dimanche 10 mai 2015

المبخوت.. يُطلق المارد أخيراً!



حجي جابر (روائي من أريتريا)
 جريدة الوطن (قطر)، 10 ماي 2015  

في مارس الماضي، وفي مصر، خرجتُ رفقة الروائيين التونسيين شكري المبخوت وكمال الرياحي لزيارة مكتبات القاهرة الشهيرة. كانت فرصة أيضاً للسؤال عن «الطلياني»، رواية المبخوت التي دخلتْ حينها القائمة القصيرة لجائزة البوكر. دخلنا مكتبة مدبولي وسط البلد، لم يعرّف شكري المبخوت عن نفسه، وإنما اكتفى بالسؤال عن روايته. وجدنا نسخة أو اثنتين على ما أذكر. اشتراهما المبخوت، وشرع في التوقيع على إحداهما وأهداها لي. هنا تنبّه البائع أنه إزاء الكاتب، فترك ما بيده ومنح المبخوت كامل اهتمامه. تبرّعتُ بإخباره أن هذه الرواية وصلت للقائمة القصيرة وقد تنال البوكر. وهنا أخذ الحديث وجهة طريفة؛ فقد تساءل البائع عن قيمة الجائزة، وحين أخبرناه حوّل الرقم سريعاً إلى الجنيه المصري، قبل أن يبادر بفرح أنّ هذا المبلغ بإمكانه أن يجلب للمبخوت أجمل شقة في القاهرة. ضحكنا وضحك المبخوت وهو يقول للبائع إن هذا أمر سابق لأوانه. لكنّ البائع الذي كان قد رتب كل شيء في مخيلته أكد لشكري المبخوت بيقين غريب أنه سيفوز بالجائزة. الآن وقد تم الإعلان عن فوز رواية الطلياني بالجائزة، يبدو أن المبخوت أصبح مديناً لذلك الرجل بشكل أو بآخر، وعليه أن يضع ذلك في اعتباره في زيارته القادمة للقاهرة.
لكنّ القصة تبدأ قبل ذلك بكثير..
شكري المبخوت، مدير جامعة منوبة، والناقد والباحث الرصين اختار أن يدلف إلى عالم الرواية أخيراً، وهي خطوة تحمل الكثير من الإغراء، لكنّها في المقابل ورطة كبيرة يصطدم بها كثير من النقاد الذين يجربون الكتابة الروائية. فبمجرد مغادرة كرسيّهم العالي حيث يوزعون الكثير من النقد والانتقاص أحيانا هنا وهناك، يأتي دور الممارسة والخضوع لنقد الآخرين، وغالبيتهم هنا من الروائيين الذين ينتظرون الشماتة في الناقد وقد جرّب ما كانوا يعانونه دون أن يضعه في الاعتبار.
شكري المبخوت نجا من كل ذلك في روايته الأولى، بل وذهب بعيدا لحد التفوق على كل منافسيه، ضمن حدود المسابقة وظروفها بالطبع، لأن المبدع كان بداخله مكتملا، كان كالمارد ينتظر لحظة انعتاقه ليحقق الأمنيات في كل اتجاه، وكان الأمر متوقفاً على المبخوت في اختيار توقيت الكشف عن مارده. ولعلّ فوز الرواية في ظرف شهرين بجائزة معرض الكتاب في تونس، ثم جائزة الكومار التونسية، وأخيراً جائزة البوكر، يثبت ذلك ويدعّمه.
أقول هذا لأني لمستُ إلى أي حد نحن إزاء مثقف أصيل، له رؤيته وفهمه العميقان للفن. ذائقته والتقاطاته المدهشة أثناء حواراتنا، كانت تُنبئ عن الفنان بداخله. لكنّ كل ذلك كان يجري دون استعراض أو محاولات لإظهار حجم ثقافته، وهذا فرق آخر. فشكري المبخوت مبدع من طينة الكبار، متواضع بشوش مع الجميع، يستمع باهتمام، ويضحك من قلبه، ولا أزال كلما خطر لي تتصدر ضحكته الضاجّة المحببة المشهد كاملا، وهو يقول لي بلهجته التونسية البديعة «ياولدي اشبيك».

مبارك لتونس، ولشكري المبخوت، ولنا جميعاً، وقبل هذا وذاك، مبارك للرواية العربية فارسها الجديد.

Aucun commentaire: