dimanche 9 octobre 2016

الديمقراطيّة والأزمة الاقتصاديّة


 (صدر بجريدة الشعب يوم 15 سبتمبر)

يصادف صدور هذا العدد اليوم (15 سبتمبر) اليوم الدوليّ للديمقراطية. ورغم قيام هذا الاحتفال العالميّ على تأكيد المواقف الإيجابيّة بدل البكائيّات وإبراز وجوه التقدّم في البناء الديمقراطي بدل الحديث عن الخيبات والتحدّيات فإنّ ما يدعونا إلى حديث مبنيّ على الخوف على الديمقراطيّة مأتاه اعتماد دول العالم في السنة المنقضية لخطة التنمية المستدامة لعام 2030. وقوام هذه الخطّة التي وضعت تحت شعار "مستقبل أفضل للجميع" هو القضاء على الفقر بجميع أشكاله، ومكافحة  مظاهر عدم المساواة والظلم، وحماية المناخ على كوكبنا.
وبتنزيل الاحتفال في سياقنا التونسي فإنّني أجد ضربا من الشعور بالقدريّة يتهدّد في تقديري التأسيس الديمقراطي ببلادنا. ويتملّكنا هذا الشعور كلّما حاول الواحد منّا أن يقيّم الحاصل من المسار الانتقالي بعد خمس سنوات من الحراك الهائل الذي شهدته البلاد. فالتناسب طرديّ بين سيطرة الشعور بأنّ الآليّات والعقليّات والتصوّرات القديمة تعود إلى مواقعها والابتعاد التدريجيّ عن الشعارات التي رفعها الناس خلال الثورة وبعدها. ولعلّ هذا أكثر ما يتهدّد فعليا المشروع الديمقراطيّ في تونس.
ففي كل يوم نسمع تحذيرات من إمكانيّة عدم صرف أجور الأشهر المقبلة وفراغ الخزينة كما لو أنّ من أعدّ الميزانيّة أخطأ في تقديراته وعلى الأجراء تحمّل تبعات هذا الخطإ أو كأنّ مهمّة الدولة أن تدفع الأجور وهي عاجزة عن أن تقبض ما هو مستوجب لها من دافعي الضرائب. فمهما يكن حجم كتلة الأجور فمن الكذب على الناس القول إنّنا نقترض لندفع الأجور فأبسط الناس يعلمون أنّ مصدرها الموارد الذاتيّة للدولة التي يبدو أنها غير قادرة على فرض القانون واستخلاص ما قدرته من أموال الضرائب.
وبين الحين والآخر يخرج علينا هذا المسؤول أو ذاك  بتهديدات جدّيّة بتطبيق سياسات التقشّف التي طبقت في بلدان عديدة ولكنها لم تفرز إلاّ مزيدا من المشاكل والتوتّرات ولم تصلح فاسدا. والأغرب أنّ بعض من هم مؤتمنون على تعديل الاقتصاد وتحقيق توازناته مثل السيّد محافظ البنك المركزي لا يتوانى عن تذكيرنا في كل مناسبة، ببرودة أعصاب كما لو أنّه غير معنيّ بالأمر ولا مسؤوليّة له فيه، بأنّ الدينار سيتدحرج أكثر فأكثر!  
وليست المشكلة في الأرقام المقدّمة، فهى على تضاربها أحيانا تمثّل مؤشّرات سلبيّة، ولا في مدى جدّيّة المخاطر فهي قائمة فعلا وفي تجارب البلدان التي تعاملت مع صندوق النقد الدولي والبنك العالميّ وخضعت لشروطهما ما ينبئنا عن بعض ما ينتظرنا في قادم السنوات.
إنّ المشكلة تكمن في ما يبدو لنا بمثابة سيناريو جاهز شاهدنا فصوله وحلقاته في بلدان أخرى عاشت بعض ما عشناه وهي اليوم رهينة القروض ودفع الفوائد المركّبة مع خفض العملة ورفع معدّلات الفوائد والتخفيض في الأجور وغير هذا ممّا بات معروفا من حلول قاتلة. فالمبتغى الأسمى هو خصخصة المشاريع الحكوميّة وأملاك الدولة.
إنّ الشعور الذي تحدثنا عنه إنّما هو شعور بالكارثة المحدقة التي لا فكاك منها سواء ترجمناها عقلانيّا إلى سياسة ليبيراليّة متوحّشة أو حدسناها حدسا ممّا نعيشه يوميّا. والأخطر انّ السياسيّين والتكنوقراط الذين يسندونهم يرون ما نرى ولكنّهم لا يقومون إلاّ بتأجيل المصيبة في انتظار وقوعها أو تقديمها للناس على جرعات. فأيّة ديمقراطيّة يمكن أن تبنى أو تطوّر في مثل هذا السياق الكارثيّ؟ وهل تعني الحريّة لدى القوى الماليّة العالميّة والمحلّيّة المتنفّذة نفس ما تعنيه لدى النخب والشعوب؟
ولئن قامت النخب القانونيّة في تونس بدور تاريخيّ في مستوى صياغة دستور يضمن الحريّات والحقوق الأساسيّة، وهو مكسب ديمقراطيّ لا ريب فيه، فإنّ دورها في ما يبدو قد انتهى. ولكن يبدو أنّ النخب الاقتصاديّة القادرة على تجنّب الحلول النمطيّة المفروضة المؤلمة وإيجاد المسالك الممكنة للخروج من هذه الطريق المسدودة إمّا محكومة بنفس المنطق القاصر على الإصغاء إلى أسئلة الواقع الاجتماعيّ والاقتصاديّ المحرجة وإمّا أنّها عاجزة فعلا عن صياغة التصوّرات وتقديم البدائل. فقد سمعنا كثيرا عن ضرورة تغيير منوال التنمية ولكنّ لا أحد، في ما نعلم، فسّر لنا بالباء والتاء هذا المنوال البديل.
إنّ الأخطار التي تتهدّد ديمقراطيّتنا ليست من الصنف العرضيّ الذي يمكن التوقّي منه بشيء من الإرادة والعزم والتخطيط ولكنّه من صنف يمسّ أسس وجود الديمقراطيّة نفسها. فهل نسيء بهذا التقدير؟ نرجو ذلك.


Aucun commentaire: