mardi 2 octobre 2012

مديح النّخبة





(1)       
ليس من عاداتي الجلوسُ إلى التلفزيون. ولكنّني سمعتها.
بلكنة تؤلّف بين اللّهجة الرّيفيّة وتنغيم أبناء الجيل الثّاني من مهاجرينا خاطبت النّائبة المحترمة وزير الدّاخليّة قائلة ما تعريبه : "في هذه المسألة بالذّات ، وتقصد الحرّيات الفرديّة ، سأظلّ شوكة في حلوقكم".
كان النّقل مباشرًا وكنت أتصفّح الصّحف والمجلاّت ووجدت عنوان إحداها على الغلاف مفزعًا مرعبًا : صورة شاب نصف وجهه بيّن مضاء ، على فمه قطعة من اللّصاق تشير بوضوح إلى تكميم الأفواه وإسكات النّاس. ويزيد العنوان الصّورة توضيحًا... وتعميقًا للرّعب : "تونس : وداعًا لحرّيات ؟". هكذا مشفوعة بنقطة اِستفهام.
هل حدث ما حدث لنجد أنفسنا عودًا على بدء ؟
    إنكاريّ هذا الاستفهام ولكنّ الشّواهد كثيرة على خطر الانتكاس وبناء "دكتاتوريّة ناشئة" ستكون أنكى وأقوى لأنّها تنطق باسم الأخلاق الفاضلة والقيم الحميدة والطّهارة الثّوريّة والدّين الحنيف.
      أهي تخوّفات فحسب ؟ أهي فزّاعات يستعملها أهل المعارضة لمنافخة الفريق الذي يتدرّب على قواعد تسيير الدّولة ؟ أهي مسائل عرضيّة وتجاوزات فرديّة ؟ على ما يقولون ويردُّون ويردّدون.
ينبغي أن تكون على قدر كبير من الانغلاق والتّحزّب أو البلاهة والسّذاجة أو أن نلبس زيّ المدافعين الأشاوس عن الشّياطين والملائكة وجميع الكائنات غير المرئيّة حتى نصدّق أنّ "تونس بخير" (وإن بنغمة الماسكين بزمام السّلطة عندنا) ، وحتى تدمغنا حجج اللّغة الخشبيّة الجديدة "نحن سائرون في اِتّجاه تحقيق أهداف الثّورة."


(2)         

إنّنا نتفهّم أن تكون النّواة الصّلبة لأيّ سلطة هي الاستبداد ، فهو جوهرها ومعدنها. فَلِمَ الضّحك على الذّقون ؟ لِمَ الطّهرانيّة المفرطة ؟ أنتحمّل شهوة السّلطة عند حكّامنا الجدد لأنّهم يؤمنون بالله وباليوم الآخر وملائكته ، مثلنا تمامًا ، ودخل بعضهم السّجون وشُرّد وعُذّب ؟ هل يكفي شفاؤهم من داء القمع والعذاب لنعيش نحن حلمنا ؟ أقَدَرُنا أن ننتقل من كابوس إلى كابوس؟
ورغم هذا المشهد المعتم الذي نلمسه لمسًا ، رغم جحافل المهووسين بالهوية الوهمية والمصابين بثقافة الموت ، المُعْلين من شأن الحياة المؤجلة مازال لنا أمل في أشواك من صنف النّائبة المحترمة تقضّ مضجع الحلوق التي استساغت كعكة السلطة خارج ما تستلْزمه من التزامات في حماية الحريات الفردية والعامّة .
فطوبىَ لنخبتنا المدنية التي تنقد و تنبّه وتحذّر وتذكّر.
طوبى للفنّانين والمبدعين الذين يرفعون بأعمالهم سقف الحرّية أعلى فأعلى.
طوبى للجامعيّين الذين دقّقوا وحقّقوا وشقّقوا مسودّة الدّستور ليُنبّهوا إلى مخاطر اللّغة الغائمة المتردّدة الخائفة من مجهول الحرّية والتّعدّد والاختلاف .
طوبى للمثقّفين ، أبناء المدرسة التونسية الشرعيّين ، ورثة قرون وعقود من نمط التفكير المغربي الذي لمّح إليه جدَّهم ابن خلدون. فهم يصدّون رياحًا عاتية تعصف من شرق السبايا والتّكايا .
طوبى لهذه النّخبة التي يهاجمها المغرضون وأنصاف الأمّيين ولا يدرون أنّها ، لحسن الحظّ ، رحيقٌ من أجمل زهور الحديقة التي نسمّيها الاستثناء التونسي.     

1 commentaire:

Lotfi Aïssa a dit…

"Éloge de l'élite".Un vibrant hommage à la résistance des intellectuels tunisiens. Joli come-back!