mercredi 6 janvier 2016

الاتحاد العام التونسيّ للشغل: قصّة شغف تونسيّ


نشر المقال في "العربيّ الجديد" 
بتاريخ 6 ديسمبر 2015

في استفتاء على موقع جائزة نوبل للسلام طُرح على الزائرين السؤال التالي:" هل تعرف الرباعي الراعي للحوار الوطنيّ التونسيّ ومساهمته في الديمقراطيّة بتونس؟" فجاءت إجابات 70 بالمئة من المصوّتين بالنفي. ومن حسن الحظّ أن البيان الذي أصدرته لجنة الجائزة يقدّم فكرة عن المؤسّسات الأربعة (الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة والهيئة الوطنيّة للمحامين بتونس والرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان) التي كوّنت هذا الرباعي ودورها وأهميّة ما قامت به في إبعاد شبح الحرب الأهليّة عن البلاد.
غير أنّ ممّا ينبغي إبرازه الدور المركزيّ الذي قام اتحاد الشغل داخل هذا الرباعيّ. فهو من بادر إلى دعوة الفرقاء إلى مائدة الحوار وضمّ إليه الأطراف الثلاثة الأخرى التي رعته وقاد أمينه العام المفاوضات العسيرة. ويهمّنا، بعيدا عن سياق التمجيد والفخر الوطني الذي عمّ شريحة واسعة من التونسيّين، فهم المسار المعقّد الذي أوصل إلى هذه التجربة في إدارة الخلاف السياسيّ.
ومن حسن الحظّ أنّ الباحثة هالة اليوسفي، الأستاذة المشاركة بجامعة باريس - دوفين، يقدّم لنا قراءة سوسيولوجيّة علميّة لهذا المسار وحيثيّاته. ففي كتابها الصادر بالفرنسيّة هذه السنة، قبل الإعلان عن جائزة نوبل، بعنوان "الاتحاد العام التونسي للشغل" قصّة شغف تونسي" ( نشر بالاشتراك بين معهد البحوث حول المغرب المعاصر ودار محمّد علي الحامي بتونس) معطيات كثيرة مفصّلة عمّا أهّل اتحاد الشغل لأداء هذا الدور.
الوجه والقفا
لقد جنّب الحوار الوطني تونس، لدى المراقبين، سيناريو الاحتراب الداخلي وسيناريو إزاحة الإسلام السياسيّ من الحكم بواسطة اانقلاب العسكريّ. ومن مكوّنات هذه الصورة الورديّة توافق التونسيّين على دستور مدنيّ حديث متطوّر وانتقال سلس للسلطة عبر انتخابات نزيهة في عمومها.
لكنّ قفا الصورة يكشف بعض ثوابت الحياة السياسيّة في تونس وربّما توجّهاتها المستقبليّة.فما قام به حسين العباسي، الأمين العام لاتحاد الشغل،كان مغامرة سياسيّة تاريخيّة. غير أنّ ضمانات هذه المغامرة تكمن في ثقافة الاتحاد نفسه وأساليب عمله. فلئن دعا إلى حكومة تكنوقراط ( أو "مستقلّين")، على معنى الحياد في الصراع السياسيّ والابتعاد عن التوظيف الحزبيّ لأجهزة الدولة لصالح هذا الفريق أو ذاك، فإنّه انطلق من لازمة ظلّ اتحاد الشغل يردّدها طيلة سنوات عن استقلاله وحياده رغم المواقف السياسيّة التي ما فتئ يعلنها.
أمّا عبارة "التوافق" فقد أضحت في تونس كلمة سحريّة تحرّك المشهد السياسيّ كلّه. إذ خرج الحوار الوطني من منطق هيمنة أحد الحزبين الكبيرين (النهضة الإسلاميّ ونداء تونس المدني). والواقع على ما بيّنت هالة اليوسفي، أنّ أساس هذا التوافق هو التنازلات. والمتأمّل في تاريخ الاتحاد يلاحظ بيسر أنّ هذه المنظّمة لم تقم طيلة وجودها إلاّ على منطق التوافق.  فبحكم تركيبتها الاجتماعيّة والتيارات السياسيّة المتعدّدة التي تخترقه والمصالح المتناقضة للقطاعات المهنيّة المختلفة داخله والضغوطات الجهويّة والعلاقات الملتبسة مع السلطة والمعارضة كان محكوما عليها أن يقوم على توازنات هشّة. فلم يكن الاختيار السياسيّ أو الإيديولوجيّ هو الذي يقود سياسة الاتحاد بل التوافقات بين المصالح المتباينة.
وهذا يعني أن توفيق الاتحاد في وساطته بين الفرقاء السياسيّين مأتاه تشبّع قيادته بثقافة سياسيّة تجمع بين الضغط والحوار لفضّ الخلافات مع صبر على التفاوض وطول نفس مذهلين.
والطريف أنّ اتحاد الشغل استطاع بذلك ترضية جميع الأطراف نسبيّا رغم الضغط عليه من قواعده وهياكله الوسطى ومن أحزاب المعارضة لإقصاء حزب النهضة ورغم تشكيك حزبين من الترويكا هما النهضة والمؤتمر من أجل الجمهوريّة (حزب المرزوقي ) في حياده. بيد أن نتائج الحوار أرضت النهضة التي لم تقص بحلّ المجلس التأسيسيّ، كما طالبت المعارضة، وأرضت المعارضة التي حصلت على استقالة "طوعيّة" (ولو ظاهريّا) لحكومة الترويكا. وهذا مظهر مهمّ من مظاهر التوازنات والتنازلات التي برع فيها الاتّحاد.
من أين له هذه القوّة؟
يُعرف اتحاد الشغل بخصلتين ترعبان خصومه. فهو الجهة الوحيدة بعد الثورة التي ظلّت منظّمة بما جعله قادرا على توجيه التحرّكات الاجتماعيّة وتعبئة الشارع للضغط. ولكن الاتحاد لا يستعمل هذه القوّة، حتّى فترة حكم الترويكا بقيادة الإسلاميّين، إلاّ للعودة إلى طاولة التفاوض. وقد وظّف هذه القوّة بعيد سقوط بن عليّ وخلال كلّ مراحل الانتقال الديمقراطي وفي الحوار الوطنيّ كذلك. ولم يكن حسين العباسي مخطئا حين قال منذ سنة 2012 على ما أوردت هالة اليوسفي:" الاتحاد هو ما يتبقّى بعد أن يتفكّك كلّ شيء".
وهذا ما بوّأ الاتحاد مكانة اللاّعب الأساسيّ في الحقل السياسيّ التونسيّ رغم أنّه عاش خلال حكم الترويكا صراعات كثيرة مع حزب النهضة بالخصوص الذي اتهمته بتعطيل عمل الحكومة. وبلغ الصراع بين الطرفين أشدّه في 4 ديسمبر 2012 حين هاجمت لجان حماية الثورة المدعومة من حزبي النهضة والمؤتمر المقرّ المركزيّ لاتحاد الشغل واعتدت على النقابيّين لكسر شوكة أكبر سلطة مضادّة في البلاد.
والحقّ أن علاقة الإسلاميّين بالعمل النقابيّ محدودة جدا. فمن ناحية لا يتجاوز حضور أنصار النهضة في الاتحاد 10 بالمئة من الناخبين. ومن ناحية ثانية لم تتّخذ النهضة أي موقف من الليبيراليّة الجديدة وتحكّم المموّلين الدوليّين في السياسات الاقتصاديّة وانعكاساتها الاجتماعيّة الوخيمة. وعلاوة على ذلك يوجد عداء تاريخيّ مستفحل بين الإسلاميّين واليسار الذي تعتقد النهضة أنّه يهيمن على الاتحاد وقياداته الوسطى ومكتبه التنفيذيّ.
فسعى الإسلاميّون إلى اختراق اتحاد الشغل من الداخل بتكثيف انخراطات أنصاره في الهياكل القاعديّة خصوصا في القطاع الخاص. وقد غاب عنهم أنّ الاتحاد خبير بهذه التكتيكات التي جرّبها قبلهم الحزب الحاكم السابق.
ورغم هذا التوتّر المستمرّ لم ينقطع الحوار بين الاتحاد وحكومة الترويكا التي واصلت نفس المنوال الاقتصادي الليبيرالي ولكنّه اعتمد كالعادة التوازن الهشّ بين إيقاف التحرّكات العشوائيّة عند الاقتضاء وافتكاك امتيازات لمنخرطيه لم تكن أحيانا متناسبة مع وضع البلاد حتّى بدا الاتحاد أمام الحكومة أفضل وسيط لمنع الانفجار الاجتماعيّ.
وهذا الصراع بين النهضة والاتّحاد لم يمنع من القبول به، في نهاية المطاف وبعد تلكؤ، وسيطا في الحوار الوطنيّ.
الحوار وسياقه
كان الاتحاد خلال المرحلة الانتقاليّة يبحث عن موقعه في مشهد سياسيّ جديد لم تتبيّن ملامحه بعد. فالوضع العام قام على استقطاب بين الإسلاميّين والعلمانيّين. واتهمت النهضة المعارضة بالانقلاب على شرعيّة صندوق الاقتراع والعمل على إزاحتها من الحكم. واختار الاتحاد الاصطفاف مع المجتمع المدني وطيف واسع من المعارضة للدفاع عن العمّال والجمهوريّة ومؤسّساتها. فكانت أغلب التحرّكات النقابيّة من أجل الحرّيات الفرديّة والاحتجاج على عنف المجموعات السلفيّة (التي تهاونت النهضة في مواجهتها) ولجان حماية الثورة والأمن (الذي استعملته الحكومة في قمع بعض التحرّكات). والحاصل من هذا أنّ المطالب الاجتماعيّة أصبحت ثانويّة واستخدمت أحيانا وسيلة للضغط السياسيّ.
وفي هذا السياق دعا الاتحاد منذ شهر جوان 2012 إلى حوار وطنيّ مؤكّدا بذلك دوره السياسيّ. ولكن الإشكال الكبير، حسب هالة اليوسفي، هو مدى التوفيق بين تعتبره قيادة الاتحاد دورا سياسيّا وطنيّا متجذّرا في تاريخه ومواقفه في فترة حركة التحرّر الوطنيّ وبين عدم الانسياق وراء الحسابات السياسيّة التي تخترق المنظّمة.
وكان الاتحاد يبحث أيضا عن توازن بين ضرورة العناية بالملفّ الاجتماعيّ خصوصا المفاوضات وصياغة بديل اقتصادي واجتماعيّ وبين استيعاب الحراك السياسيّ الذي يمرّ عبر الاتحاد. وهذا ما أدّى إلى تشتيت اهتمام النقابيّين وتركيزهم.
والواقع أنّ التناقضات الداخليّة كانت تعمّ الجميع من النهضة إلى الاتحاد لأنّها وليدة توتّرات خارجيّة تتّصل، على ما ترى هالة اليوسفي (ص 199) بإعادة بناء الحقل السياسيّ التونسيّ. فضعف المعارضة جعلها تدعّم دور الاتحاد السياسيّ وضعف تأثير النهضة في الاتحاد دفعها إلى مواجهته أحيانا.
وفي هذا الخضمّ استطاع الاتحاد أن يحافظ على موقعه وقدرته على جمع المعارضة المشتّتة فخرج أقوى ممّا كان ورضيت النهضة به وسيطا في الحوار الوطني إثر اغتيال الشهيد محمّد البراهمي (قومي عروبيّ) وقبله الشهيد شكري بلعيد (ماركسيّ لينينيّ).
واجتمعت بذلك لدى الاتحاد قوّة الضغط بالشارع والاحتجاج الاجتماعيّ مع موقع قويّ في الحقل السياسيّ المتناقض وثقافة عميقة في التفاوض وتقنيات الحوار خبرة عمليّة في إيجاد التوازنات ليفرض على الفرقاء جميعا خارطة الطريق التي أعدّها للحوار الوطنيّ.  
الصندوق الأسود
إنّ كتاب هالة اليوسفي أثرى ممّا عرضنا. فقد جاء تشريحا مدقّقا أحيانا لمنظّمة عريقة تحفل بالتناقضات والتحوّلات والخبرات والأخطاء والأمجاد حتّى بدا الجميع يرغب في قربها ويتحامل الجميع في آن واحد عليها. فلئن كان الاتحاد نقابة فهو في الواقع أكثر من ذلك وإذا قام بأدوار سياسيّة كبرى فهو شيء آخر غير حزب سياسيّ. ولعلّ في هذا تحديدا ما يفسّر بقاءه قوّةَ توازن في تونس مكّنت من خروج البلاد بأخفّ الأضرار.
ولكنّ الديناميكيّة داخل اتحاد الشغل تفترض حسب الباحثة رهانات كبرى من قبيل التخلّص من البنية الهرميّة البيروقراطيّة وصياغة آليّات لمواجهة الليبيراليّة الجديدة التي تهدّد المكاسب الاجتماعيّة وتشريك الفئات المهمّشة في المنظّمة مثل الشباب والمرأة.
لقد سعت هالة اليوسفي إلى فتح الصندوق الأسود لاتحاد الشغل فكشفت في الأغلب الأعمّ جوانب ممّا يحويه ولكنّ الصندوق الأسود للحوار الوطنيّ سيظلّ، بعيدا عن الاحتفاء بنتائجه وبتتويج رعاته بنوبل للسلام، في حاجة إلى وثائق عديدة منها شهادات الفاعلين السياسيّين والوسطاء وعلى رأسهم مدير الحوار حسين العبّاسي في مذكّرات ستكشف ولا ريب الأسرار والخفايا أو بعضها على الأقلّ.


dimanche 3 janvier 2016

مراجعة لرواية "الطلياني"


فايز علام، رصيف 22، 07.05.2015

تبدأ رواية "الطلياني" للكاتب التونسي شكري المبخوت من حدثٍ صادم، إذ يقوم "عبد الناصر" في يوم دفن والده بشتم وضرب الإمام "علالة" الذي كان في الحفرة يهمّ بدفن المرحوم، "دخل عبد الناصر في حالة هيجان صارخاً يرمي الإمام الشيخ علالة بأقذع النعوت التي لا تليق إلا بأسافل القوم. لم يكفه ذلك، ارتمى عليه يريد إشباعه لكماً وربما نوى خنقه لولا أنني انتزعته منه ثم أخذته مع بعض الأصدقاء بعيداً وهو سادر في صياحه وسبابه وتهديده".
وكي يفسّر هذا الموقف غير المفهوم، يبدأ الراوي، وهو صديق "عبد الناصر"، بسرد الحكاية من أولها، وما بين الحدث وتفسيره في نهاية الرواية، تمر الصفحات مختزلةً تاريخ تونس في مرحلة تاريخية مهمة، هي المرحلة التي تمتد بين حكم "بورقيبة" وانقلاب "زين العابدين بن علي" عليه ثم توليه الحكم بعد ذلك.
و"عبد الناصر" الذي تتمحور حوله الرواية، جميل الشكل والملامح، ذو عينين أخاذتين، وهذا ما دفع أهل الحيّ الذي يسكن فيه إلى تلقيبه بالطلياني، ذاهبين إلى أن أمه أثناء حملها به "توحمت على إحدى الشخصيات في قناة "الراي أونو" الإيطالية". و"الطلياني" ينحدر من عائلة برجوازية، لكنه مع ذلك ينخرط أثناء دراسته الجامعية في أحد الأحزاب اليسارية، فيخالط أبناء الفلاحين والطبقات الكادحة، ويترأس إحدى قوائم الحزب الشيوعي.
يدخل الكاتب إلى عالم الجامعة التونسية، سارداً نشاط الطلبة السياسي وتنظيماتهم، والأفكار التي كانت سائدة في تلك الفترة، وما ينجم عنها من مواجهات مع المؤسسات الأمنية، لينتقل منها إلى رصد الحياة في المجتمع التونسي في تلك الفترة الملتهبة من حكم "بورقيبة".
نقطة التحوّل الأولى في مسيرة "الطلياني" ستكون حين يُطلب منه تصفية "زينة" بسبب انتقاداتها اللاذعة للحزب الشيوعي وتأثر الكثير من الطلاب بها، لكنه يعجب بالفتاة القروية التي تدرس الفلسفة، ويعجب بشخصيتها القوية المستقلة، وفكرها النقدي، فيرفض قتلها، ويتخذ مسؤولية حمايتها على عاتقه، ثم يتزوج بها سراً.
ولـ"زينة" حكايتها المؤلمة، التي تختزل حكاية الكبت الجنسي، ومآلاته في المجتمع الشرقي، فهي تعرضت للاغتصاب في طفولتها من قبل أخيها أو أبيها. كانت تنام في الغرفة نفسها حيث ينامان، وفي إحدى الليالي أحست "بسكين من لحم يخترقها، ويد على فمها تكتم أنفاسها، تمنعها من الصراخ، والأخرى تلصق رأسها بالحائط حتى تشلّ حركتها. فهمت أن أمراً معيباً يحدث. ولكن من وراءه؟ من صاحب السكين؟ أبوها؟ أخوها؟ شخصٌ آخر. لكن الرائحة تعرفها، رائحة السنابل والتراب".
يلقي الكاتب الضوء على وضع الصحافة في الأنظمة الاستبدادية، ومدى الرقابة التي تمارس عليها، وكيف أن الصحف تتحول إلى أداة بيد السلطة لتلميع صورة الحاكم، إذ يلجأ "عبد الناصر" إلى العمل في إحدى الصحف المحلية لتدبير نفقات العيش، وسرعان ما يثبت كفاءته، فيصبح أهم صحفي فيها، متخلياً عن المبادئ التي طالما آمن بها، ويترافق تحوّله ذاك مع تحوّل آخر في علاقته مع "زينة" فيبدأ في خيانتها مع صديقتها، لينتهي الأمر بطلاقهما.
يؤرخ الكاتب للانقلاب الذي قاده "بن علي"، وتوليه السلطة، وكيف أنه أحكم قبضته على المجتمع، محوّلاً أحلام الكثير من الشباب بالعدالة والحرية إلى انكسارات وهزائم، هكذا بدأت مرحلة جديدة من سيرة تحولات "الطلياني"، الذي أخذ يغرق في الجنس والسهر والشراب، وفي حياة بوهيمية، ما هي إلا صورة عن العالم "المتعفن المليء بالخيانات والبذاءات والأطماع والحقارات والسفالات" الذي أصبحت عليه تونس بسبب الديكتاتوريات المتعاقبة.
برغم فوزها بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) هذا العام، تتضمن الرواية بعض نقاط الضعف. أولاً المباشرة الفجة في سرد الأحداث التاريخية، والغرق في التوثيق. ثانياً، الانقلابات العميقة في مواقف بطليها "الطلياني" و"زينة" وتحوّلهما من شخصين حرّين مستقلين صلبين مناضلين إلى شخصين يميلان مع الريح كيفما مالت، يحتاج إلى مبررات أكبر وأعمق من تلك التي أوردها الكاتب، أو على الأقل إلى غوصٍ أكبر في دواخلهما. ثالثاً، الأخطاء السردية، ومنها اختيار الراوي، فمن يسرد الحكاية هو أحد شخوصها، ولكنه مع ذلك على اطلاع مباشر بأدق تفاصيل كل الشخصيات. ورغم أن الكاتب أورد على لسان راويه في مرات كثيرة مسوغات لتبرير قيامه بدور الراوي، فإن هناك جزءاً كبيراً من التفاصيل لا يمكن تبرير معرفتها من قبل طرف لم يكن موجوداً فيها