samedi 4 avril 2015

رواية “الطلياني” لشكري المبخوت .. الإدانة والحب والتطرف والاغتصاب




 بديعة زيدان
 الأيّام (رام الله)، بتاريخ 31 / 03 /2015

«الطلياني»، هي الرواية الأولى للتونسي د. شكري المبخوت، والتي تنافس على الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) من بين ست روايات ترشحت للقائمة القصيرة، حيث تتناول بعمق عبر شخصيتي «الطلياني» (عبد الناصر) أولاً، ومن ثم معشوقته وزوجته السرية لاحقاً «زينة»، وكلاهما طالبان جامعيان، إضافة إلى شخصيات أخرى تبدو كـ»كومبارس» في غالب الأحيان، وإن كان وجودها محورياً، وليس من باب الترف.
وتدور احداث الرواية في فترة زمنية محددة من التاريخ التونسي الحديث، بلغة سردية رشيقة سلسلة قريبة من الكثيرين، حيث تناول بالتحديد أواخر حكم برقيبة وأوائل حكم الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.
وتدور غالبية أحداث الرواية في الحرم الجامعي، ليغوص عميقاً في عوالم الطلاب وتنظيماتهم السياسية، فالطلياني شيوعي (يساري متطرف)،  بينما زينة المستقلة إلى حد كبير كانت تنتقد التطرف بكل أنواعه، و»الحركات الفاشية ذات المشروع الديني الاستبدادي واليسار أيضاً»، وكأن الرواية رسالة ضد التطرف، وخاصة من قبل النقيضين الإسلامي واليساري، فـ»لكل جهله المقدس وأصوله الكاذبة»، على حد تعبير «زينة».
وتبدأ الرواية بمشهد عنف غير مبرر من «الطليانى»، ضد الشيخ علال، الذي تحول إلى شيخ بعد وفاة والد زوجة الشيخ الشهير، يوم جنازة والده الحاج محمود، ليفتح المبخوت سؤالاً يبقى يرافق القارئ حتى الصفحات الأخيرة من الرواية، ومفاده: لماذا فعل عبد الناصر (الطلياني) ذلك، في تقنية سردية تقوم على مبدأ إشراك القارئ من خلال الاحتمالات المتعددة للإجابة على السؤال الذي يشغل المسار الذي يتبعه القارئ حتى النهاية أو ما قبيلها.
ورغم كون هذه الرواية عملا بكراً، إلا أنه عكس طاقات سردية كامنة لدى المبخوت، الأكاديمي والناقد بالأساس، وقدرته على إدارة الرواية بشكل جيد.
والطلياني هي كنية لبطل الرواية عبد الناصر, وقد كنّي كذلك لجمال وسم به .. ربما تكون أمه زينب «توحّمت على إحدى الشخصيات في قناة الراي أونو الايطالية»، ومن خلاله يفتح المبخوت أبواب الرواية على مصراعيها ليدخلنا الى عوالم، المنحدر من عائلة ارستقراطية، تقطن احدى ضواحي العاصمة.
حكاية الرواية
يختار الطلياني الدراسة بكلية الحقوق، ويبدأ يشتهر بجرأته وفصاحته وبكونه يسارياً متطرفاً، حتى يترأس إحدى قوائم الحزب الشيوعي التونسي، ثمّ يتعرف على زينة الطالبة في كلية الآداب قسم فلسفة وهي فتاة جميلة وما يميزها أنها شخصيتها قوية، وصراحتها التي تصل درجة الحدية، فهي تنتقد الجميع بلا هوادة، لدرجة أنه طلب من الطلياني تصفيتها بسبب مواقفها المزعجة للحزب الشيوعي، وإن كانت انتقادها الحادة طالت الإسلاميين أيضاً، إلا أن هذه الشخصية النفاذة للقلوب أوقعت الطلياني في حبها، فرفض تصفيتها، بل بات يسعى لحمايتها على أكثر من صعيد.
وما ميز زينة انتقادها المشروع الديني الاستبدادي واليسار ايضا بمركزيته المفرطة، واعتماده على قوالب جاهزة وفق تحليلات لينين وماوتسي تونغ حول الواقعين الروسي والصيني واسقاطهما على الواقع التونسي.
تدخل الرواية منعطفاً جديدا بارتباط عبد الناصر بزينة سراً، وتتوالى الاحداث إذ تدخل زينة معترك الحياة للتدريس فيقتل طموحها الدراسي كل حماستها السابقة لحياتها الزوجية وعلاقتها بالطلياني ورحلتها معه، رغم الشعور الداخلي الغريب لكل منهما تجاه الآخر، والذي ظل يرافقهما إلى فترة طويلة، ويجمعهما سوياً تحت سقف واحد، فيما يتخرج عبد الناصر من كلية الحقوق مع تزامن تصدع علاقته بزينة، وهو ما يؤدي إلى تحوّل في شخصيته عندما يدخل عالم الصحافة.
وهنا يفتح شكري المبخوت ملف الصحافة القذر في أواخر عهد بورقيبة: الحصار الرقابي، والتملق، والتسلط السياسي حيث يجد الطلياني نفسه، ودون قرار، ينجر في هذا التيار، خاصة أنه يتحول مع الوقت ليكون الصحافي الأهم في الجريدة الناطقة باسم الحكومة، في وقت تزداد فيها الهوة بينه وبين زوجته، ما دفعه لعلاقات عاطفية وجنسية متعددة، بينها واحدة مع أعز صديقات زينة، حيث يتنقل من جسد إلى جسد في رمزية لانتقاله من فكر إلى آخر مع رحيل بورقيبة، واستلام بن علي زمام الأمور.
بعد طلاق عبد الناصر من زينة، يدخل الطلياني رغم نجاحه في عمله كمراسل لجريدة اجنبية مرحلة من العبثية والتفسخ الاخلاقي، سبقها تعرض زينة لتحرش جنسي من استاذها الجامعي المشرف على بحث تخرجها الذي من أجله أهملت حياتها الزوجية، لتتحول من قوائم الشرف إلى قوائم الراسبين، بعد أن رفضت تحرش أستاذها بها، بل وضربته بعد ترسيبها، ما جعل إدارة الجامعة تحولها إلى التحقيق، فطلبت الطلاق، وهجرت البلد، لترتبط بأكاديمي أجنبي في الخارج، عمره ضعف عمرها.
يتواطأ عبد الناصر، بشكل أو بآخر مع المستجدات الجديدة، ويعيش التناقض بين مبادئه التي كان يعتنقها والحياة الجديدة التي يعيشها «لأنني اعتدت ان اعيش منذ صغري على ان تكون لي حياة مزدوجة».
ويتعرف «الطلياني» على ريم في مرحلة ما بعد طلاقه من زينة، وبعد جنينة وانجيلكا وبعد نجلاء صديقة زينة قبل الطلاق، يصل المبخوت الى الحدث الذي يرجعنا للسؤال الاول: لماذا ضرب عبد الناصر الشيخ علالة، ليكشف أن الطلياني، وحين كان في سن الثانية عشرة، قامت زوجة الشيخ، وعلى إثر خلاف كبير مع زوجها الذي كان يعمل عند والدها الثري، بهجره والعيش في منزل والد ووالدة عبد الناصر، صديق والدها وجاره .. ومع الوقت بدأت تداعب الطلياني الطفل آنذاك حتى تطورت الأمور إلى علاقة جنسية كاملة لأكثر من ثلاثة إلى أربعة أعوام، كان لا يزال فيها عبد الناصر طفلاً، علماً بأن شقيق الطلياني الأكبر صلاح الدين هو من كان فض بكارة زوجة علالة قبل زواجها من الشيخ المفترض.
والصاعق أن الشيخ علالة حاول اغتصاب الطلياني في أكثر من مرة، لعله يخرج من عقدة «الإمام العاجز جنسياً»، وكان حينها في سن السادسة، فجاءت العلاقة الجنسية بين الطلياني وزوجة علالة، ومن ثم ضربه، كنوع من الانتقام له الكثير من دلالاته الرمزية في سياق الرواية التي تعالج حقبة ضبابية في التاريخ التونسي الحديث.
الفصل الأخير
في الفصل الأخير من الرواية، تطفو ذاكرة الطلياني الطفل الموشومة بمحاولات الاغتصاب على السطح، فيخرج السرّ الذي كان يعتمل في لا شعوره بصيغة عمل عنيف غير مبرر، ظل تساؤلاً يرافق قارئ الرواية حتى أسطرها ما قبل الأخير، إضافة إلى ما كان يعتمل في داخله من خلال حكاية عشيقته زينة، ذات الأصول الريفية، المغتصبة هي أيضاً، دون أن تعلم هوية مغتصبها، وإن كانت تشك في أنه قد يكون والدها أو شقيقها.
هكذا يتحوّل فعل الاغتصاب في الرواية إلى بؤرة دلالية لا تشمل الذوات، وإنّما تطال الفكر والموقف والسياسة: سياسة انكشفت ألاعيبها لعبد الناصر الصحافي في إحدى الجرائد الناطقة بالفرنسية من خلال ما يدور داخل دوائر قراصنة الاعلام والمال والسياسة التابعين لسلطة الحاكم من تحالفات بغيضة وصراعات دفينة، آلت إلى الانقلاب على نظام بورقيبة والتبشير بالعهد الجديد، من خلال بيان واهم يلوّح بالتغيير.
الرواية ما بين الذات والتاريخ
وتتأرجح الرواية ما بين السيرة، وإن لم تكن شخصية ربما، وما بين التاريخ أو محاولات استنطاقه، من خلال ضمير المتكلم الذي يخاطب القارئ عبر شخص الراوي، الصديق المشترك ما بين الطلياني وزينة، التي كان الراوي يعشقها ويتمناها له، ولكنه لم يكن يمتلك الجرأة ليبادر تجاهها بما يعبر عن مشاعره، أو ما يختلج في دواخله، في حين كان الراوي يلعب دور سارد حكايات الشخصيات وحيواتها، وكأنه يتكلم بألسنتها، لكن دون أن يسكنها، لذا نراه يتحدث عنها لا بلسانه، بل بلسان شخصيات أخرى.
قالوا في الطلياني
وقال د. خالد الغريبي، الأستاذ بكلية الآداب بصفاقس: رواية الطلياني، هي منّا إلينا، سواء أكنّا شهودا على أحداثها، ممثّلين أو كومبارس، أم مجرّد قرّاء لا صلة لنا بها إلا بالتخييل… لعلّ الرواية بمتنها وحاشيتها تنزع عنّا ورقة التوت وتدفئنا ببيانها الآسر وألاعيبها الساحرة.
وأضاف: رواية الطلياني تحرّرك من واقعك لتكون في أسر ذاكرتك. وعلى قدر صدقها في تعرية النفوس والكشف عن هشاشتها يكون فعل التطهير من صناعة الأوهام. ومتى تطّهرنا من أوهامنا نكون الأقدر على تحقيق أحلامنا.. تلك هي الرسالة المشفّرة التي ترسلها إلينا الرواية من خلال التشكيلات السردية التي تنسجها: أمكنة وأزمنة وشخصيات وأحداث مصنوعة من عجينة اللغة، ومكوّنات القصّ، ووقائع التاريخ.
أما د. خالد الحروب، الكاتب والأكاديمي الفلسطيني، فقال: لا هو من قبيل الخفة في التعبير ولا السخرية في القول، الزعم بأن تشابه الهموم العربية مشرقا ومغربا يُعد وجها من العناصر المشتركة التي تؤكد عوامل وحدة العرب، مثاليا ونظريا على الأقل. واستنساخ التعامل مع تلك الهموم من الجار العربي جزء من تلك العناصر أيضا. لماذا، تأملاً، تعاقبت ثورات الربيع العربي من بلد عربي لآخر، ولم تنتقل الى بلدان الجوار غير العربي: إلى النيجر وتشاد، أو تركيا وإيران، او إثيوبيا وأرتريا، على سبيل العدوى مثلاً؟ على كل حال ليس هذا حديث هذه السطور، لكنه بعض مما تثيره قراءة الكاتب والمثقف التونسي القدير شكري المبخوت في روايته الممتعة «الطلياني».
بدوره أشار الكاتب والباحث والإعلامي التونسي عبد الدائم السلامي، إلى أن «الطلياني» رواية إدانة: إدانة السلطة وأعوانها، وإدانة الأيديولوجيا ودعاتها، وإدانة القيم الاجتماعية وحرّاسها من المثقّفين والعامّة، وهي أيضاً رواية حلم وحبّ: حبّ «الطلياني» لـ «زينة»، وحبّ «زينة» للحريّة، وحبّ الراوي لمرويّاته. تفعل الرواية كلّ ذلك بجُرأةٍ كبيرة حاشدةً عُدّتَها التخييلية وعَتادَها اللغويّ لكشفِ كلّ مفردات الواقع التونسيّ وتتبُّع تفاصيلها المادية والنفسية.. وهو ما يجوز معه القول إن «الطلياني» مغامرة في تسريد تاريخ تونس من آخر زمن بورقيبة إلى عهد بن علي تسريداً محكوماً برؤيةِ مثقّفٍ عايش تلك الفترة وخَبِرَ ويلاتها وتأزُّمَ مصائر الناس فيها».

من الجدير بالذكر أن رواية «الطلياني» لشكري المبخوت، رئيس جامعة «منوبة» التونسية، فازت، بجائزة «الإبداع الأدبي» لمعرض تونس الدولي للكتاب، الذي ينتظم ما بين 27 آذار الجاري و5 نيسان المقبل، حسبما أعلن عن ذلك المنظمون، أول من أمس، في ندوة صحافية بالعاصمة التونسية.

Aucun commentaire: