلاحيّتها أثناء سهرهم خارج معسكر التدريب بباردو؟
 أم هي نيّة مبيّتة من  لاعبي أحد الفرق الثلاثة التي تصدّرت الطليعة في دوري الانتخابات الطليعة لفرض أسلوبهم في اللّعب على الخطّة التكتيكيّة للفريق الوطنيّ؟
  مهما يكن من أمر فالهزيمة محدقة بالفريق كلّه و سمعة علمنا الوطني في الميزان ولا أحد يريد خروجا مهينا من كأس العالم للحرّيّة والإنسانيّة الجديدة.
   أفلا تعتبرون  من أخطاء المارين من كؤوس العالم السابقة وأغاليط العابرين في الكلام العابر؟