lundi 13 août 2012

إمرأة بورقيبة


  

في ذكرى  13 أوت 1956

1
      أصبح المشهد النادر معروفا: الزعيم الحبيب بورقيبة ينزع على الملإ حجاب بعض النسوة وهن يبتسمن في حرج غير خاف. تبدو هذه الصورة المتداولة في الشبكات الاجتماعيّة شديدة البلاغة مفتوحة ،في ذلك الزمن ،بداية الاستقلال ، والآن أيضا ،على فتنة الحرّيّة وغوايتها.
   لم تكن الحركة التي أتاها "ّالمجاهد الأكبر" ناتجة عن ديناميكية اجتماعيّة ومدنيّة جعلت حرية المرأة مطلبا شعبيا عاجلا و لمــّا تمرّ على الاستقلال إلا بضعة أشهر.و لكنّها بما تضمنته من تجاوز للوقائع معبّرة عن حنوّ على المرأة وانتصار لقضاياها، دالّة ، في الان نفسه، على شوق عارم لتغيير البناء الاجتماعي.
  لقد كانت مسألة رمزيّة في مواجهة القراءة النصية الجامدة الموروثة.فالثابت أن رجال الدين التونسيين الذين تبنّوا الفكرة لم يجعلوا منها موضوعا للجدل النظري والفقهي المجدّد لأصول النظر في الواقع المتحوّل بل ربما كانوا يتبنون الموقف الذي ساد بقوة السلطة السياسية في ذلك الظرف الاستثنائي وفي غمرة الاحتفال بالكرامة الوطنية المستعادة تبنّـيّا محتشما نظرا إلى ضعف الحجج الدينيّة البورقيبية مقارنة بالحجج الفقهية المسنودة بممارسة امتدت قرونا فتجذّرت عميقا في النصوص والنفوس.
2
       لم تكن مجلّة الأحوال الشخصيّة إلا محاولة نجحت وأخفت وراءها محاولات أخرى مخفقة وإن كان  أفقها المساواة التامةّ بين الرجال والنساء.
    لقد استطاع الزعيم في ما يبدو الاستفادة من نفس شروط الاستبداد في الحضارة العربية الإسلامية ليصنع سياقا تاريخيا حديثا فعلا.فالحاكم المسلم المستبدّ يتكئ على الدين ويستغلّ جيش الفقهاء المستعدّين لتبرير كلّ شيء.  
      بسبب من غياب مثل هذا الإصلاح الدينيّ والفلسفيّ لم نعجب حين رأينا في نصف قرن من حياة مجلّة الأحوال الشخصيّة محاولات التيارات الدينيّة بتونس في بعض الفترات سواء مع ظهور حركة الاتجاه الإسلامي منتصف السبعينات وفي بداية الثمانينات وبعد  السابع من نوفمبر1987  و لسنا نعجب أيضا بعد الثورة من سعي بعض التيارات الإسلاميّة إلى مراجعة هذه المجلّة باسم الشريعة للعودة ولو رمزيّا إلى تعدد الزوجات والتخلّي عن التبنّي.
     واليوم في المجلس التأسيسيّ،بعد أكثر من نصف قرن، تعود الأطراف ذات المرجعيّة الدينيّة إلى الممانعة في تعريف حقوق المرأة بصفتها مواطنة وكيانا إنسانيّا قائما بذاته.و البديل عندها يرتكز على لعب بالألفاظ وبلاغة رثّة خطيرة تستبدل الحقّ في المواطنة بتعريف نسبيّ أساسه التكامل داخل الأسرة التي أصبحت ، وهذا اخطر، تعرّف على أنّها خليّة طبيعيّة.والغريب ان بعض النسوة يصوّتن ضدّ مصلحتهنّ وضدّ تيار التاريخ الجارف.فهل من اغتراب أشدّ اغترابا من هذا؟
      المشكلة هنا مرّة اخرى ثقافيّة بامتياز.
3
     لئن كمن ذكاء بورقيبة وجرأته في فرض دخول الإنسان التونسيّ المسلم في مدار الحداثة فإنّ ما تفعله الدول الإسلاميّة اليوم في مجال حقوق النساء إنما هو مزيد إهدار الوقت لمواجهة تغيير آت لا ريب فيه في حين أنّ بورقيبة ربح بضربة واحدة نصف قرن من الانتظار على الأقل.
       نعم، انتصر بورقيبة منذ نصف قرن في هذه المعركة الأساسيّة وباعتماد ذاك الأسلوب.ولكن الحاضر الإسلامي الحالي والراهن التونسيّ في هذه الفترة التأسيسيّة يتطلّبان استراتيجيّة أخرى تقوم على عكس التكتيك البورقيبي:الانطلاق من كونيّة المعايير الدوليّة وجوهر الحداثة ثم إعمال النظر في مرجعيتنا الثقافية الخصوصيّة اعتمادا على أنّ جوهر الإسلام تحرّر مطلق.
4
كلّ عام ونساؤنا التونسيّات الرائعات يرمزن إلى الحرّية لهنّ وللرجال وللمغتربات والمغتربين عن معايير العصر وعن روح التحرّر في القرآن العظيم.

2 commentaires:

محمّد الحاج سالم a dit…

"المغتربين والمغتربات عن روح التحرّر في القرآن العظيم"... قد يكون هذا لبّ الموضوع، ولعلّ هذه الإيماءة المحتشمة للشيخ عبد العزيز الثعالبي تفسّر تلك الإرادة الواعية في تضخيم دور بورقيبة على حساب رجال سبقوه في اعتناق روح التحرّر تلك، كما تنمّ عن رغبة غير واعية في تغييب دور "شيوخ" لأنّهم "شيوخ" وكفى... أقول هذا للتأكيد على أنّ الانطلاق في رأيي لا يكون من الخارج باعتماد كونيّة المعايير الدوليّة إذ سيكون ذلك إسقاطاً متعسّفاً لمفاهيم حداثة غير متجذّرة في ثقافتنا على واقع لم ينتجها، بقدر ما يكون محليّاً نابعاً من إرادة التحرّر تلك التي أومأ إليها المقال دون أن يُفصح، فهي في رأيي مظهر حداثتنا... مع كلّ الودّ لأستاذنا شكري على ومضاته النيّرة

chokri a dit…

سي محمد
بالفعل الإيماءة واضحة على قدر وضوح التصريح.فزمن الثعالبي والحدّاد قد ولى ورغم ذلك مازال الحدّاد متجاوزا للشيوخ وأشباه الشيوخ الذين نراهم اليوم.
والواقع أننا لم نعد في زمن يحتمل الد
اخل مقابل الخارج فالخارج والغرب والمعايير الدولية أصبحت داخلنا شئنا ام أبينا في الاقتصاد والمجتمع كما ف يالفكر والتصوّرات لوندري.
وما يهمني هو ان تاريخ الإنسانيّة اليوم ذو مسار واضح ويزعم بعضنا ان لنا دورا فيه مهما ولكنهم مازالوا يعانون عقدة القهر مما هو كوني بقدر ما يعانون العجز الفكري وتقعد بهم الجرأة والشعبويّة عن إنجاز المهام الأساسيّة التي تخرج بنا من وضع المهانة الحضاريّة والفكريّة. هل قرأت الحوار مع السيد أحمد المستيري في المغرب ؟ سيرى من لا يريد ان ينصاع لوقائع التاريخ الثابتة جرأة بورقيبة واعتداله أيضا في مقاربة هذه المسألة على الأقلّ.
شكرا على المرور.