dimanche 7 juin 2015

الطلياني ...خيبة" الأم "


حمزة ربوح
03 / 06 /2015 ، موقع RTN24 (المغرب)

رواية لشكري المبخوت، صادرة عن دار التنوير ببيروت، الحائزة على جائزة البوكر، لسنة 2015م
رواية تسرد جزءا من أحداث تونس في الثمانينات وبداية التسعينات،في حقبة " بورقيبة " و" بن علي "، وما تخلّلت هذه الحقبة من أحداث سياسية واجتماعية في قالب روائي مشوب بالرمزية محتقن بالخيبات ضمن عوالم تدعو لأكثر من قراءة ولأكثر من تأويل.
مابين " الزقاق الأخير" و" الدرب الأول" حوادث وهواجس نثرها الراوي بين " شعاب الذكريات" و" منعرج " مؤدي على " رواق الوجع والألم " عبر " منحدرات" و" طلّاعالثنايا " مصطدمة ب"مسالك موحشة" أدّت إلى "السكة المقفلة "، هذه الأخيرة بدورها أصبحت " مفترقا للطرق " وسرعان ما أصبحت " دروبا ملتوية " عبر " مضيق ".
إنّها عناوين فصول الرواية، بطلها عبد الناصر الطلياني، صاحب حذاء" البرودكان"الذي طبع مقاسه على وجه الإمامفي جنازة السي محمود، أب الطلياني، أدماه وتركه يئن داخل مقبرة " الزلاج "، الكل سمع صيحاته إلّا حضرة الميت، لم يعرف سبب تصرّف الطلياني،بقي السبب لغزا حتّى الدرب الأخير من فصول الرواية.
لقد كان عبد الناصر أصغر من أخيه صلاح الدين رجل السياسة وأستاذ الجامعة،إلّا أنّ الطلياني كان صبيا من طينة مختلفة إذا ما صدّقنا على مقولة الأصل والمرجع الأوّل: إنّها " الأم "التي أدركت ذلك من جرّاء تمرّده عليها عكس أخيه الأكبر الذي يفوقه كياسة وأدبا، لقد كان يحمل بذرة ثورية، خصوصا في اعتناقه لليسار الطلابي في يفاعته فيما بعد، حتى الغرفة التي تركها له أخوه صلاح الدين أصبحت مرتعا مع بعض أصدقائه للحركة اليسارية في بواكيرها على طريقة أبطال مكسيم جوركي في روايته " الأم "، وبهذا كان الطلياني "كالنهر الجاري يحفر مجراه بمائه المتدفّق لا يوقفه شيء "، لكن ماذا عن المنعرج؟
بدا هذا المنعرج ب" زينة"، طالبة في إحدى جامعات تونس،كانت عقبة كؤودا لليسار الطلابي الماركسي في نضاله، كما أنّها كانت شوكة في حلق الإسلاميين، هي زينة إذا، رمز للتحرّر و الانعتاق مردّدة شعارها " أنا حرّة في نقدي لليمين ولليسار"،كما أنّها طالبة فلسفة يجوز لها ما لا يجوز لغيرها "، ونظرا لتفعيل قانون 1973م المانع للتجمعات غير المرخّص بها بزعامة المجاهد الأكبر" بورقيبة"، مافتئت السلطة تقمع النشاطات والنضال السياسي، في الجامعة لكل الأطياف المناوئة للحكومة سواء يسار الطلياني أو التيار الإسلامي الخوانجي،أو حتّى الفيلسوفة الصغيرة زينة، العصا والركلات ، هذه الأخيرة قد لاتكون في حدّة ركلة الطلياني للسي الإمام،خصوصا إذا كان يستهدف جسدين ممدين على الأرض في لحمة،بين المناضل الماركسي والفيلسوفة الصغيرة، " زينة " و" الطلياني"،كان درعا واقيا لها ويحدث أن تتسرّب قبلة حارة وأكثر من عناق ،إنّها لحظة " تاتاتوسوإيروس"،وكيف لطالب بروليتاري ثوري أن يذوب في قبلة من الوجع ، وكيف لعاشقة المفاهيم المجرّدة أن تلتحم بكومة من اللحم قوامها"يسارا " لم تكن لتحتفي به يوما من بعيد، ناهيك أن يكون معها جسدا يطبع عناقا وقبلا؟ هل هو مصداق للتناقض الماركسي؟ أم هو مجرّد منعرج؟
تميّعت قبلة التضحية والشهوة في كتب التدريس خاصة زينة، بينما تميعت عند الطلياني في جريدته الحكومية و"نجلاء " تلك الفرس المطواع أسلمت زمامها لعبد الناصر، كم نهلوا من تباعيض الجسد وجذوة الرغبة أنّى شاءوا، وعلى منوال يتسم بخيط رفيع من التورية عن ملاحظ زينة،إنّه انقلاب الصديقة والزوج حتى ولو كان " زوجا إجرائيا"، قد يوازي انقلاب رجل عسكري ك" بن علي" على "نظام بورقيبة"،حدث الحب والمتعة قد يوازي في بعض الأحايين حدثا أكبر من مجريات السياسة،انعتاق" تونس "من نير الدكتاتورية لا يعادله إلّا تحرّر زينة بوفاة أمّها لتصبح بذلك " أمّا لنفسها"تحرر من كوخ في أحد الأرياف البربرية تحمل همّه على الدوام،وبدوره عبد الناصر الطلياني أضحى هو الآخر أبا لشهوته مع نجلاء، لتصدق نبوءة زينة عن رغائب الطلياني" إنّ المرء لاينزل إلى نهر اللذّة مرتين إلّا إذا اختلف النهران"،وعلى الجانب الآخر هل يكون البطل الجديد في سدّة الحكم حكما راشدا رغم أنّ تونس واحدة لا اثنان؟ رحل المجاهد الأكبر: " بورقيبة "فهل ستكون تونس " أمّا لنفسها "؟
هي مسالك موحشة قد تؤدي إلى " سكّة مقفلة ".
"زينة"، الغزال الشرود،سكنت الكتب في حين سكن الطلياني في قلب نجلاء مابين سد فراغ، وعاطفة لاتتعدّى شغفه بجريدته الحكومية،تونس امتداد من " بن علي" " زينة"،تمضي في سكة تبدو مقفلة، فماذا بعد رد الاعتبار للدين؟والهوية العزيزة،و" إضافة نكهة خاصة كالديمقراطية الى العروبة "؟ ماذا بعد؟ في الأخير تبقى قرارات الرئيس" بن علي " وحدهيوازي مرّة أخرى قرار زينة في الإجهاض، ابنا بالشراكة وقرار من طرف زينة وحدها،ماذا جرى لك أيها المناضل؟قرارات من فوق وقد تمر عبرك أنت من جريدتك الحكومية، وقرار آخر من قبل الفيلسوفة التي أجهضت جزءا من روحك في الحمّام؟ ربما أنت بصدد في مفترق طرقعندما يخاطب عبد الناصر الطلياني" سي عبد الحميد " مسؤول الجريدة " الأذكياء أحيانا يسحقون أنفسهم بأنفسهم،إذا كانت نفوسهم كبيرة وطموحاتهم أكبر"، فإنّه لايعني بذلك سياسة الحكومة الجديدة بزعامة البطل الجديد بقدر ما يقصد الفيلسوفة الصغيرة "زينة"،" تلاشي الفوارق بين حملة الأقلام وحملة الخناجر"، ورسوب زينة الطموحة والمتفوقة في امتحان التبريز، لاسبيل للاحتجاج ألّا بالتعريةأمام استاذ كان سببا في رسوبها في حرم الجامعة على مرأى من الطلياني، هذا الأخير ذو بديهة حاضرة أقصى ما أمكنه فعله هو ستر صدر زوجته كما يفعل غيره من حملة الأقلام في التستّر على براز أسيادهم، "زينة "و" الطلياني"، " بن علي " و" تونس " ، أشبه بخطوط مقعّرة وأخرى محدّبة على التوالي يستحيل اللقاء حتّى ولو كانت " الدروب ملتوية ".
سرعان ما ظهر الخط المقعّر والمحدّب خاصة كل من زينة والطلياني،طلاق إجرائي مثلما كان الزواج في حد ذاته إجرائيا،تزوجّت زينة با "إريك"، كانت لها معرفة سابقة به أيام الجامعة، والآن هي في شبه خيانة مقنّنة ومبرّرة، على الأقل على صعيد المفاهيم والتجريدات المشتركة،الفيلسوفة الصغيرة صاحبة الخيبة،ارتبطت بباحث فرنسي يسير على منهج بيار بورديو، انسجام الفكر لم يكن أفضل من انسجام " البراكسيس "، أصبحت كدمية يتلهّى بها كهل هناك في فرنسا، في حين عبد الناصر الطلياني تجرّع هو الآخر خيبة بعنوان " نجلاء لكل الرجال"، بيد أنّ عبارة الدمية الفيلسوفة عندما خفّفت من وطئ إحساسه بالخيانة لمبدأ النضال السياسي مازال ذو مفعول، فقد تعلّم عبد الناصر في هذه الفترة " كيف يقدّم الخبر بالحذف والتقصير، والتشذيب والتكييف والتوسّع في مقالاته حتّى يعبّر عن موقفه ورأيه الشخصي من دون أن يظهر الأمر كذلك "، لعلّها ممارسة للسحق الذكي الذي علق به على زينة سابقا، أجل مناضل بروليتاري مميع في بضع ورقات، إنّها بداية "المضيق"
"ريم"شخصية أخرى تلج السّرد، كما ولجت في قلب الطلياني، هذه المرّة قام بعمل مؤسس مع فتاة تبدو شرودا أكثر من زينة، لا مجال ل" قبلة " تحت الركلات الآن،لكن الأمر يحتاج إلى عمل مؤسّس، كاستعارةاسم" زينة "، دون الحديث عن تلك القبلة المضمرة، بعض الإنشاء عن قصّة فتاة لا يعرف منها الطلياني سوى الاسم "زينة"نعم ربما تكون قصّة ممتازة لتكون موضع إبداع سينمائي أو مسرحي ل" ريم "،كل هذا العمل المؤسّس إضافة لوسامة الطلياني سيأتي أكله ولو بعد حين، هذا الأخير أتى بكل يسر، أسبوعان على الأكثر و" ريم " في الحجرة تحمل كأس " فودكا "،وفي حمأة " الإيروس" يأتيه خبر وفاة أبيه "السي محمود"عبر الهاتف،في تلك اللحظة تقلّص الطلياني ليكون مجرّد عبد الناصر وكفى، شحوب وحزن كدوي مدفع مرّة واحدة وشهوة قيد اللحظة جذوتها لم تنطفئ بعد ل" الريم " التي أمامه،عبد الناصر آثر الشهوة ، فلابأس باستيقاظ "البراكسيس" مرّة أخرى حتّى ولو فقد أحدنا أهم سبب في وجوده،غير أن" ريم " في عريها الكامل كانت متجلببة بعذريتها، اقترحت حلا بديلا إنّه" قفا الورقة"، لكن" فاتح المغالق" غدا حبلا مرتخيا،وداعا أيها "الايروس"،وداعا أيها " البراكسيس "، نلتقي في مقبرة " الزلاج " وعلى وجه الدقة على وجه " الامام "رفقة حذاء " البرودكان " خيبة جديدة تركت عبد الناصر ينعي أباه في دواخله،متحسّرا على حبله المرخي أمامه، لا بد من استحضار "الدرب الأول ".

إنّه درب الطفولة في غرفة " لالة جنينة "لاهي بالفيلسوفة،ولا هي ب" النجلاء"،ولا حتّى في بضاضة ونعومة" ريم "،قامة من الجمال لا تستأهل أن يزوجها أبوها بدرويش يدعى " علّالة "،بعد أن تعدّى مرحلة البله إلى مرحلة المكر،ومع ذلكمازال أبلها من الأسفل، هو الآخر " حبله مرخي " على الدوام،عنين أجبرها على التلهّي بالطلياني، لقد كانت شبح الطفولة الأيروسي لأيّام عدّة،في حين أن" علّالة " وجد في الطليانيتجربة لشد حبله وتقويته،محاولة أولى مليئة بالرعب والفجع وثانية لم تكن أقل منها رعبا، لكن الطلياني لم يخترق، لقد تأجّلت للحظة " قفا الورقة " خاصة " ريم "عدوى الارتخاء،كانت بين لحظتي الشهوة وفقدان سبب من أسباب الوجود، ومركّب القضيتين إنّما كان "البرودكان" على وجه الإمام " علّالة "،إذن الدرب الأوّل والزقاق الأخير كانت مقبرة " الزلاّج "،مقبرة الأموات، مرآة الخيبة،نهاية وبداية لكن في النقطة نفسها، هل يكون المناضل السياسي مسخا منذ نشأته؟،وماذا عن رمزة الفكرة والطموح" زينة"، وماذا عن "تونس"أتكون هي الأخرى مغتصبة سواء بحبل متين أو آخر مرخي؟ هل فعلها" بورقيبة "؟ أم" بن علي"؟ أم عبد الناصر نفسه؟ هل هي خيبة عبد الناصر أمام أمّه " زينب "بحدسها فيه الفتى المتمرّد الثوري؟ أم هي رواية "الأم"لمكسيم جوركي تعلن خيبتها في الطلياني ؟، قد يكون أقواها هو صوت "تونس" للطلياني: " أنت لا تعرف وجهي الآخر حين أغرق في لوحي المحفوظ، أطلب ترياق الأسى"  

Aucun commentaire: