mercredi 29 octobre 2014

ذاك التـونســي المتحـــرّر...

مقال عادل البرينصي عن رواية «الطلياني» بجريدة "الصحافة" بتاريخ 28 أكتوبر 2014



بنظرة المثقف الناقد كما ورد في الصفحة 60 من الرواية «..المثقف عندي من ينقد دون حسابات، ينقد كل شيء... يطلق النار على كل ما يتحرّك... يطرح الأزمة بالسؤال والاستفهام. يخلخل السائد...» يعود بنا الأستاذ شكري المبخوت ـ بفعل تحديد إطار زماني ومكاني واضح الى فترة الثمانينات في العاصمة التونسية، ليصف لنا الحياة في المدينة العتيقة بتفاصيلها وتفرعاتها وشغفها وطبيعة العلاقات الاجتماعية فيها، بأسرار بيوتها وبتنوع شخوصها بحميميتها وصراعاتها، بمسرّاتها وأفراحها...
كما يجعلك تعيش ـ إن لم تعشه طبعا ـ واقعا حياتيا في العاصمة وصراعا سياسيا تجلّى خاصة في الجامعة التونسية بين اليسار والسلطة وبين اليسار والاسلاميين...
فعندما تقرأ رواية «الطلياني» تستفزّك  الى حدّ التوتّر، تحيلك على أشخاص حقيقيين، عرفتهم وعايشتهم وتحدثت معهم، تحيلك الى واقع يعيش  في مخيلتك ولازالت آثاره حاضرة معك... بل أكثر من ذلك فإن شخصية أبو السعود «ج» شخصية واقعية لم يبتدعها الكاتب ولم ينتجها هكذا...
وهنا يبرز البعد الواقعي في رواية «الطلياني» وهو وإن بدا توجها معتادا عليه في الكثير من الروايات العالمية إلاّ أن شكري المبخوت قد التزم بالواقع وبالوقائع وبالشخصيات الى حدود يشعرك بأنّك أمام رواية تاريخية أو مذكرات شخصية للكاتب او لأصدقاء قريبين منه.
وبلغة نراها لا تختلف في عاميتها وبنيتها المبسطة، عن لغة الأدب الرومانسي المتميزة بالشاعرية المطلقة وبسهولة التعبير كالتي نطالعها في أشعار بودلير  (Baudelaire) أو ألفراد «دوموساي» (Musset) أو أشعار وروايات فيكتور هيغو (Hugo) وبقدرة الكاتب البلاغية يستطيع القارئ ان يفهم العديد من الألفاظ والتسميات والمفاهيم والتوجهات والتيارات وغيرها من المصطلحات التي كانت سائدة في واقع اجتماعي ـ سياسي متحرك، كما يستطيع أن يطّلع على أسماء العديد من الكتّاب والمفكرين الذين ربما قرأ لهم الكاتب واطّلع على أفكارهم وتأثيرهم ثم انتقدهم...
رواية «الطلياني» ليست هذا فقط فهي كذلك رواية وجودية تتجسد من خلال شخصيات حائرة تبحث عن حقيقة وجودها وعن المعنى الحقيقي للحياة، فشخصية عبد الناصر ورقيّة شخصيتان متحررتان بأتمّ معنى الكلمة رغم القيود الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والفكرية التي تكبلهما... شخصيتان تمثلان الحرية وتفلتان من كلّ قيد على حد تعبير الفيلسوف تايلور.
ربّما لا تسمح ورقة واحدة في صحيفة ان نأتي على كل ما جاء في رواية الطلياني ـ لكن المهم أن أول رواية لشكري المبخوت قد حددت مكانة للكاتب ضمن الروائيين العرب والعالميين، فإذا كان علاء الأصواني قد وفق من خلال رواية شيكاغو أن يعطي صورة عن الواقع السياسي في مصر قبل الثورة فإن شكري المبخوت قد مكّن الأجيال الجديدة من الطلبة والمثقفين الذين تستهويهم فكرة العمل السياسي ان يطلعوا على الخلفيات التاريخية للواقع السياسي الحالي، أليس غريبا ان تصدر روايتي «شيكاغو» و«الطلياني» بعد سقوط النظامين في مصر وتونس.
رواية «الطلياني» فيها جوانب عديدة وحيوات متنوعة ولعل أهمها واقع العمل الصحفي زمن الإنتقال من الحكم البورقيبي الى نظام بن علي، وهو ما يجعلني أعتبر جانبا من «رواية الطلياني» بمثابة شريط وثائقي عن جريدة حكومية عمومية لا زالت تبحث عن هويتها الى حد اليوم.


إذا أردت أن تفهم الحراك السياسي الذي كان في الجامعة التونسية زمن الثمانينات والذي تستمر تداعياته الى اليوم، فيمكن لرواية «الطلياني» الصادرة حديثا لصاحبها شكري المبخوت أن تشرح لك الصراع وتحيلك على الاطّلاع على بعض المفاهيم والايديولوجيات، اليسارية واليمينية والقومية وغيرها...

عادل البرينصي

Aucun commentaire: