dimanche 16 octobre 2016

أسئلة الروح وحيرة القرّاء


    
نشر بموقع ضفّة ثالثة بتاريخ 16 أكتوبر 2017

لم تحظ القراءة، واقعا وتاريخا، في عالمنا العربيّ بعناية الدارسين رغم أنّ منطق السوق، والكتاب بضاعة أيضا، يقتضي معرفة ميول القرّاء ورغباتهم. نعم ! ليس هذا وحده ما ينقص مجال البحث في الكتاب العربيّ وسوق النشر في بلداننا. ولكنّنا بالحدس نعاين مؤشّرات وقرائن بسيطة قد تدلّ على حركيّة مّا تشهدها الثقافة العربيّة وعلينا في غياب الدراسات الدقيقة العلميّة أن نأخذها في الحسبان.
فبمناسبة معارض الكتب، هنا وهناك، لا يحتاج المرء إلى خبرة المكتبيّ ليعاين اكتساح الكتاب الدينيّ للسوق وما يشهده من إقبال. ولهذا أسبابه وتفسيراته التي لا تعنينا في هذه العجالة. بيد أنّ الثابت أنّ هناك حاجة حقيقيّة يلبّيها هذا الصنف من التآليف التراثيّة أو الحديثة، وإن برؤية تراثيّة لا تزيد الثقافة العربيّة إلاّ إغراقا في الأفكار القاصرة عن التقاط الحاجات الروحيّة لأبناء عصرنا. فالأموات ما يزالون، للأسف، يحكموننا من وراء قبورهم.
لكنّ النصف الآخر من الكأس، حسب بعض الأصدقاء الناشرين الجادّين الذين مازالوا يؤمنون بالوظيفة التنويريّة للنشر، أنّ كتب الفلسفة الغربيّة والروايات المترجمة والموضوعة أصلا بالعربيّة تشهد إقبالا واسعا.
ولعلّ في دواعي الاهتمام بكتب الفلسفة الغربيّة بصنفيها، التبسيطيّ الموجّه إلى عامّة الناس أو الأصول التي وضعها كبار فلاسفة التنوير والحداثة، بعضَ ما يكمن وراء انتشار الكتاب الدينيّ. فعلينا أن نعترف بأنّ قطاعا واسعا من الشباب العربيّ يعاني أزمة روحيّة خانقة وقلقا فكريّا عميقا. فهو يطرح على نفسه، في خضمّ عالم متحوّل، أسئلة حارقة يعسر عليه أن يجد لها إجابات في ما يكتبه أبناء العربيّة. فوضع الكتابة الفلسفيّة، على محدوديّتها، عندنا معروف إمّا بإغراقه في التخصّص الأكاديميّ وإمّا بانصرافه عن المشكلات اليوميّة التي يعيشها الناس حتّى لكأنّ الفيلسوف العربيّ مقطوع عن شواغلهم أو هو، في أحسن الأحوال، يقاربها على نحو غير مباشر. لذلك يبحث هؤلاء الشباب بنهم كبير عن شيء مختلف يغذّي منهم القلب والوجدان في عالم تهافتت فيه المرجعيّات وتهاوت الاستعارات الكبرى.  ولعلّ فلاسفتنا يحتاجون إلى أن يتّخذوا من هذه الحيرة مادّة لفتح البصائر على آفاق جديدة لأبناء مدارس عربيّة لا يدرّس أغلبها، لأمر مّا، الفلسفةَ. والمفارقة أنّ أكثر هؤلاء ينتمون إلى مجتمعات شديدة المحافظة والتديّن. وأكبر ظنّي أنّ جزءا كبيرا منهم متعطّشون إلى برد اليقين وسيجدون في دفء السؤال النقديّ بعض الطمأنينة بفضل ما تيسّره الفلسفة من انفتاح فكريّ وحسّ نقديّ. وكلاهما، لو ندري، ترياق من التعصّب والتطرّف والبحث عن الخلاص اليائس في جنّات الأوهام القاتلة.
أمّا الإقبال على الرواية فليس مردّه في تقديرنا ما شاع من أنّ الثقافة العربيّة تعيش زمن الرواية. فقد كان شغف العرب بهذا الجنس الأدبيّ، منذ اتصالهم بالفنّ السرديّ الغربيّ في بدايات عصر النهضة، أكبر ممّا نتصوّر حتّى تخصّصت بعض الصحف والمجلاّت المصريّة في ترجمة الروايات مثل ترجمات نقولا رزق الله بـ"الأهرام" و"مجلّة الراوي" لأنطانيوس عبده علاوة على"مسامرات الشعب" لخليل صادق وغيرهم كثير. وربّما كانت عودة الاهتمام بالرواية في العقدين الأخيرين بالخصوص تعبيرا عن حاجة ثابتة لفهم ما يجري من تحوّلات في عالمنا العربيّ. ففي غياب التحاليل السوسيولوجيّة مثلا للواقع العربيّ وتقلّباته المعقّدة والتحاليل النفسيّة لحيوات مأزومة في سياقات الهزائم المتتالية تصبح الرواية بديلا من هذا كلّه في كشف تعقّد الحياة والتعبير عن الأوجاع والخيبات. ففي مرايا السرد تتلألأ جواهر الحيرة وتتخفّف النفوس من ضغط الإحباط.
لا أذكر من زعم أنّه لا يوجد عالم متخلّف بل يوجد عالم لم نحسن تحليله. وعلى قياس هذا، لنا أن نزعم أنّه لا توجد أزمة قراءة في المطلق بل توجد ربّما حاجيات لم نتفطّن إليها لنلبّيها.




Aucun commentaire: