mardi 23 octobre 2012

في السابع عشر من أكتوبر




1
     جفّفوا حبر أقلامهم وقتيّا وقصديّا،وصمتوا عمدا ،وشوّشوا الصورة بإرادتهم.كانوا يحتجّون ملء السمع والبصر فقطعوا الكلام والصورة بعد أن رشحت الكأس بمرارة التسلّط وقهر الإذلال.
      وكم يذكرني السابع عشر من أكتوبر بالسابع عشر من ديسمبر ولا حفظ للفوارق لوحدة المعنى والاشتراك في عميق الدواعي.فلعلّ تعطيل الأقلام وتقطيع الأفلام وتكميم الأفواه طوعا وكرها صورة أخرى من إضرام ذاك الفتى الجنوبيّ النار في الجسد المقهور.كلاهما إيقاف مقصود للعاديّ والمألوف يدفع إليه اليأس من إصغاء أهل العقد الرافضين للحلّ فيتمرّد أصحاب الحقّ على عنجهيّة أولى الأمر وصلفهم وسوء تقديرهم وتدبيرهم.
2  
في السابع عشر من أكتوبر ،
تدرّبت على تهجيتها ورسم حروفها على كراسها المدرسيّ و الأوراق البيضاء جميعا،على لحى الأشجار وأعشاش الطيور المغرّدة، على الشفق الرائع والأفق الممتدّ.
في السابع عشر من أكتوبر ،
أصغت إلى نداءاتها في صرير الريح وسكون الفضاء الرحب وصبا الأذان ونهاوند الأغاني وأنين الموجوعين وأصداء الطفولة العذبة ،في النشيد الوطنيّ وحماسة الغاضبين.
في السابع عشر من أكتوبر ،
تخيّلتْها فرأتْها في أحلام الصبايا وتقلّبات الحكايات ولازورد الشطآن وأنوار المدينة وفي امتداد الشوارع وضيّق الأزقّة وواسع الساحات ،في الغياب والوحدة وفي الحضور والجمهور.
في السابع عشر من أكتوبر،
بسلطة الكلمة المحتجّة وسطوة الأصوات العالية ودهشة العين الشغوف ، أرادت الحياة واشتهت أن تستأنف الحياة ، أن تولد ثانية لتتعرّف إليها ولتسمّيها بعد أن تهجّت الاسم وتلذّذت لفظه وتخيّلت صورتها.
  ولهذا الاسم في ما قلنا  مسمّيات تدور عليها : الحرّيّة، و صاحبة الجلالة، ومن تهجّى الإسم وأصغى إلى النداء وتخيّل الحريّة الفاتنة نقيبةُ الصحافيّين نجيبة الحمروني.
3
   في لحظات مكثّفة من التاريخ يصادف أن تحمّل الكلمات بدلالات سياقيّة جديدة.وفي السابع عشر من أكتوبر تمازجت ، وإن كره الكارهون،حريّة الإعلام بنقيبة الصحفيّين . فقد عرفت كيف تلتقط ، بحذق ومهارة،الخيط الرفيع الذي يشدّ إصرارها القويّ إلى عنادهم الغبيّ. بتفاؤل المناضلين الأصيلين، نسجت من تعنّت المبتدئين في تسيير المدينة  ومكابرة المنتشين بصولجان السلطة الموهومة مجدَها وأسطورتَها لتقف ، وقفة جدّها الشاعر ، صارخة :سأعيش رغم الداء وأعداء الكلمة لحظة شرف دفاعا عن الحريّة، حريّتنا جميعا.
   لها الآن أن تستريح فقد دخلت بهذا الإضراب النادر الفريد كتاب التاريخ.فقد جعلها زمنها ، عن طواعية أو من باب الصدفة، تقود الذين كسروا بابا من أبواب بيت الطاعة ومزّقوا أجندات غير موفّقة البتّة وكشفوا حسابات خاطئة خاسرة.
   بدت أكبر من خصومها لأنّها أرادت أن تسيّج مملكة القول كي لا ترتع فيها ذئاب السلطان وإملاءات ملمّعي الأحذية والصور الجديدة... القديمة.
     ولا معنى بعد هذا للقائمات السوداء أو الصفراء ، ولا لوصف الإعلام بالبنفسجي أو الأزرق إذ حشرت خصومها المبتدئين المنتشين في زاوية الجلاّدين أعداء الحرّيّة ،عن حقّ أو باطل ، فشنقوا أنفسهم بحبل من غرور وصلف وإضاعة للوقت فأنّى لهم أن يواجهوا من ساند ودعّم وبارك وناصر؟
وكم يكفي من الوقت وتكرار الإسطوانة المشروخة عن "إعلام العار" وأزلام السابع من نوفمبر ليصدّق الناس أنّ الصحفيين المعتصمين لما يفوق الخمسين يوما مخطئون؟ وأنّ المضربين منهم عن الطعام يضعون العصيّ في عجلة الإصلاح وتطهير الإعلام؟ وأنّ الإعلاميّين الذين شاركوا في إضراب السابع عشر من أكتوبر يناوئون حكومتنا الرشيدة؟.
    لم لا يرون ببساطة في هذا الشوق العارم للحريّة دعوة مضيافة إلى تطهير حقيقي للإعلام وحرص أصيل على احترام الإعلاميين؟
    وفي انتظار أن يؤوب التائهون إلى بيت الحرّيّة في تواضع لائق بمسؤول مؤتمن تكون نقيبة الصحفيّين قد سجّلت نقاطا رمزيّة كثيرة ثقلت بها موازينها وموازين الحريّة.فلتتداركوا أمركم أو واصلوا في غيّكم.فلا شيء سيكون كما كان.     

   



1 commentaire:

Lotfi Aïssa a dit…

J'ai pris beaucoup de plaisir à lire cette "sonate en trois temps".