jeudi 20 juin 2013

محاولة لاستعادة اللّغة الخشبيّة

ولد الكانز وأضرابه


1
ليس لنا إلاّ أن نهلّل ونكبّر لصدور الحكم العادل على الفرخ المسمّى "ولد الكانز". فقد نال جزاء التجرّؤ على أمننا الجمهوريّ والتحريض على العنف في أغنية قبيحة بذيئة تمجّد المخدّرات وتدعو إلى الهجوم عن حماة حياتنا وعلى قضائنا الذي تتهمه بعدم الإنصاف.فلنحيّ جميعا قوانيننا الرائدة في زجر مثل هذه الحالات التي لا تناسب تقاليد بلادنا المعتدلة المتسامحة.
أمّا ما قاله بعض المسؤولين الغربيّين عن الأحكام الصادرة ضدّ أبنائنا السلفيّين وضدّ الفرخة أمينة والفاسدات الثلاث المتعرّيات أمام المحكمة فلا عبرة بها ولا باتهام مدوّنتنا القانونيّة بالدكتاتوريّة السالبة للحرّيّات. إنّهم ببساطة حاقدون يكرهون ثورتنا ويحتقرون هوّيّتنا ويحسدوننا على عدالتنا. فلنعتبر مواقفهم الحقيرة تلك دليلا على نجاحنا في هذه المرحلة الانتقاليّة التي يشهد القاصي والداني بسيرها الحثيث نحو تحقيق أهداف الثورة وتطهير البلاد من الجراثيم. لقد نجحنا وكلّ ناجح محسود.
إنّ هذه الأغنية الحقيرة لا تمثّل ثقافة الثورة المجيدة النبيلة . فقد كتبها وغنّاها جهلة مارقون لا يتورّعون عن وصف الصناديد من رجال أمننا بالكلاب، هذا الأمن العتيد الذي شرّفنا دائما وحفظ ماء وجوهنا وأبكانا أيام المظاهرات، قبل الثورة وبعدها، بلطفه ودفاعه المستميت عن الشعب ونشر الشماريخ ذات الدخان الكثيف في سماء تونس الصافية، أقصد شماريخ العزّة والكرامة. ثمّ يأتي هؤلاء الأوباش اليائسون الهامشيّون لينفثوا سمومهم ويخرجوا سهامهم ضدّ أوفى من أنجبت هذه الأرض الطيّبة.
2
إنّ الكلب، عند العرب، يجسّد معنى الوفاء وحفظ الودّ. ولكنّ هؤلاء المتنطّعين على الفنّ الراقي والأدب الصحيح السليم لا يعرفون "كتاب الحيوان" للجاحظ ولم يسمعوا قطّ بكتاب " البيان والتبيين" ولا " بالعمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده" لجدّهم القيرواني ابن رشيق.إنهم أعجز من أن يطالعوا من هذه الكتب التي تعلّم الفنّ السامي والأدب الراقي صفحة واحدة.
 يخربشون كلام السوقة والرعاع والدهماء، ويحلّونه ببعض القوافي السقيمة، ويدندنونه بألحان مكرورة لا رونق فيها تدمّر الHعصاب، مخرجين ذلك كلّه بأصوات منكرة شبّهها العزيز الحكيم في محكم تنزيله بأصوات الحمير. يصفق لهم ذوو الأذواق المنحطّة فيذهب في وهمهم أنّهم فنانون وشعراء ومطربون.
و الأنكى أنّ الفاسدين من المثقّفين المتشدّقين بالحداثة الزائفة المدّعين الدفاع عن حرّيّة التعبير والصحفيّين من أزلام النظام البائد وإعلام العار يدافعون عنهم وعن بذاءاتهم لغاية في نفس يعقوب. إنهم يدمّرون أسس ثقافتنا الوطنيّة العربيّة الإسلاميّة ويهدّدون انسجام مجتمعنا التونسيّ الوسطيّ الذي يأبى التطرّف ويدعو إلى الاعتدال. ولكنّ النفوس التي جبلت على الحقد والكره والانبتات الحضاريّ تشجّع هؤلاء الذين لم يتورّعوا في إحدى الأغنيات التي تصف أمننا الجمهوريّ بالبقر عن القول " كرّهتونا في الوطن" . لقد اعترفوا بأن لا صلة تربطهم بوطننا العزيز فليغادروه إلى بلدان أخرى حاقدة علينا تكرهنا وتكره تقاليدنا وثقافتنا مثلما فعل الزنديق الذي تهجّم على ديننا الحنيف ونبيّنا الأكرم فمنحته فرنسا الإمبرياليّة الصليبيّة حقّ اللجوء. إنهم أيتام فرنسا وجندها الخفيّ المكلّف بتخريب أمننا الثقافيّ.
3
إنّنا ندعو من هذا المنبر إلى مراجعة الحكم الصادر ضدّ المدعوّ " ولد الكانز" وأضرابه. فسنتان سجنا لا تكفيان لمسح الإهانة التي تعرّضت لها شرطتنا وأصابت قضاتنا الموصوفين في الأغنية الملعونة نفسها بالكلاب. إنّهم مارقون عن القانون، معادون لأسس العيش المشترك، ولا يحترمون دولة القانون والمؤسّسات. لقد أخرجوا أنفسهم من الإجماع الرائع في بلادنا، ولا يرتجى منهم خير في الذود عن الوطن ورايته.
ولا نقبل، بصفتنا مواطنين صالحين، أن تدوس مثل هذه الحشرات كرامة شعب ثار من أجل كرامته بدوس كرامة جهاز أمننا ورجاله وكرامة قضائنا العادل الساهر بعيون يقظة على مسارنا الانتقالي والديمقراطيّ مدافعا دفاعا مستميتا عن تطبيق القانون بكلّ حزم دون وصاية أو تدخّل من أيّ جهة كانت.
علينا جميعا أن نتكاتف ضدّ هذا الخطر المحدق بأمننا الفنيّ والثقافيّ ووحدتنا الإيديولوجيّة الصمّاء وذوقنا الجماليّ الرفيع السليم وإلاّ انتشرت البذاءة وعمّ القبح في بلادنا النظيفة الجميلة.وإذا لم نفعل ذلك الآن فإنّ السيل الجارف سيأتي على الأخضر واليابس ويومها لن ينفع ندم. اللهمّ إنّي بلّغت.

      

mardi 11 juin 2013

عودة التجمّعيّين

عادوا كأنّ شيئا لم يقع





1
يعودون اليوم بلا حياء. يتقوّى عودهم ويشتدّ يوما بعد يوم. كأنّ لاشيء وقع. يتنصّلون من الدكتاتور كما لو أنّهم لم يستفيدوا منه ولم يناصروه. أصبحوا هم أيضا من ضحاياه ونسوا أنّهم كانوا جلاّدين يأتمرون بأوامره وينفخون من روحهم الحقيرة في صورته.
نفهم أن ليس للغريق إلاّ التمسّك بقشّة. ونعرف أنّ الشريك في الجريمة يسعى بغريزته إلى التنصّل من المجرم الثابت.
وبالمقابل، يخطب اليوم، ومنذ أيّام، أكثر السياسيّين ودّهم ويتسابقون لتقاسم لحمهم الذي يرونه نافعا شهيا في مأدبة التحالفات والتوازنات والمناورات السياسيّة ويزنون أصواتهم وخبرتهم في التجييش والتعبئة في الحفلات الانتخابيّة.
سعي محموم بائس، في الظاهر، لمنعهم من الوجود بالجملة باسم تحصين الثورة وتحقيق أهدافها. سعي يشارك فيه الذين يغدرون الثورة بإخلاص أو يهدرون رأسمالها بغباء متأصّل.
وفي الباطن تتوزّع القبائل السياسيّة دماء "أزلام النظام البائد" وفلوله، وحتّى رموزه، تارة باسم المحاسبة القضائيّة الفرديّة وطورا باسم الواقعيّة الانتهازيّة التي لا تقال وطورا ثالثا باسم عفا اللّه عمّا سلف مادام باب التوبة ( والأحزاب) مفتوحا لكل من يناصر هذه العشيرة أو تلك.
2
في هذه السوق السورياليّة المنتصبة بعد الثورة ضدّ آلة التجمّع المنتجة للدكتاتوريّة يجد التجمّعيّون بأصنافهم مكانا يسمح لهم بالمناورة والتأثير وتقديم الخدمات لهذا الطرف أو ذاك. أصبح لهم قول يصدحون به ورأي يدلون به على موائد الحوار والنقاش والتفكير في مستقبل البلاد. لهم هامش للمناورة والتحالف وممارسة ما اعتادوا عليه من بحث عن المواقع وتقديم الخدمات للراغبين في خدماتهم كأنّهم يعرفون أنّهم رقم ممكن في معادلات هشّة فيقبلون، بحثا عن تحصين وجودهم واستمراره، سياسة ضرب رأسٍ برأس للتسلّل خفية أو وبوقاحة إلى المشهد العام مقدّرين أنّ العاصفة مرّت ولا سبب للاستمرار في الانحناء يشجّعهم في ذلك تنافس الأطراف المختلفة على خطب ودّهم. إنّه زمن المضحكات والمبكيات والإخفاق والفشل في الالتزام بالحدّ الأدنى من الوضوح والحياء.
ليس الأمر عندنا مرتبطا بالأشخاص فردا فردا. وإن كان لبعضهم من الإثم التاريخيّ في هذه البلاد ما تقعد القوانين السائدة والقضاء الباحث عن استقلاليّته عن المحاسبة عليه. انظر جيّدا لهؤلاء الموقوفين من رموز الاستبداد الذين أفسدوا في الأرض كيف يعجز القضاء عن أن يسمّي جرائمهم ويوثّقها ويدخلها في منطقه العادل مبدئيّا.وسيفرج عنهم، ولا ريب، لعدم كفاية الأدلّة التي رآها الجميع ولكن لا أحد تكفي شهادته للإدانة.
ليس الأمر مرتبطا بالجماعة في كلّيتها فهي كيان مبهم معنويّ تربّى على أخلاقيّاته غير الحميدة أكثر الفاعلين ويقلّده كثير من الماسكين بدفة السفينة اليوم. فثقافة التجمّع أشدّ ترسّخا ممّا يعتقد. لقد سقط الإسم، في صبيحة ذلك اليوم المشهود في السادس عشر من جانفي 2011، ولم يمح المسمّى.
3
لم نسمع أحدا من هؤلاء الذين يعودون اليوم بوقاحة لا نظير لها وبتبجّح غريب ليكشف لنا آليّات الاستبداد ودوره فيه ويعلن على الملإ توبته ويعتذر عن مشاركته في حفل قتل التونسيّين عرقا عرقا ليشرب من دمائهم الدكتاتور. فالاعتراف والاعتذار كافيان عندي للاغتسال من أدران سنوات من العفن الكريه. لا أحد فعل ذلك ولا أحد ممّن يزعم حماية البلاد من عودة الاستبداد دفعهم إلى ذلك ففتحت السلطة المرتبكة العاجزة قصيرة النظر الباب والشبابيك والكوى لعودتهم من المنافذ جميعا. وسيعلم هؤلاء أيّ منقلب ينقلبون وإن استفادوا من خبرة من تربّوا على الولاء للسلطة القديمة وهاهم اليوم يتبارزون في الولاء للهواة الفرحين بالسلطة الجديدة.
كان ما كان يمكن ألاّ يكون. لقد صفّر القطار وسقطت أوراق التين السياسيّة والأخلاقيّة فليكفّوا عن الثرثرة برطانة ثوريّة لا تليق بهم والتحدّث باسم ثورة برّزوا في غدرها ووأدها في المهد. وهنيئا للمؤلّفة قلوبهم المتسربلين بالتقوى والإيمان أو بالدفاع عن مكاسب الحداثة ..حداثة التجمّع القديم ...والجديد.