mercredi 29 janvier 2014

رسالة مفتوحة إلى وزير التعليم العالي الجديد


بعد التهنئة بتكليفك بالإشراف على وزارة الذكاء التونسيّ أودّ أن أطمئنك بانّ القطاع الذي تشرف عليه من أيسر القطاعات التي يمكن التعامل معها لسبب بسيط هو أنّك ستتعامل مع النخبة التي تربّت في مدرسة الجمهوريّة على النقد والحوار والإقناع.بيد أنّ هذه النخبة لا تتسامح، كما تعلم، مع من يتصرّف معها بمنطق فوقيّ لا يحترم هياكلها العلميّة والنقابيّة الممثّلة. وهي إلى ذلك لا تتردّد في الدفاع بشراسة على قيمها الجامعيّة وحرّياتها الأكاديميّة.
ورغم ذلك فقد صبرت وصابرت طيلة سنتين من وزارة سلفك ولا أظنّها بقابلة أو قادرة على مزيد تحمّل ممارسة الهواة في قطاع يتأخّر كلّ يوم ويسير حثيثا نحو التفكّك والانهيار. ولكنّ الأمل يظلّ قائما شريطة التشخيص الدقيق وإنفاذ الحلول العاجلة. لقد ملّ الجامعيّون التونسيّون الانتظار.
والواقع أنّ وزارتنا بصفتها مشرفة على السياسة العامّة للتعليم العالي بالبلاد جزء من المشهد العامّ فيه. فقد عاد الطلبة والأساتذة إلى قاعاتهم في مفتتح هذه السنة الجامعيّة في كثير من التوجّس والحذر مثل سائر التونسيّين في مختلف القطاعات. فمن هذه الناحيةانتظر الجميع شيئا ما لم يأت ونرجو ألاّ يكونوا مثل غودو. فدورك الأساسيّ بعث الأمل في النفوس التي كلّت.
ولكنّ هذا لا يمنعنا من التساؤل عن الخلل أين يكمن؟ لم يشعر الفاعلون في الوسط الجامعيّ ألاّ شيء تغيّر في الجامعة منذ الثورة ؟ لم أصبحت الوزارة تتّخذ قرارات تحت الضغط الطلاّبي أو ضغط نقابات الأساتذة الموظّفين والعملة فتأتي تلك القرارات أحيانا فاقدة لأيّ سند قانونيّ أو مبدئيّ عدا الترضيات وإسكات الأفواه الصارخة؟ والأمثلة هنا عديدة لا مجال لذكرها ولكنّها قنابل موقوتة ستنفجر يوما في وجه الحكومة إذا أرادت تطبيق القانون.

إنّ ما هو مطلوب في التعليم العالي أبسط من هذا بكثير وأعمق غورا في الآن نفسه. إنّ المطلوب بكلّ بساطة أن تتحلّوا سيّدي الوزير بروح جامعيّة عالية مسنودة بجرأة سياسيّة لا مناص منها لتحقيق نقلة نوعيّة للجامعة التونسيّة تضعها على السكّة الصحيحة وتخفّف من مركزيّة سلطة الإشراف وما تقع فيه من أخطاء بدائيّة وتردّدات وعجز أحيانا عن حلّ إشكالات كان يمكن حلّها بترك الأمور بين أيدي الهياكل الأكاديميّة والبيداغوجيّة لتحسم فيها دون أن تتعرّض للضغوط والمساومات.

ولكنّ الأيدي المتردّدة الخائفة المرتعشة لا يمكنها أن تصنع مستقبل جامعتنا فنحن نحتاج فعلا إلى رباطة جأش سياسيّة. فالكلّ يذكر أنّ ما تحقّق للجامعة التونسيّة في يومين أو ثلاثة من إشراف السيّد أحمد إبراهيم على الوزارة لم يتحقّق لها مثله طيلة السنتين المنصرمتين. فإذا اعتبرنا أنّ تعميم الانتخابات على جميع المسؤولين الأكاديميّين جوهر هذه المكاسب فإنّ ما كان منتظرا هو مزيد السير في اتجاه مطابقة المعايير الدوليّة للحرّيّات الأكاديميّة في التسيير الجامعي باعتبارها حجر الزاوية في بناء جامعة حقيقيّة مستقلّة ناجعة فاعلة تؤدّي ما ينتظره منها المجتمع.

فما معنى انتخاب مسؤول لا يملك أدوات تنفيذ ما يخطّط له من مشاريع فيظلّ رهين مدير في الوزارة تربّى على مركزيّة القرار والطاعة العمياء أو مدير كحاطب اللّيل لا يعرف كوعا من بوع ورهين إدارات تشتغل بمنطق غير رشيد لم تزده حالة التسيّب والانتظار إلاّ عطالة وفسادا وإمعانا في السفاهة. 

لقد أضاع من سبقك، لأمر مّا غير مفهوم لدى الكثيرين ولا مقبول عندنا، فرصة ذهبيّة ليسجّل اسمه في الصفحات النيّرة من تاريخ جامعاتنا بإحداث نقلة نوعيّة فيها. لكنّك مطالب بأن تشرع منذ يومك الأوّل في تكريس استقلاليّة الجامعات فعليّا، الآن وهنا. وهو مطلب بسيط في ظاهره والقوانين الموجودة منذ 2008 تسمح به ويكفي تطبيقها. فهذا لا يتطلّب جرأة سياسيّة كبيرة ولكن من نكد الدهر علينا، نحن المسؤولين الجامعيّين، أن يصبح مثل هذا الطلب القانوني في هذا الزمن الذي انقلبت فيه المعايير مطلبا ثوريّا !

إنّه مطلب بسيط نعم ! ولكنّه الخطوة الأولى في طريق تحصين الجامعة والرفع من أدائها فبدونه لن يتحقّق شيء وستظلّ دار لقمان على حالها إن لم تنهر تماما.
نرجو لك التوفيق في إدارة وزارة الذكاء التونسيّ.

4 commentaires:

Anonyme a dit…

L'essentiel est dit. Le nouveau ministre est averti


Anonyme a dit…

الأوكد والأسرع النظر في إطار التدريس بالجامعة وإحصاء عدد الأساتذة المنتمين إلى الجامعة والمتعاقدين الذين سجّلوا في أطروحات وتركوها على الرفوف منذ سنوات، و ودون رقابة لتطوّرهم العلمي ولا حتى كيفية قيامهم بالعمل البيداغوجي والعلمي، وأنتكون للوزير الجرأة في إيقاف هذا السيل من المدرّسين الذين يحتاجون هم أنفسهم إلى تأطيرمثل الناجحين في شهادة الماجستير ويكلّفون بالتدريس بالكليات. هذا هو الداء الذي ينخر الجامعة وجعلها بمثابة مدرسة إعدادية،فاستقلالية الجامعة هي تتويج

chokri a dit…

عفوا مشكلة إطار التدريس ونوعيّته هي نتيجة لغياب استقلاليّة الجامعات وليس العكس فالجامعة لا تختار مدرّسيها ولا موظّفيها ولا عملتها ولا طلبتها أي أنها لا تتحكّم في جميع مدخلات المنظومة فكيف نطلب منها نتائج مرضية؟
شكرا على مرورك سيّدي / سيّدتي

Ons hattab a dit…

Très bien dit si chokri, je partage