lundi 20 août 2012

حوار مع صحيفة الوسط البحرينيّة

http://www.alwasatnews.com/3619/news/read/692343/1.html



الباحث التونسي المبخوت: لا بد من ربيع للغة

المنامة - حبيب حيدر
«من الأوهام أن نعتقد أن العرب القدماء كانوا يتكلمون الفصحى التي ندرسها اليوم بل هم كانوا يتكلمون لهجات،... والعربية الصافية هي التي تتفاعل مع مقتضيات التحديث، واللغات لا تتقدم إلا إذا أحسنّا تعليمها، ولن نحسن تعليمها إلا إذا طورنا البحث فيها، وما لم نخلق علاقة متينة بين العربية والتكنولوجيا فإن مستقبل العربية مهدد فعلاً».
هذا ما صرح به أستاذ الدراسات اللغوية ورئيس جامعة منوبة التونسية الباحث الأكاديمي شكري المبخوت حين استوقفته للتداول حول مجموعة من الهموم اللغوية والثقافية في هذه اللحظة الراهنة، وبطبيعة الحال كان الربيع العربي بصخبه حاضراً حتى على مستوى الهموم اللغوية وإن لم يتسنَّ الحديث له إلا بما يخص المقام واختصاص المتحدث، حيث كان اللقاء على هامش المؤتمر الخامس والعشرين لوزارة التربية والتعليم بعنون « اللغات مفتاح التعلم» إذ قدم المبخوت ورقة بحثية تحدث فيها عن الكفاية اللغوية التواصلية ومفهومها على المستوى المدرسي والاجتماعي وأهمية الإنتقال من مستوى الكفاية القواعدية إلى مستوى الكفاءة التواصلية التي تهتم بالإتقان في الممارسة والتطبيق.
خلال مؤتمر «اللغات مفتاح التعلم» أكدتم على الكفاية التواصلية ودورها في المقام المدرسي، ما أهم الأطر التي من خلالها تتعزز الكفاية التواصلية على المستوى الاجتماعي؟
- المفاهيم الأساسية التي حاولت ترسيخها في مداخلتي بالمؤتمر هي أن الكفاية التواصلية أن يتمكن المتعلم ضمن عمل مستمر، وطيلة سنوات أن يصبح قادراً على التكيّف في المجتمع بالتخاطب بلغة عربية تمكنه من أداء الأغراض، ومن التعامل مع الوضعيات المختلفة التي يجد نفسه فيها، وأن يتقمص دورها الاجتماعي والثقافي واللغوي على الوجه المطلوب، لأنها الغاية القصوى، من دون الدخول في تفاصيل تقنية ومفاهيم مدققة تهم أهل الاختصاص، القصد الأساسي هو أن تكون إنساناً مواطنا قادراً على أن يتفاوض داخل المجتمع وأن يتحاور وأن يقنع ويقتنع وأن يجد الحلول للمشكلات اليومية، وهذه الحلول تمر عبر اللغة أساساً، هذه هي الغاية القصوى للكفاية التواصلية التي تساهم بها المدرسة في تكوين الإنسان المتوازن داخل المجتمع.
ما مستقبل اللغة العربية في ظل التعدد اللهجي واللغوي في البيئة العربية، سواء على مستوى الفرد أو الجماعات اللغوية. وخصوصاً وأنتم تشتغلون على هذه المساحات؟
- مشكلة اللغة العربية أن هناك أخطاراً حقيقية محدقة بها، لكن علينا أن نتعامل بكثير من الواقعية والحزم في الآن نفسه، نقصد بالواقعية أنه لا يمكن نكران العلاقة المتينة بين اللهجات أوالتعدد اللهجي واللغة العربية الفصحى، فمن الأوهام أن نعتقد أن العرب القدماء كانوا يتكلمون العربية الفصحى التي ندرسها اليوم، بل هم كانوا يتكلمون لهجات، وما نجده في العالم العربي اليوم هو ظاهرة طبيعية جداًّ، لأن كل لغة فصيحة إنما تمثل المشترك لمجموعة من اللهجات بما في ذلك الإنجليزية، وهذا ما ننساه دائماً، إذن علينا أن نتعامل بواقعية مع هذا الجانب، وهو اللهجة التي تستعمل في الحياة العامة والدارجة التي تستعمل في الخطاب المكتوب أو عند المشافهة في مواضيع مشتركة عامة؛ كالمواضيع السياسية أو الاجتماعية وغير ذلك في وسائل الإعلام مثلاً وبالتالي هناك حلول بيداغوجية تربوية، لهذه العلاقة الواقعية بين اللهجات والفصحى.
بالنسبة إلى المسألة التربوية؛ كيف يمكن للمربي انطلاقاً من الرصيد اللغوي الذي يأتي به المتعلم إلى المدرسة، وهو رصيد لغوي من اللهجة المحلية كيف يمكنه أن يرتقي به وأن يلائمه مع العربية الفصحى إلى أن يصل إلى معايير الفصحى، بالنسبة إلى التعدد اللغوي واللغات الأجنبية، في تقديرنا لا يمكن للغة العربية أن تتطور وحدها، وإنما ينبغي تدعيم وتدريس اللغات الأجنبية لأننا في حاجة لتلقيح العربية بالترجمة من خلال دخول أصوات أخرى للغة العربية، لأنه لا توجد عربية مطلقة، وإنما العربية التي نبحث عنها هي عربية حديثة مؤدية للأغراض الحديثة وخصوصاً في مجتمع يشهد تطوراً تكنولوجياًّ كبيراً، فعلينا أن نتخلى عن نزعة المحافظة على عربية نتوهم أنها صافية لأن العربية الصافية الحقيقية هي التي تتفاعل مع قضايا عصرها وتتفاعل مع مقتضيات التحديث في المجتمعات.
وكيف ننتقل في المقام المدرسي من مستوى الكفاية إلى مستوى الكفاءة التواصلية الوظيفية، والتي يستطيع من خلالها المتعلم نقل هذه التعلمية من المقرر أوالكتاب المدرسي إلى واقع الحياة؟
- المدرسة تكوّن الطلاب لكي يتحصلوا على وعي إضافي يرقى بالوعي الاجتماعي، وإذا كانت المدرسة انعاكاساً لواقع المجتمع؛ فلا خير فيها، وإنما مهمتها في سياقنا العربي أن تكون قاطرة للتجديد ولبناء فكر جديد نقدي متحرر يجعل الطالب قائماً بذاته مستقلاً ويمكنه أن يثري مجتمعه بالأفكار الجديدة، لأن التعلم ليس أن تأخذ لغة فقط، وأن تعيدها في المجتمع لكي يسمع المجتمع لغته، وإنما التعلم هو إنتاج أيضاً والقدرة على إنتاج معرفة جديدة، وإثراء المجتمع بخبرات جديدة والمساهمة في إيجاد الحلول، ودور المجتمع دور خطير جداًّ؛ لأنه دور تنموي في العمق لتنمية المجتمع، ولا ننسى أن المدرسة مفهوم حديث باعتبارها مؤسسة، والتحديث في العالم العربي يعيش مشاكل وعلى رأسها مشكلة المدرسة التي لم تستطع إلى الآن أن تجد المنافذ التي تجعلها قاطرة لتجديد الأفكار ولتجديد الذهنيات والمجتمع في حد ذاته.
كيف تجد إنجازات البحث اللغوي على المستوى العربي مع رهانات الحداثة والعلوم الإنسانية وما تبشر به؟
- أنت تفتح جرحاً غائراً وتصب الملح عليه، لأن الدراسات اللغوية في العالم العربي في وضع يدعو إلى الرثاء، وضع يدل على أننا ندعي حب لغتنا وأمتنا لكننا لم نفهم كيف نجعل هذا الحب مترجماً إلى فعل واقعي علمي يدوم، أقول هذا إجمالاً لأننا مازلنا نكرر ما يقوله النحاة بطريقة لا ترقى إلى عبقرية النحاة العرب، مازلنا منغلقين على التطور العلمي في اللغة وفي اللسانيات والبحوث اللغوية في العالم كله، مازلنا منغلقين على ذلك، أشبه الأمر بمن يكتفي بالتراث العلمي العربي في البصريات أو في الكيمياء والحال أن هذه العلوم تطورت كثيراً، ولأن لغتنا من أعمدة هويتنا فكأنها مقدسة لا تمس والحال أنها لغة لن تزيد هويتنا ترسيخاً إلا إذا طورنا البحث فيها وجعلناها في مستوى عالمي راقٍ من حيث دراستها ووصفها، فنحن نحترم النحاة العرب بل نعتز بأننا ننتمي إلى حضارة أنتجت مثل هؤلاء الذين كانوا مستجيبين لعصرهم، ومن العار علينا أن نظل عالة عليهم، والحال أن العالم يتقدم بقوة وبخطى حثيثة في الدراسات اللغوية، أنا أعبر عن شيء من الحزن إزاء هذا الوضع على رغم المحاولات في بعض البلدان العربية، أخص تونس والمغرب، ولكن ما زال المطلوب كثيراً جداًّ لغياب مؤسسات علمية ومراكز بحث لها تمويلات كافية لكي تجدد النظر في لغتنا العربية ولكي تطوّر فهمنا ومعرفتنا باللغة العربية.
ألا تعتقد أننا نتواصل باللغة يومياًّ ونشتغل بها عملياًّ لكننا لا نشغلِّها بشكل منجز متواصل مع أدوات البحث العلمي الحديث؟
- لولا جهود بعض الأفراد والمبدعين لكانت العربية لغة محنطة عاجزة عن العصرنة، واللغات لا تتقدم إلا إذا أحسنّا تعليمها، ولن نحسن تعليمها إلا إذا طورنا البحث فيها، وهذا هو الإشكال، نعم هي تتطور بصفة تلقائية بفضل جهود بعض الأفراد ولكن نريد أن نطورها في مدارسنا في جامعاتنا ولن تتطور إلا بتطوير البحث العلمي.
كيف السبيل الآن لتخليص درس العربية من هواجس شكليات الضبط والنحو والإعراب إلى مستوى الكفاية التواصلية والحالة الوظيفة بشكل عملي؟
- ليس من المطلوب في الكفاية التواصلية، تدريس القواعد وهو أمر ضروري، فالإشكال لا يعود إلى القواعد في حد ذاتها؛ ففي جميع المدارس تدرس هذه القواعد، ولكن ما هو الحد الضروري والكافي لهذه القواعد وفي أي سياق وبأي تصور وبأية منهجية في التدريس، فلا يكفي اليوم أن يتعلم طلبتنا ابن عقيل بل هو مضر لأن الحفظ لا يعني إتقان اللغة، فأن نعرف الفاعل والمفعول والجار والمجرور والنعت والمنعوت لا يعني أننا نتقن اللغة، فهذه معرفة نظرية، كمن تدرسه أن الحاسوب فيه لوحة مفاتيح، وفيه شاشة، وهو لا يمسك الحاسوب ولا يستعمله، كذلك حفظ القواعد دون معرفة كيفية ترسيخها بالاستعمال، وبأنشطة وتدريبات مفيدة عملية ترهق الطالب ولا تفيده وترفع كفاءته التواصلية.
ننزل إلى واقع اللحظة الراهنة؛ كيف تجد اللغة العربية اليوم وواقعها التداولي واشتغالها حديثاً في ظل اللحظة الرهنة المشغولة بحراك الربيع العربي؟
- ينبغي هنا أن نبحث عن ربيع للغة، قبل كل شيء، فاللغة العربية حسب المناطق الكبرى تعيش مجموعة من المشاكل المختلفة، إذا أخذنا مثلاً الخليج العربي وبشكل انطباعي حين نتجول في بلدان الخليج في جلها على الأقل لا نجد للغة العربية الحضور الذي ينبغي أن توجد به في هذه المجتمعات، فبحكم ربما وجود تعدد عرقي أو تعدد لأجناس مختلفة؛ فاللغة التي تستعمل أكثر بالنسبة إلى السائح هي اللغة الإنجليزية، وهذا أمر غير طبيعي ينبغي الانكباب على معالجته، لابد هنا من سياسات لغوية واضحة ومن إرادة واضحة لجعل العربية؛ أقصد الفصحى أو الدارجة، جعلها بالفعل آلة رسمية ووطنية، وهناك عدة حلول لذلك ليس هذا مقامها، وإذا أخذنا المغرب العربي فله خصوصية أخرى؛ فهناك التعددية اللغوية بشكل مختلف، في تونس هناك ثنائية بين العربية والفرنسية عموماً، وعكس ما يراه بعض التونسيين؛ فإن العربية مسيطرة في المجال الاجتماعي والإعلامي مع بعض السيطرة في مجال الانتقال من العربية إلى الفرنسية، عموماً وضعية العربية ليست كما يتوهم؛ بل هي وضعية حسنة. إذا أخذنا الجزائر؛ الوضعية تقريباً شبيهة بتونس ولكن فيها مشاكل أخرى؛ لأن هناك اللغة الأمازيغية، إذن هناك تعددية لغوية فعلية حادة نوعاً ما في المغرب، ولابد من دراسات مدققة حتى نعرف وضعية العربية في كل بلد عربي، وهذا من مهام المؤسسات القومية المشتركة، لتقوم بدورها لكي توجد ربيعاً للغة العربية وضمن حراك الربيع العربي.
ومن الأشياء المفيدة واللافتة للانتباه مثلاً في تونس عديد الفرانكفونيين في مستوى المدونات حين فهموا أن المجتمع منتم إلى ثقافته منتم إلى هويته العربية انتقلوا من الكتابة بالفرنسية إلى الكتابة بالعربية وهذا الاعتزاز باللغة الذي هو جزء من الاعتزاز بالانتماء الوطني وهو جزء من الاعتزاز بالهوية.
ما نصيب اللغة العربية من الحراك التواصلي الالكتروني... في ظل تسارح تكنولوجي خلق عوالم افتراضية، أصبحت تغير كثيراً في الواقع المعيشي، بل تزيل سلطة وتضع سلطة أخرى، وأصبح النص الإلكتروني الافتراضي يصنع عالماً آخر يغير في الواقع بينما أيديولوجيات كثيرة ورؤى أصبحت غير نافعة للتغيير وأصبحت تلاحق هذا العالم الافتراضي... وتحاول أن تستغل هذا الواقع لتقول بقايا رسالتها بعد أن قال هذا الواقع الافتراضي رسالته ونصه وصنع عالمه الذي يريده؟
- علاقة اللغة العربية بالعالم الافتراضي عملية معقدة تؤكد وتثبت أن حضور العربية في الفضاء الرقمي حضور ضعيف جداًّ، ولكن المفارقة أن هذا الحضور الضعيف ما انفكت مؤشراته تتطور بنسب كبيرة بطبيعة الحال في وعي البلدان العربية، وهذه المفارقة أن تكون اللغة العربية وهي اللغة السادسة عالمياًّ، أن تكون حاضرة في الانترنت في الشبكة في الفضاء الرقمي، لكن الإشكال ليس هنا، نود أن تكون العربية حاضرة بنسب أكبر، ونوعية الحضور هو السؤال لتعلم أنه ما لم نخلق العلاقة المتينة بين العربية والتكنولوجيا؛ فإن مستقبل العربية مهدد فعلاً، لأننا نتحدث عن مجتمع المعرفة واقتصاد الذكاء اللامادي في نهاية الأمر، ومجتمع المعرفة يقوم على تحالف ثلاثة أشياء أولاً وأساساً وأستطيع أن أقول بنسبة خمسين في المئة اللغة، وثانياً الأداة التكنولوجية، وثالثاً رأس المال وتوظيفه في الصناعات التي تعتمد على اللغة سواء في معالجة اللغة آلياًّ أو في حل المشكلات اللغوية، في التحليل الآلي للخطابات، أو في صناعة المضامين الرقمية، وخاصة في مجال الترفيه والثقافة، وهو قطاع مخصب ومنتج للثروة ذات القيمة المضافة، كل قطاع البلدان العربية في جلها لا توظف ولا تستثمر المال فيه على رغم أنه سيمكن اللغة العربية من أن تتطور وسيخلق الثروة لأنه مثمر ومربح، ولكن ما يعطل هذا غياب الرؤية الاستراتيجية ويعطلها بعض المحافظة، فمثلاً الخط العربي على المستوى الرقمي غير مقيّس إلى الآن، لأنه ليست فيه المقاييس والمواصفات التي تخضع للرقمنة، بسبب تصور محافظ للخط العربي، وقس عليه بقية المشاكل الموجودة، من هنا أعتقد أنّنا العرب نضيِّع فرصاً كبيرةً للنهوض بلغتنا واستثمارها واستغلالها وتوظيفها في خلق الثروة وتشغيل الشباب العاطل، وتكوين النخب المتميزة ذات التكوين العلمي الرفيع، فالقضية ليست قضية حمية دينية أو قومية أو وطنية بل اقتصادية، أعتقد أننا نضيع الكثير من الوقت والفرص في تكوين أهم شيء وهو رأس المال البشري الذي يبقى وسيتطور وسينمو ويزكو بعد أن ينفذ النفط وغيره من الثروات، هذه هي عموما الوضعية، ولا أريد أن أجعل الأمور سوداء.
ما هي الرسالة التي استطاع المؤتمر من وجهة نظرك أن يحققها بعد ما قدمته من مداخلات، وما تلقيته من ملاحظات المعلمين والمشتغلين في المجال التربوي، كيف تجد رسالة المؤتمر؟
- رسالة المؤتمر بسيطة؛ وهي أن تعلّم اللغات في هذا العصر هو المدخل إلى التحديث المنشود وتطوير مجتمعاتنا، فلا يمكن أن توجد مجتمعا يمكن أن يتطور من دون تعليم متطور ومن دون معرفة وانفتاح على اللغات، هذا أمر ثابت، لكن علينا ألا نتوهم أن المؤتمر هو المرحلة الحاسمة التي ستحل هذه المشاكل وإنما هو محطة للتنبيه إلى ما ينبغي أن يكون وبداية التفكير فيما سيكون وكيف يمكن أن نجعله وهو ما يحتاج بطبيعة الحال إلى تعهد وتقييم مستمر.


صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3619 - السبت 04 أغسطس 2012م الموافق 16 رمضان 1433هـ 

Aucun commentaire: