mercredi 10 octobre 2012

تهافت الخطاب



    ليست الأخطاء في تدبير شؤون المدينة بالجرائم النكراء.فباب التوبة والاعتراف موارب دائما ينتظر من يدفعه ولو دفعا خفيفا رفيقا.فخير الخطّائين ، في دنيا السياسة كما في الحياة اليومية،هم التوّابون.
   لكنّ أشنع الأخطاء لدى أهل السياسة ، علاوة على سوء التقدير، تهافت الخطاب إما لضعف انسجامه وإما لمخالفته للواقع.وفي الحالتين هو مؤذن بانفراط عِقد الثقة وخرق بنود العَقد مع الجمهور.
    ولهذا الخطاب المتهافت المهلهل طيف واسع من الحالات والمثالات يبدأ بالكذب الصريح والإخفاء والحجب ويمرّ عبر التبرير وتأكيد غير المؤكّد ومعسول الوعود وينتهي في أقاصي الإصرار على الأغاليط والتمادي في التزييف والتلبيس كأنهم لم يسمعوا بحكمة الأقدمين عن حبل الكذب حين يمتدّ في الزمان.
    فماذا نسمّي نطقَ من أعارت له وزارة تدبير أمن الناس لسانَها بمفردات تبرير الجريمة جاعلا من وضع مفترض إخلاله بالآداب العامة سببا في العبث بحرمة فتاة وتدميرها نفسيّا وإلى الأبد؟وما معنى أن يتكئ وزير حقوق الإنسان على استقلاليّة مفترضة للقضاء ليرفض التدخّل في سير تحقيق يقلب طاولة التهمة على الضحيّة المغتصبة؟
     وحين نصل الراهن بالمنقضي نرى وزير الداخليّة يزعم أن ما وقع في التاسع من أفريل المنقضي ،بعنفه المقيت المجاني وميليشياته المشبوهة الفاشيّة، قد دخل التاريخ ولا فائدة ترجى من التحقيق فيه.فهل نحن أمام حمار قضم " قرعة" أو أمام كلاب سائبة طهّرت مصالح البلديّة الشوارع منها؟
     والعجب أنّ رئاسة الجمهوريّة تتهم مناضلي حقوق الإنسان الذين فضحوا حالات للتعذيب بتشويه صورة تونس والإساءة إليها "عن وعي أو عن غير وعي" فكأنّ الخطاب في قصر قرطاج جاهز مهما تغيّر سكانه الذين كانوا، وما بالعهد من قدم، يتهمون أيضا بالتهمة نفسها:"الإساءة إلى صورة تونس في الخارج"
   والأعجب هذا الإصرار على أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح بفضل الأرقام والإحصاءات المدقّقة المفصّلة عن الاقتصاد ونسب النموّ والاستثمار والتشغيل وفرصه ...إلخ.والحقّ أن أهل العلم بالأرقام قلّة قليلة ولكنّ العارفين بحال الأسواق التي يرتادها الناس وتصريف المال في الواقع يلمسون الحقيقة على نحو أدقّ من معهد الإحصاء وأعمق من تحاليل الخبراء وأشباه الخبراء.
     كيف نفهم إصرار الوزير المسؤول عن الثروات الباطنيّة وعقود التنقيب عنها على أن الغاز الصخري غير مضرّ بالبيئة والحال أنّ لوحة المفاتيح تحملك إلى آلاف من المقالات والكتابات في الموضوع تلقي ظلالا من الشكّ على الأقلّ.
    ما معنى أن تصمّ آذاننا، منذ أشهر قليلة مضت، خطابات حماسيّة عن محاسبة الفاسدين والقتلة وتكريم الشهداء والجرحى ثمّ نجدهم ، اليوم ومنذ أيام ،يؤهّلون بعض الفاسدين ويوظّفونهم  ويعتدون على بعض المحتجّين من الجرحى ويتركون أهالي الشهداء يتسابقون في مارطون العدالة التي تتبختر في حلل الإجراءات والفصول القانونيّة والبحث الذي لا ينتهي عن حقيقة لا تأتي، عدالة تتبرّج أمامنا مزدانة مزهوّة بإنصاف الجلاّدين وحقهم في الدفاع العادل عن جرائمهم؟
3
   لقد جاؤوا إلى الناس رافعين رايات الطهارة البيضاء والنقاء وبيارق نظافة اليد زاعمين الصدق في القول قاصدين الإخلاص في العمل.ولكننا رأينا وسمعنا كيف أغرقتهم شهوة السلطة في تقاسم عسلها المسموم مع المقرّبين والأقربين ممّن أثبتت الأيام ضعف كفاءتهم عند الممارسة.. وفي الخطاب أيضا، وبالخصوص.
    نعم ، نعرف أن السياسيّ صانع للأمل ولكن حين يعد بالجنّة ينبغي ألاّ يكون الوعد كاذبا لأنّ فيه ، بمقتضى تعريفه ، التزاما أخلاقيّا بمضمونه. وليس نقيض الكذب الصدق كما قد يتوهّم فكم من الأكاذيب أنجع في الواقع من الحقائق ولكنّ نقيضه هو الثقة باعتبارها شرطا للتواصل والتخاطب.
     فليتذكروا أنّ الناس حين فقدوا الثقة في " صانع التغيير" انتفضوا ليخلعوا عليه لقب المخلوع.ولكن حين يفقدون اليوم وغدا، شيئا فشيئا، الثقة في الماسكين بزمام البلاد ما الذي سيقع بسبب خطاب متهافت مهلهل؟  

Aucun commentaire: