dimanche 8 janvier 2012

افتتاحيّة العدد الأوّل من مجلّة " أكاديميا "



يصدر العدد الأول من مجلّة أكاديميا بعد سنة من الحركيّة الهائلة التي أنشأتها ثورة التونسيين في الرابع عشر من جانفي2011. فلتكن مجلّة جامعة منّوبة هذه ،على سبيل الاعتراف لشباب تونس الرائع ومنه شبابنا الطالبي. ولتكن أيضا هديتنا لشبابنا الذي تحرّر وحرّرنا جميعا ليفتح لنا آفاقا رحبة للعمل والقول والتفكير والتعبير.
لقد رأينا شباب مؤسّساتنا الجامعيّة في ذاك الصباح الفاتن أمام وزارة الداخليّة يهتف برحيل الطاغية ويردّد، بحماس الثائرين وإصرار الأحرار، النشيد الوطنيّ.وبعضهم كان قد غادر السجون قبل أيّام من ذاك اليوم الاستثنائيّ بعد أن دفع ضريبة الاحتجاج على القهر والحيف والاعتراض على الفساد والاستبداد. وقد كنّا نجد التهم واهية : نشاط نقابيّ دافعوا به عن زميلاتهم وحقهنّ في السكن الجامعيّ، والتعبير عن رأي سياسيّ اتخذوا ساحات المؤسّسة الجامعيّة فضاء للاصداع به بعد انّ غلّقت أمامهم المنافذ إلى الفضاءات العموميّة ومنعوا من حقّ التنظّم السياسيّ والمدنيّ.
ولكنّ فورة الثورة كانت تعتمل عميقا وكانت تيّاراتها التحتيّة تتكثّف : من رفع الصوت عاليا ضدّ زيارة شارون إلى بلادنا إلى أحداث الحوض المنجميّ التي شارك فيها طلبتنا فحوكم بعضهم وسجن منهم من سجن مع النقابيّين والناشطين السياسيّين. وقبل هذا وذاك، كانت الحركة الطلاّبيّة وأبناؤها أبرز المدافعين عن حقّ التونسيّين في التعليم والتنظيم والتعبير واستقلاليّة المنظمات عن الآلة الجهنّميّة، آلة الحزب-الدولة.
إنّهم أبناء هذه الحركة بنضالاتها ورمزيتها وبتجاوزاتها وحماستها. لذلك يستحقّون منّا هذا الفضاء الإعلاميّ للتعبير عن قضاياهم وشواغلهم وأحلامهم وطموحاتهم وإبداعهم وإنتاجهم.
لقد كانت الجامعة التونسيّة، منذ تأسيسها، وما تزال، من أبرز عناوين التحرير والتنوير والتجديد والتحديث في بلادنا.ومهما يكن تقييمنا لما يفوق الخمسين عاما من نشأتها فالتاريخ يؤكّد انّها كانت مصعدا اجتماعيّا لأبناء الطبقات الكادحة والفئات الفقيرة في المدن والأرياف. وهو يثبت، ولا ريب، أنّها صنعت، بفضل أجيال من أساتذتها المخلصين،نخبا ممتازة وكفاءات عليا هي رصيد الذكاء التونسي وزهرة دولة الاستقلال وتضحيات التونسيّين جميعا.
ويثبت التاريخ أيضا أن الجامعة التونسيّة أدّت وظائفها الأساسيّة بتركيز التفكير العلميّ الحديث ونقل المعارف الجديدة والاسهام في تطوير ما تيسّر تطويره منها وتكوين إطارات تربويّة وعلميّة رفيعة المستوى.
وعلى الرغم من محاولات التخريب المنهجيّ للجامعة واحتقار المستبدّ الجاهل للعلماء والجامعيين والمبدعين والمثقفين عموما فإنّ المعين لم ينضب وحافظت الجامعة، بفضل نخبها المستقلّة فكريّا والمخلصة للقيم والتقاليد الجامعيّة وبفضل نقابيّيها النوعيّين وطلبتها المتميّزين المجتهدين، على المقوّمات الأساسيّة لمؤسّسات البحث والتعليم العالي.
وليس من باب الصدفة أن تكون أوّل قطاع، في تقديرنا، يحقّق انتقاله الديمقراطيّ في ظرف وجيز لم يتجاوز الأشهر الخمسة. فأصبحت هياكله العلميّة والبيداغوجيّة في المؤسّسات والجامعات منتخبة. ولكنّنا مازلنا للأسف ننتظر فتح ملفّ التمثيل الطلاّبيّ في فصله النقابيّ أساسا. وأملنا معقود على شبابنا الطالبي الذي برهن على حسّ مدنيّ رفيع وإحساس بالمواطنة خصوصا في الأزمات القليلة التي عرفتها الجامعة بعيد الثورة وفي مفتتح هذه السنة الأكاديميّة الجارية.
نرجو أن تكون الجامعة قد استعادت الأمل وإن لم تفقد ثقتها في قدراتها الكثيرة الغزيرة، حتى في أحلك الظروف. وما أكاديميا، مجلتكم الجديدة هذه، إلاّ حيّز للنقاش والحوار والتداول في الشأن الجامعيّ في انتظار تنفيذ جوانب أخرى من خطتنا الاتصاليّة ونقصد بالخصوص جريدتنا الإلكترونيّة وإذاعة "أكاديكمياأف.أم" وتلفزيون "أكاديكميا تي.في". فلا ننسى أن من حسن حظّنا في جامعة منّوبة وجود المعهد الوحيد الذي يدرّس الصحافة والاتصال ببلادنا.
فمطالعة مفيدة للجميع في انتظار بهجة الأذن عند الإنصات إلى إذاعتنا ومتعة العين عند مشاهدة تلفزتنا.