vendredi 12 octobre 2012

دفاعا عن التعليم العمومي


                               ( نشر بأكاديميا ، العدد 10،أكتوبر 2012)

هل يمرّ دفاعنا عن التّعليم العمومي بالضّرورة عبر رفض التّعليم العالي الخاصّ ؟
لا شكّ في أنّ النّظرة إلى التّعليم العالي الخاص ببلادنا، لدى جلّ الجامعيّين وممثّليهم الأكاديميّين والنّقابيّين بالخصوص، نظرة سلبيّة. فهي في تمثّلنا المشترك مؤسّسات ربحيّة تندرج ضمن تخلّي الدّولة، تدريجيًّا، عن الخدمات الاجتماعيّة وتفريطها في قطاعات اِستراتيجيّة تمسّ ببناء الثّقافة الوطنيّة ورفضها، تحت ضغط الدّوائر الماليّة العالميّة، للتّمويل غير المثمر في المدى العاجل على الأقل.

ولا شكّ أيضا في أنّ مسار هيمنة الأنموذج الرّأسمالي فرض تحويل مثل هذه الخدمات إلى سلع مفتوحة للمنافسة في السّوق العالميّة. وليس الامر خاصًّا ببلادنا أو بلدان العالم الثّالث. فلم يعد خافِيًا أنّ تعميم نظام «إمد» في الفضاء الأوروبي مثلا كان، في بعض وجوهه، اِستجابة لمقتضيات الضّغط على المصاريف العموميّة بتقليص سنوات الدّراسة للجمهور الواسع من الشبّان أكثر منه تعميمًا لأنموذج أثبت نجاعته.

والمفارقة، من جهة أخرى، أنّ أكثر الجامعات العالميّة جودة في أنظمة تكوينها وبحثها ونشرها وإنتاجها هي جامعات غير عموميّة. ولهذا تفسيرات عديدة لكن لا يخفى منها ما تتمتّع به من ميزانيات ضخمة متعدّدة الموارد وتوافر مرونة كبيرة في التّصرّف المالي متأتّية من خضوعها لقواعد ماليّة محفّزة للقطاع الخاص مقابل ما تعاني منه المؤسّسات الجامعيّة العموميّة من بيروقراطيّة خانقة.

ولكنّ حجر الزّاوية في نجاح الجامعة الخاصّة في العالم هو خضوعها لمبادئ الاستقلاليّة بمعناها العميق وما تقتضيه حوكمة رشيدة ومن شفافيّة ومن نسبة مشاركة مرتبطة وثيق الارتباط بالاستقلاليّة. فشأنها شأن جميع المؤسّسات التّجاريّة قادرة على التّحكّم في مدخلاتها من إطار إداري وعملة ومن مكوّنين وباحثين ومن طلبة يرتادونها ومن قدرة على التّفاعل مع السّياق الاقتصادي والاجتماعي بفضل بيع الخدمات وصياغة البرامج والمسارات الدّراسيّة المناسبة لسوق الشّغل. فوسائل التّحكّم في المدخلات مهمّة في تحديد المخرجات.

ولئن كان قطاع التّعليم العالي الخاصّ عندنا مازال يعاني من آثار سياسيّة قديمة كانت فيها هذه المؤسّسات تمثّل اِنتشالاً للفاشلين في الباكالوريا فإنّ وضعه الرّاهن لا يبشّر، بحكم القوانين، السّائدة ونوعيّة جلّ المتدخّلين فيه، بخير كبير. ولهذا السّبب لا يمثّل هذا القطاع في تقديرنا أيّ تهديد للقطاع العمومي بجميع مراحله. ولكنّ القطاعين، في المقابل، يحتاجان إلى هيكل لتقييمهما واعتمادهما وضمان الجودة فيهما دون تمييز. عندها ستظهر الحقائق الموضوعيّة.
بيد أنّ الدّفاع عن التّعليم العمومي، بما فيه الجامعي، ليس أمرًا نظريًّا أو إيديولوجيا بل له مستلزمات عمليّة لتحصينه. فالثّابت أنّ الوضعيّة الحاليّة للجامعات ومؤسّساتها لن تفرز في أحسن الأحوال إلاّ مزيد تعميق السّلبيات والعجز عن أداء المهامّ الموكولة إليها. هذا إذا لم تؤدّ إلى القضاء المبرم على هذه المفخرة من مفاخر دولة الاستقلال إذا اِستفحل الأمر بما لا يدع مجالاً للإصلاح. ولسنا بعيدين كثيرًا عن هذا المآل.

ومن أهمّ وجوه الإصلاح المطلوبة هيكليًّا أن تستفيد الجامعات العموميّة ومؤسّساتها من أمرين. أوّلهما التّفاعل إيجابيًّا ضمن تصوّر يدعّم القطاع العمومي، مع ما تتيحه وسائل التّصرّف في القطاع الخاص من مرونة وما توفّره مبادئ اِقتصاد السّوق من قدرة على المبادرة والمنافسة والمحاسبة حسب الأهداف بعيدًا عن مركزيّة القرار أو القيود التي تفرضها سلطة الإشراف والقوانين البالية.
وثانيهما الشّروع حالاًّ، الآن وهنا، في التّطابق التّامّ مع المعايير الدّوليّة للحرّيات الأكاديميّة في معناها الشّامل أي المنبني على التّمشّي الدّيمقراطي التّشاركي وما يقتضيه من شفافيّة ومحاسبة عمادهما الاستقلاليّة الفعليّة.

لقد أضعنا من الوقت الكثير... وليس لنا الوقت لمزيد إضاعة الوقت بسبب أوهام البعض أو عجز البعض الآخر أو نزعة التّريّث والدّرس والتّعمّق العقيم أو الجهل بالخصوص.

Aucun commentaire: