mardi 21 août 2012

أبناء الغضب على الجدران



1
لا نراهم ولكنّ آثار تصاميمهم البديعة او المبتذلة على الجدران تدلّ عليهم.
لا نعرفهم بيد أنّ رسومهم وأشكال حروفهم وتنوع ألوانهم دلائل منصوبة على أنهم واحد في المهجة والشهوة يتجسّد بأياد عديدة.
لا تملك وزارة الداخليّة كنّشا يسجّل أسماءهم غير أنهم ساخطون يكشفون بالشعارات المحرّضة عن هويتهم.
أبناء الغضب الذين اتخذوا من حيطان المدينة بالخصوص صفحات يسجلون عليها صرخاتهم واحتجاجهم على السائد والقائم ، غضبهم الجذريّ من العالم المشهديّ وبؤسه واغترابه القاتل.
لا ديدن لهم إلا ممارسة العنف الجمالي باحتلال الحيطان وإعادة امتلاكها وتعمير الفضاء العام بالأقوال الساخطة والأشعار والصور والأشكال والألوان.
2
قبل القصبة وخلالها وبعدها ، في ميدان التحرير زمن الدكتاتور وبعده ...وفي بقية القصبات وميادين التحرير حيث رفرفت فراشة الربيع العربي من أثينا إلى وول ستريت ، صنع الغاضبون فنّهم: فنّ الغرافيتي المناضل الملتزم الوحشيّ الرافض الصارخ الخارج عن رقابة شرطة الطريق وبوليس الفنّ الراقي.
وقبلهم، حيثما كانت ثورة أو كان احتجاج اجتماعي أو سياسي ، تنفلق المقالات والمواقف كالزفرة المكتومة ، تخرج كما كلمة السرّ في هيئة صور ورسوم وخطوط وكتابات على الجدران بسيطة فاضحة صريحة عميقة تتسربل بالشعر العفويّ الوحشيّ لتجسّد توحّد القول التحريضيّ  والفعل الثوريّ فتصل المنفصل من شعريّة الحياة وحياة الشعر المنبثق من شهوة الوجود وتوقّد الرغبات الإنسانيّة النقيّة.
ليست بطولات فنية لعباقرة الإبداع الذين اصطفتهم الآلهة وتوّجهم نقاد الفنّ وتجاره، بل هم أبطال مجهولون بلا اسم تحدّوا جدار الخوف من سلطة مبنية على الكذب والوهم.
هم حالمون بتغيير العالم لا يجدون الوقت للتأمّل الفكريّ بل يتأملون الحياة وهم يخوضون غمار فعل التغيير في صيرورته واشتغاله وتشكلّه.
 مات البطل الفرد وحيد عصره ، المتعالي عن شرط الإنسانيّة بزيفه و ريش الطاووس الذي يجلّله
عاش البطل الجماعي العادي المألوف المنغرس في إنسانيّته المجهولة بأصالتها وقيود الألم التي تكبله .  
بلا اسم ولا عنوان، أبطال خارجون من أعطاف أسطورة الواقع البسيط المدنّس بعيدا عن ثرثرة الملاحم الممجّدة للأفراد الموهوبين، يصوغون هوية الثورة باعتبارها لحظة التقاء الشعر بالحياة والتآلف مع الغرابة والدهشة والاحتمالات المبدعة.ومن أسلحتهم فنّ الغرافيتي.
3
أجمل ما في فن الغرافيتي الذي غزا ساحاتنا أثناء الثورة أنّه فن عابر ينبت كالفطر في الشوارع والساحات العامة على محامل غير متوقعة.
أجمل ما فيه أنّه فنّ يصنع ذاكرة الجماعة في لحظة التوتّر والحركة والارتجاج السياسيّ قبل أن تعمل  منظومة توزيع الفن التشكيليّ وتجارته واستهلاكه وإنتاجه وتقبّله ونقده على احتوائه لتدرجه في الدورة الاقتصاديّة والثقافيّة والجماليّة.
أجمل ما في الغرافيتي أنه  يحيلنا مباشرة إلى  فن الخط العربيّ، وهو من ذاكرتنا الإبداعيّة التشكيليّة التي لم تستطع الخروج من بوتقة قواعدها التأسيسيّة منذ ابن مقلة.
ويأتي الغرافيتي ليضع فن الخط العربيّ أمام أزمته: متى يتبرّك الخطّاطون بإنسانيّة البسيط اليوميّ والبشريّ المدنّس بدل التبرّك بروحانيّة موروثة لم يصنعوها؟ متى يصنعون قداسة فن الخط العربيّ من داخل احتمالاته الجماليّة ؟ متى يجدون الحبل السريّ الذي يربطه بالحياة الزائلة ليصنع خلوده بدل الاكتفاء بالخالد ليبرّر وجوده؟

Aucun commentaire: