dimanche 9 octobre 2016

في أولمبياد الفكر والثقافة


(نشر المقال في العربي الجديد)
انطفأت الشعلة الأولمبيّة في ملعب "ماراكانا" الشهير في حفل "تطهير الروح" معلنة عن انتهاء دورة ريو دي جانيرو مؤذنة بأولمبياد طوكيو 2020. كان حفل الاختتام، شأنه شأن حفل الافتتاح، مدهشا بديعا خلاصته متعة للعين وغبطة للأذن وبهجة للقلب ونشوة للروح. بيد أنّني، بعد ما يفوق الثلاث ساعات من الحبور الاستثنائيّ، خرجت بشيء من المرارة في الحلق مردّها إلى الحصيلة الهزيلة للعرب العاربة الأقحاح والمستعربة المجنّسة مجتمعين.
ورغم مزاعم حياد الألعاب عن السياسة ومفاسدها وتعلّقها بالكونيّ الإنسانيّ المشترك فقد أكّدت موضوعيّا أنّها صورة من التوازنات الحضاريّة على كوكبنا اليوم وصورة من اختلال إنتاج المعارف والتقنيات وتوزيعها بين بني البشر ومرآة تعكس الفجوات المتزايدة بين من يملكون مفاتيح الاقتصاد ويسيطرون على سياسة القرية الكونيّة والتابعين لهم بإحسان أو بغير إحسان. أفي هذا ما به نعزّي أنفسنا أم نضاعف حسرتنا على حالنا؟
وبنزعة من ابتُلي بالثقافة والأدب تداعت في الذهن أولمبيادات أخرى للعلوم في الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلوم الأرض والفلك وغيرها ممّا لا تحتفي به وسائل الإعلام ولا يهمّ كثيرا عامّة الناس وعشّاق الرياضة. ولست أظنّ أن حالنا في هذا الباب مختلف عمّا خرجنا به من ريو دي جانيرو. فبأيّ شيء تفتخر ثقافتنا العربيّة الإسلاميّة؟ وفيم يمكننا أن نتميّز على الصعيد العالميّ؟
علينا أن نعترف بأنّ شعوبنا مهووسة بهويّتها الجريحة إذ تَرْكن إلى الثابت منها كلّما اشتدّ بها الأذى وشعرت بالقهر والإذلال. فهل سنجد في هذه الهويّة تحديدا بعض ما به نفاخر الأمم فنحوز في أولمبياد الثقافة والأدب بعض الميداليّات الذهبيّة؟ ألسنا أمّة ورثت لغة من أعرق اللغات التي سادت العالم لفترة طويلة وهي اليوم رغم كلّ شيء لغة عالميّة؟ ألسنا ورثة دين عالميّ أعلن للعالمين نهاية الميتافيزيقا بقطع العلاقة بين السماء والأرض ففتح للبشر إمكانيّة كتابة تاريخهم بأنفسهم؟
بيد أنّني لست متأكّدا من قدرتنا، حتّى في هذين المجالين، على الحصول على الميداليّات. فما الذي أنتجنا في العلم اللّغويّ عدا ما ورثناه عن النحاة القدامى فطفقنا نردّده حفظا أبله وتكرارا بليدا كالببغاوات دون فهم روح العلم فيه، باستثناء محاولات جديّة قليلة أغلبها لم يخرج من رفوف الجامعات؟ علينا أن نعترف بعجزنا عن تقليم هذه الدوحة الوارفة الباذخة التي نسمّيها اللّغة العربيّة وسقيها بما ابتكرته البشريّة من دقيق المناهج وجليل المفاهيم ومخصب النظريّات بل صارت لغتنا في أجزاء كثيرة من "بلاد العرب أوطاني" مهدّدة فعليّا في وجودها، غريبة بين من يعتبرون أبناءها.
أمّا الأدب الذي نكتبه بهذه اللّغة العظيمة فمنافسته في مضمار الإبداع الكونيّ، بروافده المتعدّدة، محدودة جدّا رغم نرجسيّات بعض كتّابنا المتضخّمة وبضع ترجمات كثيرها كاسد في سوق الكتاب العالميّة وقليلها يجد شيئا من الرواج. ورغم ذلك نتّهم بمناسبة الإعلان عن جائزة نوبل للآداب لجان التحكيم وألاعيب السياسة العالميّة حتّى لكأنّ في إبداعنا الأدبيّ من أمثال  نجيب محفوظ العشرات. 
وإذا كان الإسلام بأساسه الروحيّ المكين ونزعته الكونيّة الإنسانيّة في أصل مشروعه الحضاريّ حمّالَ أوجهٍ فإنّنا لم نسْتَبق منه إلاّ وجها مفزعا مروّعا للعالمين. فأهله الذين يتصدّرون المشهد صاروا مختصّين في مسْرحة العنف والقتل يبتكرون منه أنواعا تنضح وحشيّة أو يستعيدون من تاريخ المسلمين أنماطا من البربريّة التي تنفّر البشريّة الحديثة. لقد أفرغ سدنةُ الشريعة، عبر التاريخ، الإسلامَ من قوّته الروحيّة الهائلة وطاقته المعنويّة الخلاّقة ليختزلوه في أحكام وأوامر ونواهٍ لا تبهج نفسا ولا تطهّر روحا. فأيّة قيم سنقدّم للعالم وأيّ صورة للروح سنبشّر بها؟
لسنا ننمّي بهذا الذي نقول اليأس والقنوط ولكنّنا ندعو إلى الوقوف للحظات فقط أمام المرآة وما تجلوه لنا بمناسبة مشاركاتنا المختلفة في المحافل الكونيّة الكبرى. ففي هذه المحافل يخرج من خفّت موازينه من الميداليّات الحقيقيّة والمجازيّة منكسَ الرأس يتلظّى بنار المذلّة والمهانة والصغار.
هذا بعض ما علق في الحلق من علقم الخيبات التي تلاحقنا أينما ولّينا وجوهنا.


Aucun commentaire: