lundi 29 août 2011

كونوا واقعيّين اُطلبوا المستحيل


شذرات الثورة

1
    يحقّ لنا ،في تونس اليوم ،أن نستعيد من ذاكرة الثورات طلب المستحيل مثلما استعادت ثورة ماي 68 المفارقة الفاتنة في عبارة المجاهد الأمميّ شي غيفارا :" كونوا واقعيّين ، اُطلبوا المستحيل".
    يجب علينا في تونس اليوم التي استلهمت من قصيدة شاعرها الرائي شعار " الشعب يريد..."أن ننتبه إلى الصلة العميقة بين الطباق البديع الذي جمع ،في شعار غيفارا، إلى الواقعيّة طلبَ المحال من جهة والتشارط القويّ في افتراض أبي القاسم الشابّي استجابة القدر لإرادة الشعب من جهة أخرى.
2
    طرحت إحدى القنوات ، في ليلة من ليالي القدر الممكنة ،مسألة "كلاميّة" حول الوحي والنصّ في فكر المسلمين ووجدانهم.فطفق بعض الفايسبوكيّين يعترضون على طرح المسألة أصلا للنقاش.
   وإذا صرفنا النظر عن تهم تقليديّة تتصل بــ"التهجّم على الثوابت" ووجود "مخطط لضرب العقيدة" فقد قرأنا في بعض التعاليق حديثا عن أن المسألة من اختصاص النخبة لا تفيد "العامّة الذين مسّهم البرنامج في معتقدهم" لأنّ "المتلقّين " بسطاء" (كذا !) وهم " جمهور من الدهماء لم تخرج من مراتع الجهل بكل من التراث وبمكاسب العلوم الإنسانيّة".
    ثمّ إنّ النقاش " في مثل هذا الوقت هو حقّ أريد به باطل" وكان من الأجدر صرف هذا الوقت في "مناهضة المعتدين الأجانب على العباد والأرض في ليبيا" حسب أحد المعلّقين.
    وقرأت صدفة لأحد الأقلام الصفراء بصحيفة ( صفراء فاقعة) تعليقا على سحب الحكومة لتحفظاتها على اتفاقية القضاء على كلّ أشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو).وحجته أن القرار اتخذ في غفلة من الشعب الذي لم يستشر ولم يؤخذ رأيه وكان من الأجدر للحكومة المؤقّتة " التي تنتهي مهمّتها بعد أسابيع قليلة" أن تترك الأمر لما بعد الانتخابات المقبلة.وينتهي المقال بالحجّة المتعاودة" ما قيمة وما أهمّيّة رفع التحفّظات التي لها علاقة بهوّيّة الشعب التونسي ولها صلة بتشريعاته الدينيّة ولها ارتباط بخصوصيّته الثقافيّة".
3
   تختلف القضايا والمضامين ولكنّ الخطاطة واحدة:
  حجّة الشعب ( ومشتقاته التي تتبدّل بحسب السياقات والمقاصد كالدهماء والجماهير والجهلة والبسطاء ...) احتقارا لهذ الكتلة المبهة من القاصرين أو إعلاء من شأن هذا الكائن الهلاميّ الموحّد الواحد الأحد.
    و حجّة التوقيت ومدى مناسبة طرح هذا الموضوع أو ذاك و اتخاذ هذا القرار أو ضدّه.
  بيد أنّ المبتدأ والخبر واحد :هويتنا وعقيدتنا وثوابتنا وخصوصيتنا الثقافيّة حتّى أصبح الأمر واضحا فاضحا:كلّما تعلّق الأمر بحالنا الثقافيّة واستتباعاتها الاجتماعيّة والحقوقيّة وتصوّراتنا عن الوجود والإنسان والإله استنجد بعضنا بالشعب وحسّه المشترك وبالتوقيت ومدى مناسبته.
ولكن لنتصوّر أنّ النقاش عن الوحي والنصّ كان لتكرار التصوّرات الكلاسيكيّة التي استقرّت في التقليد الثقافيّ السنيّ الأشعريّ ولنتصوّر أنّ الحكومة لم تستجب لضغط بعض قوى المجتمع المدني المنادية بالمساواة التامّة بين الجنسين وتمّسكت بالتحفّظات القديمة أكان لحجّتي الشعب والتوقيت مكان ؟
4
   نتفهّم لدى شقّ من أبناء بلدنا هذا الخوف.
   إنّنا نعيش الرهبة من الفوضى وبلبلة الأفكار وتغيير العقائد والإيديولوجيّات فكلكل القمع ومنع المجتمع من التعبير عن تناقضاته على نحو مدنيّ كلكل ضاغط قاهر.
  إنّنا نعيش قلقا عميقا من الآتي وما يخفيه (وإن كان مجلسا تأسيسيّا وحكومة شرعيّة ورئيسا جديدا) فشبح الدكتاتور مازال يحوم على مدينتا ويعمّر أفئدتنا.
     إنّنا نعيش تهديدات مختلفة لهويّة تشكلت تاريخيّا في الضمير الجمعيّ والمخيال فما زلنا واقعين بصور مختلفة تحت صدمة الحداثة المعطوبة التي لم تزدها العولمة وسهولة حركة الأفكار والأوهام والأخطار إلاّ هزّات ارتداديّة لزلزال هزّ الوجدان هزّا.
    ولكن الحاصل أنّنا بقلقنا ورهبتنا وأوهامنا عن ذواتنا كمن ينتظر البرابرة الذين لن يأتوا فنستسهل الحدّ من الحريّة : حرّيّة بسط الأفكار المفزعة والآراء غير المألوفة والقضايا التي تبدو لنا محرّمة والمسائل التي نتوهّم أن القول الفصل فيها قد قيل.
    غير أنّنا نظنّ أنّ كرامة الإنسان وحقوقه وحريّته وانتفاعه بمحصول الذكاء البشريّ بتنزيله في السياق الثقافيّ والاجتماعيّ المخصوص لا ينتظر المجالس التأسيسيّة وألاعيب السياسيّين ضيّقي الأفق وحرّاس الهوّيّة المتعطّلة ومناورات المختصّين في ربح الوقت على حساب مسارات التاريخ البشريّ الواضحة.
     لنتذكّر فقط أن من حجج الأنظمة الاستبداديّة السمجة لحرمان الناس من حرياتهم الفرديّة والجماعيّة وحقوقهم المعترف بها دوليّا ما كان يستند إلى الخصوصيّات الثقافيّة سواء عندنا في فضائنا العربيّ الإسلاميّ أو في ما شابهه من الفضاءات.
5
     ليس من باب الصدفة أنّ الأسئلة الجذريّة التي تطرح في بلادنا على نحو علنيّ وإن في إطار استقطاب بذيء بين السلفيّين والحداثيّين يعسر أن نجدها بالعمق نفسه في بلد ذي تاريخ ثقافيّ عظيم مثل مصر.
   ويعود هذا في تقديرنا إلى ما يبدو لنا استثناء ثقافيّا تونسيّا في العالم العربيّ بفضل نخب عُرفت بحسّ نقديّ حادّ واطلاع محترم على ما يعتمل في الثقافات المتوسّطيّة بالخصوص واتصال لم ينقطع بالأسئلة المطروحة في الفضاءات الدوليّة.والمفارقة أنّ بعض الإسلاميّين التونسيّين أنفسهم استفادوا من هذه الحركيّة الفكريّة والثقافيّة فتميّزوا مقارنة بالحركات السلفيّة والإخوانيّة السائدة في المشرق وفي جزء من المجال الأسيويّ بل في الفضاء المغاربيّ نفسه.
6
    لو فكّر المصلح الزيتونيّ الطاهر الحدّاد في أمر المرأة والأسرة والمجتمع تفكيرا يراعي الجمهور والدهماء والتوقيت والظروف والأولويّات لاحتفظ بامتيازاته شيخا جليلا يبيع بضاعة مطمئنة مكرّرة لما حفظ من المتون والحواشي.
    ولو فكّر المبدع أبو القاسم الشابيّ في الخيال واللّغة التي نقول بها الوجود والوجدان تفكيرا مشدودا إلى مقرّرات البيان يستعيد ذاكرة البديع وتقاليد القول وعمود الشعر لما دعا الناس إلى النور و" النور عذب جميل" .
    ولو فكّر المحامي المثقّف الحبيب بورقيبة في الدولة والعائلة والتربية والتعليم والقضاء الموحّد بمنطق العرف والعادة وما يقبله الحسّ المشترك لما صنع جيلا قادرا على حفر قبور المستبدّين الجهلة وعلى تفكيك جهاز الحزب العتيد الذي بناه ، ويا للمفارقة ،بورقيبة نفسه .
    لقد كانوا واقعيين جدّا فطلبوا المستحيل الذي لم يخطر على بال جماهير شعبهم أصلا ضمن جدليّة أصيلة توسّع فضاء قول ما لايقال ليدخل مجال المفكّر فيه وتصنع أسئلة صادمة حارقة تهدم بقدر ما تبني.
7
   يحقّ للسياسيّ أن يمارس لعبة الممكن بمرحليّتها وتوقيتها ومراعاتها للظرفيّ والتكتيكيّ وله أن يرضخ للحسّ المشترك ويتلاعب بالقلوب والعقول في ركونها للثوابت واحتمائها بالهوّيّة الجامدة.
   ولكن من واجب المثقّف التونسيّ الأصيل أن يواصل تقاليد ثقافته التحديثيّة صانعة الأسئلة الجديدة في ضرب من طلب المستحيل الذي يوسّع هامش الحرّيّة ويقلّص من متن المحرّم والممنوع.
8
    يبدو لي أنّ الواقع والممكن والضروريّ والظرفيّ مفردات من معجم السياسيين تنتهي بهم إلى الحدّ من الحرّيّة باسم " المسؤوليّة الوطنيّة" مثلا أو " المصلحة العامّة" أو " هوّيّة البلاد والعباد" .
    وإنّها لخيبة فاضحة قاتلة أن يقتفي المثقّف الأصيل خطى السياسيّين فلا يتحصّن بالإرادة القويّة ضدّ الواقع البائس وبالخيال الخلاّق ضدّ الممكن الكاذب وبالرغبة الجامحة ضدّ الضرورة القاسية وبمطلق الحرّيّة ضدّ الظرفيّ التكتيكيّ العابر.
9
    يبدو لي أيضا أنّ ثقافة الثورة تحتاج إلى مثقّفين لا تستهويهم شهوة السلطة ولا تنطلي عليهم ألاعيب حماة النظام الكائن أو الذي سيكون ولا يتنازلون لميكانيكيّي الإيديولوجيّات الزائفة والعقائد الجامدة ولا يتورّعون عن فضح الكتبة الذين يزوّقون الابتذال السائد.
    إنّ مثقف الثورة العميقة، بعيدا عن ريطوريقا الثورجيّين وخارج دوائر الفعل السياسيّ النفعيّ، إذا أراد الحياة سيكون واقعيّا من طالبي المستحيل والقدر مستجيب لا محالة وإن بدا بعيدا.


   


lundi 22 août 2011

مساهمة في تفكيك تاريخ القهر والاستعباد


        مقدّمة "  كتاب السير" للطفي عيسى




     يعسر عليك، وأنت تقرأ كتاب لطفي عيسى هذا، أن تمنع نفسك من ممارسة لعبة الإسقاط: إسقاط ما تطّلع عليه، لأوّل مرّة، من معطيات ووقائع على بعض ما يصل إلينا يوميا من أخبار تتداولها المصادر الرسمية وشبه الرسمية أو تلهج بها الألسن في المجالس الخاصة فتنتشر هنا وهناك.
     لن تمنع نفسك من أن ترى مثلا في علاقة المصاهرة بين تاج العارفين من الزاوية البكرية وبين أم هاني من الزاوية القشاشية ما يذكّرنا بأنباء عن بعض أبناء عصرنا. فالمصالح المادية الدنيوية الواقعة وراء هذه المصاهرة والرغبة في تكديس الثروة وحمايتها من سطو المخزن عليها تحيي في الذاكرة نثارا ممّا شاع عن العلاقات التي تربط بين أهل الاقتصاد والسياسة والدين. ولولا خشية الوقوع في المحظور لأمكن ذكر تفاصيل الأسماء والألقاب والمصالح والدوافع. لكننا نكتفي بما أشار إليه لطفي عيسى نفسه من علاقات مشبوهة بين عائلتي الصديقين اللّدودين جورج بوش الابن وأسامة بن لادن.
   ولن تعرف كيف تقفز إلى الذهن أخبار كثيرة، ربما كانت لا تخلو من مبالغات، عن أرهاط من الوصوليين والمؤلّفة قلوبهم الذين عاشوا جزءا وافرا من حياتهم في خدمة أسياد لهم، بما تحمل عليه كلمتا سيّد وخدمة من دلالات على الحقيقة، فكانت مرقاة لهم إلى الشرف والثروة ليولدوا ولادة جديدة وما يزال شيوخ الحيّ، على ما في مثلنا الشعبيّ، أحياء يرزقون. وهو ما عمل لطفي عيسى على إبرازه من خلال دراسة حالات من الترقي الفردي والعائلي في سلم الوجاهة الاجتماعية والسياسية والدينية بعد التمرس بطقوس الطاعة والامتثال والجلوس أمام السيد مجلس الميت أمام غاسله.
    وأنّى لنا أن نمنع أنفسنا ونحن نطالع تحليل لطفي عيسى لاستراتيجيات صاحب "الحلل السندسية" في صوغ سيرة حسين بن عليّ على أساس مبهر كفيل بإصباغ الشرعية عليه وفق الأنموذج الذهني السائد، من المقارنة مع ما يكتب اليوم عن سيغولين روايال أو نيكولا سركوزي، تمثيلا لا حصرا، من سير تحظى بانتشار عجيب. ولها أشباه ونظائر من الكتابات التي تبرز جوانب من استراتيجيات اصطفاء السياسيين وأصحاب القرار في الأنظمة الديمقراطية. وإذا وجد القارئ المقارنة، لبعد المكان والزمان متعسّفة، فإنه يستحيل عليه حين يقرأ تحاليل لطفي عيسى لتشكّل بعض السلالات الحاكمة كما صاغتها كتب التراجم ألاّ يستحضر ما يروج من أخبار ويتّخذ من إجراءات في بعض الأنظمة هنا وهناك (وليست عربية بالضرورة) لتوريث الأبناء أو الأقارب.
   والحقّ أن وجوه التشابه والتماثل عديدة في هذا الكتاب تستدعيها تحليلات ممتعة للتعامل بين رأس المال الرمزي رأس المال الحقيقي واستثمار أحدهما لتنمية الآخر وأسلوب تعامل أصحاب السلطان والسياسة مع رموز الدين الشعبي من زوايا ومقامات واحتفالات دينية وتوظيف مظاهر من الممارسة الدينية للإعلاء من شأن أهل السلطة ونمذجتهم ليوافقوا الذهنيات السائدة وفي غير هذا كثير مما سيطلع عليه القارئ بنفسه في فصول هذا الكتاب اطلاعا يجعله يردّد كما ردّدنا :"ما أشبه اليوم بالبارحة ».
    نعم، تغيّرت الأمكنة والأزمنة، وتبدّلت الوجوه والأسماء، وخرجنا من السير والأخبار والمناقب تستنسخ بالأيدي الفقيرة إلى ربها المخلصة لأولياء نعمتها لندخل عصر أهل الإعلام وشركات الإشهار ومراكز البحث. وربما تغيرت الاستراتيجيات في أمدائها وملامحها وقدرتها على التخفّي ولكن المقاصد واحدة تترابط فيها شبكة ضاغطة قاهرة سداها تثمير المال ولحمتها توظيف العقائد الدينية والدنيوية ومجالها بهجة السلطة وفتنتها. ولا يهمّ مع هذا النسب فهو يصنع رمزيا ليصطنع عند الحاجة وإذا لم يكن ذلك ممكنا، لأمر ما، فإن من عبر التاريخ وقوف أحد الخلفاء شاهرا سيفه متحديا من يعرف حقيقة أصله وفصله ليقول :" هذا حسبي وهذا نسبي ».
وقد يرى أهل العلم بالتاريخ هذا السلوك أخرق لأنّه يمنع من رؤية التحوّل والتبدّل، وقد يعدّونه ساذجا لبداهته في سلوك غير المختصّين. وهو في الحالتين من عيوب صناعة التاريخ كتابة وقراءة.
وقد تكون خصائص الكتابة لدى لطفي عيسى وأسلوبه الشيّق في العرض قد ساهما بمقدار في أن تسلك، أيّها القارئ، سلوك قرّاء الروايات المكتوبة والمرئية مع أحداثها وشخصياتها. وقد يكون الخيط الرفيع الرابط بين الجنس الروائي القائم على التخييل والداعي إلى ضروب شتّى من المشاركة الوجدانية وبين نمط الكتابة في السير الغيرية من تراجم وطبقات ومناقب،وهي الأساس في هذا الكتاب،هو الذي يجعلنا ننزلق من مادية الوقائع وحيثياتها الدقيقة إلى ما يقع وراءها أو يراد بها من قيم متعالية ونماذج عامة مشتركة. وقد يكون هذا الجمع، ذهنيا، بين عصور متباعدة وأحداث مختلفة البيانات وشخوص وفاعلين متمايزين عائدا إلى أننا من جهة التصوّرات الكبرى والعقليات المشتركة لم نتغير إلاّ قليلا. غير أنّه علينا في جميع الحالات أن نكفّ عن اصطناع هذه البراءة وهذه العفوية.
    فمنذ متى كان التاريخ لا يكتب انطلاقا من شواغل عصره وأسئلة المقبلين على التأليف فيه؟ ومنذ متى كانت عملية صناعة التاريخ غير متمركزة على ذات صانعه ومنتج القول التاريخي ومقاصده ونواياه المعلنة والمبيتة؟ وأيّ مؤرّخ أمكنه أن يفلت، إن قليلا وإن كثيرا، من حبائل الإسقاط وشرائك التركيب والتنسيق حتّى يستقيم له السرد ومنطقه ويتمثّل له الحيّز الوقائعي الذي يشتغل عليه متماسكا منسجما؟ وأيّ مؤرخ يمكنه أن يدّعي أنه يتحكّم في مادته كلّ التحكّم ويتصرّف في قطع الفسيفساء المنقوصة دون أن يبتني ضروبا من الترابط والتناسق يراها منطقيّة أو يشبّه له؟
    لعلّه قدر المؤرّخ ليمنح فوضى الأحداث معناها وليجعل للوقائع أبعادا قد لاتكون لها شأنه في ذلك شأن المهرة من أهل السرد والحذّاق من الروائيين. ولولا هذه المفارقة لفقدت عملية التأريخ معناها ولاكتفينا بما يدوّنه مؤرّخو اللحظة الراهنة في حولياتنا المعاصرة صحفا ومجلاّت ووكالات أنباء وأنترنات وإرساليات قصيرة ولا ندري ما الذي سيبتكر مبدعو الثورة الاتّصالية في قادم الأعوام بل الأشهر والأيّام.
   واعتقادنا أن هذه الوظيفة التي يضطلع بها المؤرّخ في تصفية الوقائع وتنقية الأخبار لزرع بذرة المعنى في الأحداث العمياء ولإنطاق فوضى الوقائع المتراكمة المتدافعة تهدف في نهاية الأمر إلى بناء رواية ما تسهم في توسيع السردية الكبرى التي نسمّيها التاريخ وجودا ونصّا. وهذا، لو ندري، ميدان صراع وتنازع وغلبة قد يشترك فيه المؤرخ والأديب الرّوائي والفيلسوف والمثقف الذي امتنع عن أن يستحيل "خبيرا" و"مستشارا". ولكن سرد المؤرّخ، في تقديرنا، يظلّ الأساس الذي ينبني عليه صراع الروايات هذا.
    وللطفي عيسى في هذا الكتاب رواية من هذه الروايات التي لفتت انتباهنا بمادتها وتناسقها. فقد عجبنا بعض العجب من عنايته المفرطة أحيانا بنصوص المناقب وما تحفل به من تهويمات وترّهات وخوارق وكرامات وما تنبني عليه سِيرُ الزهّاد والمتصوّفة وأصحاب الزوايا ومن شاكلهم من نمطية مقيتة. وكان في وهمنا أن البحث في سير المجاذيب الذين يكرعون من "نهر الدّموع المكلل بالورد"،على حد استعارة كارل ماركس البديعة، لا يمثّل أولوية ما والحال أنّ في طقوس الزوايا والمقامات ما يؤبّد البؤس الفكريّ المعمّم. أفلا يكفي أن كلّ عائلة تونسيّة تقريبا تزعم ارتباطها بوجه من الوجوه بإحدى الزوايا وينتسب أفرادها، مفتخرين، لهذا الولي الصالح أو ذاك حتّى عقدت مؤسسات رسميّة لبعض أعلامهم الحلقات والندوات تذكر فيها مآثرهم ويشيد بخصالهم الدارسون وأشباه الدارسين؟
   ومن فضائل بعض اهتمامات لطفي عيسى البحثيّة، علينا على الأقلّ، أنّها عرفت كيف تحيي هذه الأرض الموات وتستخرج من ظلال معانيها، وما اعتقدناه فيها ضلالا، جملة من الحقائق والإيضاحات.
   فقد كشف صاحب الكتاب، بفضل إصغائه إلى هذه النصوص ونقدها، أي وضعها موضع أزمة، عن خاصيّة فيها لعلّها رغّبت جلّ الوضعيين وأهل التنوير والتحديث الفكريّ عن تفهّمها. فهي نصوص تخفق، أيّما إخفاق، في الإجابة عن "استمارة المؤرّخ" بحيثيّاتها وتفاصيلها وتدقيقاتها وترابط معطياتها المنطقي. إلاّ أنّ هذه الكتابات تقع في حيّز مبهم يجمع الوقائعيّ بالتخييليّ والمعرفة العالمة بالذائقة الشعبية ويلتبس داخله السيريّ التاريخيّ بالاعتباريّ المتعالي وتتمازج فيه حقائق التاريخ بركاكة المواعظ. وهذا بعض ما يجعل منها جزءا من الخطاب التاريخي عامة بتداخل حيثيّاته المعتبرة في صناعة قول المؤرّخ والعبر والمغازي التي يجهد كتبة التاريخ في الوقوف عليها. فالحدث والواقعة لا يقدّمان إلاّ مُلْتبِسيْن بتمثّلهما، مُشْبعيْن بالقيم التي تسند إليهما. والكلّ يعرض في رواية محكمة النسج بنسقيّة سردها وتواتر مقاطعها وتشابه موادها حتّى وإن كان هذا الصنف من الخطابات يستجيب، في استراتيجيّته وآلياته، لحقوق الذهنيّات السائدة زمن الكتابة، وهي مستعدّة أصلا لتصديق الترّهات والكرامات والغرائب، أكثر مما يستجيب لرغبة المؤرّخ المدقّق المحقّق الذي يرجع بالأوراق التي وضع عليها أسئلته دون إجابات، في الأغلب الأعمّ، أو بإجابات مبتسرة لأنّه سأل في كتب المناقب عمّا لم تطرح هذه الكتب على نفسها الإجابة عنه.
    ولكن لطفي عيسى اختار، عن وعي ولا ريب، أن يسير في مضايق هذا السرد المهمّش، (ومن دلالات المنقبة لغويّا الطريق الضيّق بين دارين)، ليستصفي صلات بين الأوهام والوقائع وبين التمثّلات الذهنية والأحداث التاريخية مثرية للفهم. وليس أقلها دلالة في اعتقادنا صياغة صور من مآزق الكتابة التاريخية لسير الصالحين وأهل السلطان وآليات اشتغال خطابات المؤرّخين والأنماط المجاورة لها أو المتولّدة منها وعنها. ومن فضائل هذه الممارسة النصّية القائمة على إعمال معول النقد في مضمرات كتب التراجم واستراتيجيتها وفي كتب المناقب وتهويماتها أن تخرجها من هامشيّتها المؤثّرة في الوجدان العام والضمير الشعبي فتستعيدها نقديّا ضمن صِنَافَة الخطابات لتقول ما يمكنها قوله في ضرب من التعدّدية الصوتية للنصّ التاريخي لاتُقْصي لكنها توازن ولا تزعم الحقّ المطلق بل تبني الحقائق بناءً فتضع هذه الكتابات موضعها من تداول الكلام عن الواقع وأحداثه.
    غير أنّ هذا الانفتاح النصّيّ والفكريّ يكشف لنا جوانب ممّا يمكن تسميته بتفكيك تاريخ القهر والاستعباد. فظاهر المناقب وسير الزهّاد والصالحين وأصحاب الكرامات تجارب ثريّة شاقة ومسارات متعرّجة شيّقة تخترق أحيانا، رغم نمطيّتها، المحظورات وترفع التكاليف فيشهد أبطالها أنواعا من الولادة الرّوحية الجديدة تدلّ، لدى أهل عصرها،على اصطفاء ربّاني لبعض خلقه ليستمرّ توقّد الروح والتداول على الشعلة المقدّسة المستمرّة من أنبياء اللّه فصحابة الرّسول وخلفائه فأهل العلم والصلاح. وظاهرها أيضا مزيج من الخصال الممدوحة المحمودة والبطولات المتعالية ونماذج من السلوك الروحيّ الرّاقي والحسّ الاجتماعي المثالي يُطْلَبُ فلا يدركه إلاّ من رحم ربّك. وهذا كلّه يقدّم في صيغ قوليّة قائمة على التضخيم والتّهويل مصطبغة بألوان أسطوريّة مقدودة من خيال مجنّح لغاية التّأثير في المخاطب وإعلاء العبرة على الواقعة. ومن هذه الزاوية لا يمكن إلاّ أن نتفهّم ما يعانيه المؤرّخ من صعوبات الانتقال من الآثار والشواهد والأرشيف، وما أدراك ما الأرشيف، إلى هذه المعتقدات والرموز والأوهام المحيطة بالوقائع التاريخية.
    ولكن من حسن الحظّ ومن صلابة منطق الوقائع الاجتماعية أن الواصل بين هذه السير العجيبة الخارقة لقواعد العقل وحيثيات الواقع التّاريخي هو استنادها إلى مؤسسات قائمة الذات كالشّاذليّة والقادريّة والجزولية وغيرها. وهي مؤسسات مهيكلة على نحو دقيق يحاكي أحيانا، بطقوسه ونواميسه ومراتبيته، هيكلة البلاطات وبنينة الزّعامات ولكنّه على قدر من المرونة لأنّه فضاء يحتضن اليتامى والمساكين وعابري السبيل والأقليات ومن شاكلهم من الضعفاء.
    والواقع، على ما أبرز لطفي عيسى، يضعنا أمام شبكة معقّدة من المصالح المتباينة المترابطة. فهذه المؤسسات بنيت على استراتيجيّات تشكّلت ببطء وبكثير من الاندفاع الإيماني والدّهاء السياسي. وتدلّ شواهد كثيرة على أن القائمين على هذه المؤسسات يتمتعون بقراءة دقيقة للمجال الاجتماعي واحتمالاته جعلتهم يمزجون مزجا عجيبا بين الثروة المادية والرصيد الروحي والرّمزيّ فأصبحوا الواصلين بين أكثر الفئات الاجتماعية رقيّا معرفيّا واجتماعيا وأقلّها حظا من العلم والوجاهة. وتنضاف إلى ذلك قدرة باهرة على رسم الحدود والمعابر بين الزعامة الروحية والزعامة السياسية والعسكرية داخليا وخارجيّا سواء للتكيّف مع المتغيرات السياسية وإكراهات المخزن أو للتعاون معه لإضفاء الشرعية السياسية على فاقديها مقابل توزيع للفضاء العمومي بعد التفاوض في شأنه أو لاستغلال النفوذ الاجتماعي المتأتي من الصداقات والتكافل والتضامن للضغط وتوجيه القرار بل لصنعه أحيانا كثيرة.
    إنّ هذا الخليط المتنافر المتناسق مازال إلى اليوم يفعل فعله، هنا وهناك، ليشكّل آليات غير مرئية للطاعة والولاء والرّضى بالقمع والقهر والبؤس المعمّم وهي آليات أيضا، من بين آليّات أخرى، لتكوين فرق الغلوّ والتطرّف والتحجّر العقدي. ولسنا في حاجة إلى التذكير بأنّ مفهوم الفرد الحديث وحرّيته الشخصيّة يقتضيان من بين ما يقتضيان فهم آليّات القمع للتخلّص من القمع والوعي بآليات الغلوّ للخلاص من الغلوّ.
    ولئن اتخذت هذه العوائق التي تحول دون تحرير الفرد مظاهر جديدة فإنّها مازالت تستند إلى نواة استيهامية ونسق سرديّ وأسلوب في الرّواية مندسّ عميقا في النفوس المضطربة والذهنية السائدة. وهو ما يحتاج منا إلى مسارات مغايرة في تشكيل الذوات الواعية بحرّيتها وإلى أساليب في سرد قصّتها أمضى وأحدّ. إنّها تحتاج باختصار إلى رواية جديدة للحياة تصارع بقايا الرّواية الخانقة الثاوية في أعطاف النفس ولانعرف لها منفذا نتخلّص به منها. على هذا وجدت فصول لطفي عيسى التي تؤلّف "كتاب السّير" : نصوص مضيافة للإسهام في كتابة رواية متعدّدة الأصوات لاتقول لنا "ما أشبه اليوم بالبارحة" فحسب ولكنّنا سمعناها تقول "لا ينبغي أن يكون غدنا شبيها بيومنا ". . . أو هكذا شبه لنا.
 لطفي عيسى : كتاب السير، مقاربات لمدوّنات المناقب والتراجم والأخبار،
دار المعرفة للنشر ( سلسلة مقام/ مقال )، تونس ، 2008 .

samedi 13 août 2011

عيدنا جميعا





إلى نساء تونس الرائعات ،
هنيئا لكنّ العيد الذي أنتنّ عيده .
كلّ 13 أوت وأنتنّ ترسمن لنا طريق الحرّيّة .

الجامعة والثورة



    شهدت الجامعة التونسيّة في الأسابيع القليلة الماضية ولأوّل مرّة في تاريخها، انتخاب جلّ هياكل التسيير فيها ديمقراطيّا:مديرو أقسامها وأعضاء مجالسها العلميّة وعمداؤها ومديروها ومجالس جامعاتها و خصوصا رؤساء الجامعات.

   لسنا نبالغ ، فلسنا من هواة البلاغة الثويّة، حين نؤكّد أنّه حدث تاريخيّ لا يمكن الاستهانة به لأنّه الحاصل من نضال مرير خاضه الجامعيّون الحقيقيّون ونقابتهم ولأنّه من النتائج العاجلة للثورة التونسيّة التي فتحت أمام الجميع آفاقا من الأمل عريضة لإعادة صياغة الأحلام والأفكار.
     فهل يمكن القول إنّ الجامعيّين قد حقّقوا أخيرا ثورتهم؟
     ليس من حقّ النخب ، بعد الثورة وخصوصا النخبة الجامعيّة، أن تخطئ.فأخطاء النخب، بأوهامها وادعاءاتها ونرجسيّتها وثقتها المفرطة في النفس، قاتلة.
    لقد أهدر الجامعيوّن عموما وقتا طويلا في المعارك الجانبيّة وصراع النرجسيّات ، وتواطأ جزء منهم مع نظام الاستبداد طمعا أو ضعفا أو تشفيّا من أشخاص  أو نذالة متأصّلة في بعض الأفراد.
      والثابت أنّ بعض الجامعيّين وقعوا في الشراك التي نصبها نظام حكم فاشل يحتقر العلم والمعرفة ويخشى المثقفين وأصحاب الرأي والجامعيّين ويحتكر القرار بصلف وعنجهيّة لا نظير لهما (جسّدهما أحد وزراء التعليم العالي السابقين الذين نعفّ عن ذكر إسمه أحسن تجسيد) فأدّى ذلك إلى تدمير إحدى مفاخر دولة الاستقلال بيد الجامعيّين أنفسهم تدميرا يتطلّب من الوقت والجهد والذكاء الكثير لإرجاع الأمور إلى نصابها.
    وربّما احتاجت الجامعة ، شأنها شأن غيرها من مؤسّسات الدولة ،إلى كثير من النقد الذاتي والمصارحة والمحاسبة حتّى تتهيّأ عمليّا للتخلّص من منطق الإخضاع والخضوع وحسابات ردّ الفعل والتشفّي لتبدأ التفكير في أزمتها ودورانها، منذ سنوات، في حلقة مفرغة من العجز عن الفعل والفراغ المقيت الذي تعيشه.فالواقع الذي علينا أن نقوله بكل وضوح ودون مداورة هو أنّ الفكر السائد في الفضاء الجامعيّ فكر محافظ منغلق متكلّس رغم إهاب التحرّر الظاهريّ.وهذا الانغلاق هو الذي يقعد بالجامعة عن كسر الحواجز بين الاختصاصات للانفتاح على الإمكانات الهائلة التي أتاحها الذكاء البشريّ وهو الذي يمنع  الأقسام العلميّة من التعامل في ما بينها لإنشاء براديغمات علميّة مخصبة تخرجنا من تفتّت المعارف وتسمح بصياغة تصوّر عام للمعرفة العلميّة يستجيب لحاجياتنا الاجتماعيّة والثقافيّة و لا يعيد إنتاج معرفة بالية غير متناسبة مع الثورة المعرفيّة العالميّة.
    ورغم ذلك نعتبر أنّ الجامعة التونسيّة أوّل قطاع يستفيد من الثورة فعليّا ويبدأ في إنجاز ثورته.غير أن الرهان لا نراه في آليّة الانتخاب لتأسيس شرعيّة التسيير الجامعيّ ( على أهمّيّة الرهان وقد كسب) بل الرهان الحقّ على الأطر الجديدة والأساليب الممكنة للتفكير الجماعيّ في أمراض جامعتنا وعللها المزمنة والظرفيّة بعيدا عن الوصاية والإخضاع ورفض النقد والاعتراض والاحتجاج.فعلى أساس هذا الأسلوب البائس في التسيير وجد الجامعيّون أنفسهم في دائرة اليأس والإحباط وانعدام الثقة وانتظار القرارات والتعليمات الفوقيّة كأنّها قدر محتوم.
    واعتقادنا انّ كلمة السرّ في هذه المرحلة هي المشاركة.فما كنّا نفتقده ،وعلينا أن نتعلّمه جميعا ،هم التسيير المشترك للشأن الجامعيّ.وهو ما يقتضي أساسا قدرة المسيّرين بشرعيتهم الانتخابيّة على تجاوز نمط التفكير الفرديّ الممركز والاستعداد لتقاسم السلطة المؤسّسيّة وأخذ السلطات المضادّة الطلاّبيّة والنقابيّة والقاعديّة والإداريّة داخل الجامعة وخارجها بعين الاعتبار.
    إنّ هذه المشاركة تحتاج بالخصوص إلى قلب أسلوب العمل على أساس حوار مخصب بين الهياكل الجامعيّة المختلفة وبين الفاعلين في الفضاء الجامعيّ ينطلق من القاعدة إلى القمّة دون مركزة مفرطة للقرار.إنّه لتمرين عسير ولكنّه ضروريّ حتّى لا تفشل الديمقراطيّة الجامعيّة.
    وأشدّ عسرا من ذلك حماية المؤسّسة الجامعيّة من كلّ نزعة هيمنة سياسيّة أو إيديولوجيّة.فالجامعة هي موطن الفكر النقديّ بامتياز تتصارع فيه الأفكار والآراء والإيديولوجيات خصوصا في مجتمع تعدّدي لتتحوّل من اختيارات فرديّة إلى مواضيع تفكير علميّ تتناول وفق النظريّات والمناهج العلميّة المعمول بها لدى المجموعة العلميّة العالميّة.فللجامعات ،إذا تمسكت بالتقاليد الجامعيّة ،آليّات للتعديل الذاتي يمكّن العمل بها من منع كلّ ما يمسّ بالحرّيّات الأكاديميّة وكلّ فكر سياسيّ أو إيديولوجيّ لا يصاغ على مقتضى المعرفة العلميّة.
    فلئن كانت الجامعة جهازا من الأجهزة الإيديولوجيّة للدولة تنتظم وفق قواعد ومدوّنة سلوكات وممارسات ضمنيّة لإعادة إنتاج نفسها وإعادة إنتاج الإيديولوجية السائدة فإنّها قادرة بحكم المسافة النقديّة التي تتمتّع بها على أن تتجاوز شرطها المؤسّس المرتبط بوظيفة تكوين الإطارات التي يفرضها التقسيم الاجتماعي للعمل.فالجامعات في بلداننا ساهمت في تأسيس الفكر الحديث وصنعت جانبا من إيديولوجيّة الدولة ومنظومة القيم الاجتماعيّة والثقافيّة ولم تكن بحكم حداثتها مجرّد حامية للإيديولوجية السائدة. واعتقادنا انّ الجامعة التونسيّة في السياق الراهن مازالت قادرة على أن تواصل مهمّة التحديث الفكري والثقافي والعلميّ والتقنيّ والاجتماعيّ رغم ضعف دورها التاريخي الذي جعل منها مصعدا اجتماعيّا.
    هل يمكن القول إنّ الجامعيّين قد حقّقوا أخيرا ثورتهم؟
    إجابتنا التي نراها أنّ الجامعة وفّرت شرطا أساسيّا من شروط ثورتها وهو استقلاليّة هياكلها العلميّة وبدأت تصنع سلطتها الشرعيّة ومن ثمّة سلطاتها المضادّة.ولكنّ طريق الثورة الجامعيّة مازالت طويلة محفوفة بالمخاطر الذاتيّة والموضوعيّة.وفي الحالات جميعا لا يحقّ للجامعيّين الخطأ لأنّهم من أهمّ صانعي العقول والمواطنين الجديرين بصفة المواطنة في مجتمع فقير لا يملك إلاّ ذكاء أبنائه.