samedi 2 mai 2015

حكاية الجنس في رواية الطلياني


"القبلة"  لغوستاف كليمت

مها عزّوز


 حكاية الجسد مدخل آخر يمكن أن نتوسّله لرواية"الطلياني".  فأصل الحكاية انتقام للجسد.  جسد ظل محافظا على عذريته يتأبّى على الاختراق. ولكن محاولة هامشية ظلت تتعقّبه.  وللطلياني هذه الحاسة الخارقة التي تحصّنه من الوقوع في الفخ في كل مرة.  هذا علالة "الفرانقي" القديم يتحوّل بقدرة قدير سيدا في بيت سيد ، له ابنته والنصف في مملكته سوى ما حبته به الأقدار.  وعلى قدر ما كان السيد الأصيل كريما يهب خادمه بسخاء ،كان السيد الجديد عاجزا عن العطاء.  ولا يمكن أن يكون لصلبه أي امتداد. وظل علالة مقززا لزوجته يحاول أن يسد نقصه عن طريق الأطفال الأصلاء أيضا، يستغل سذاجتهم وضعفهم.  ولا أحد يدري عدد من تحرش بهم ولكن الراوي يعلم والقارئ يعلم أيضا أن الطلياني ظل منيعا. غير أن السرّ ظل حبيسا في نفسه ولم يفصح عنه ولم ينتقم وإن كان قد سمح لنفسه أن يرتع يافعا في ما تأتّى من جنائن تعاف "علالة" وتقبل تستدرجته فلا يصدها وتدلله فيستطيب دلالها.  
لم يفكر الناصر في الانتقام من الهامشي غير معروف الأصول الذي ورث البيت والسيدة ثم تدرّج في المراتب الاجتماعية حتى غدا إماما للعباد.  أفيكون ذلك خطأ الطلياني الذي أودى به إلى الانكسار وترسّب الخطأ في نفسه كالمرض يسري ولا رقيب ولا ينتبه له حتى آل إلى العجز؟
كان ذلك السر الأخير الذي آلت إليه الرواية.  والطلياني عاجز بين يدي ريم.  هذه المرأة الحسناء الجميلة التي أثارت شهوته فطاردها وعرف أخبارها ثم جاءته مطواعا تبذل نفسها مقابل دور في شريط.  هي رمز لجيل جديد جاء متسلقا لا هاجس له إلا بلوغ الشهرة والمجد عن طريق أسهل السبل.  مثلت ريم الجيل الذي أنجبته ولاية بن علي وما كان أصعب أن يتعاون الطلياني بكل ثقافته ومعرفته وأخلاقه وطموحه مع هذا الجيل أوأن يقذف بجزء منه فيه.  لذلك كان العجز وما أحسبه إلا تعففا عن جيل جديد من المتسلقين.  لقد كان إعراض الطلياني عفويا للاختلاف النوعي بين الجيلين وقام الطلياني عن ريم زاهدا في إغراءات هذا الجسد يحمل بذور الانتقام. 
نعم لم تستجب فحولة الطلياني للغوص في التفاهة التي مثلها الجيل الجديد وعاد ينتقم لجيله ويفضح من أرادوا به سوءا ويؤكد أن جيله ما كان يوما من المخترقين غير أن اللافت أن عجز الطلياني أمام ريم ساوقه موت الأب البيولوجي للطلياني ولكن موتا آخر صادفه وهويقوم عن علاقة حسية هي الأشهى عنده وبها كان أكثر احتفاء :علاقته بنجلاء.  وما قام عنها حتى جاءه نبأ وفاة الزعيم وفاة سياسية بعد الانقلاب. 
اقترن الموت بالحس مرتين في نّص الرواية وكان الطلياني يشرب نخب نجلاء حين وقع الانقلاب. فهل كان يشرب على نخب رحيل "الأسد الشارف" أم كان يتمتع بالحرية الوحيدة التي ظلّت مكفولة في عهد ذلك الأسد أم أنه كان يمارس قناعاته في الإصابة من ملذات الجسد بحساسية وفن وبلا غصب وكأن به حاسة سادسة تؤكد أن حتى جمال روح نجلاء وقناعاتها ستعرف هي الأخرى الفساد بعد أن تدور رحاه في كامل البلاد وتطحن كل العباد وتستدرج الأنثى المتحررة إلى مقاصير رجال السياسة المغلقة.

ورغم أن الطلياني أقبل على نجلاء وريم بحس المستميت في الإقبال على الملذات بذوق عال وفن ومعرفة 
إلا أنه كان يدرك منذ البداية أن علاقته بهما لن تكون إلا ظرفية محدودة طارئة.  وأن كلتيهما لم تكونا إلا هامشا من هوامش هذا الجيل أوذاك.  لذلك لم ينكر على نفسه الإقبال على غيرهما في علاقاته. ولقد تميّزت علاقته مع زينة البربرية المثقفة الجامعية التي لم يشأ أن تربطه بها علاقة لا شرعية وإن قرّ في نفسه للشرع معنى آخر غير ذلك المتعارف عليه. إذ لم يدن الطلياني إلا بدين المساعدة وقطع الطريق على الفساد بمختلف مظاهره ولما رأى زينة لا تستطيع أن تدرس وتدرّس معا إلا بموجب الزواج لم يبخل به عليها.  وبعد فليست زينة إلا ذلك الوجه الآخر للجيل الذي أنجبته الفترة البورقيبية.  هي نقيض نجلاء.  تفانت هذه في العناية بالحس وأهملته تلك حتى لنخال أنها هي عينها التي نعتها ذات يوما ساخرا " الرفيق بوك علي" ولئن حاولت أن تستفيد حينا من نصائح نجلاء إلا أنها سرعان ما كفت عن ذلك منصرفة إلى بحوثها ورغبتها في الالتحاق بالجامعة وصبر الطلياني وصابر وأينعت علاقته بها وبرعم الجنين في رحمها كالحلم.  وبدا لوهلة مولد النور الذي سيطهرهما من كل الأدران.  وتهيآ له اغتسالا قبل وأثناء الجماع ولكن الحلم لم يثمر ولم يزهر ولم تتدل عناقيده ووئد جنينا بسب رداءة الظروف الحافة. كل الظروف التي همشت البلاد.
قصة الجنس إذن في رواية الطلياني هي أيضا قصة الجيل الذي مثلته شخصية الطلياني. جيل ملاحق منذ بداية الاستقلال كتم خوفه حتى كاد يؤخذ به. وأصاب من لذائذه شذر مذر. ولكنه لم يجن من الملذات إلا السراب.  وقد تساوق الجنس والموت في الرواية تساوقا عجيبا حتى كأنهما يتناسلان. وشرب الطلياني نخب الانقلاب على بورقيبة.  ثم طار السكر وبقيت خيبة الرئيس الجديد فكان لزاما أن يكفّ الطلياني عن الشرب من الكأس نفسها وقد بان له أسنها ليتهيأ للانتقام ثم يتدارك أخطاء الجيل الذي مضى وإن من بعيد مهيئا بذلك الظروف للولادة الجديدة.


Aucun commentaire: