mardi 24 mars 2015

"الطلياني" لشكري المبخوت: جملة آمنة نحو خاتمة محسوبة

"الطلياني"لشكري المبخوت..
جملة آمنة نحو خاتمة محسوبة



جريدة السفير بتاريخ 2015-03-14 
رواية «الطلياني» (دار التنوير)، المرشحة ضمن القائمة القصيرة للبوكر (2015)، باكورة التونسيّ «شكري المبخوت» سيرةٌ من وجهين:
الوجه الاول عرضٌ لحقبة مفصليّة من تاريخ تونس الحديث خلال الحقبة البورقيبية ومن ثمّ بدايات السياق المأساوي الذي سارت به البلاد إثر انقلاب «بن علي» الذي حوَّل الدولة إلى جهاز بوليسيّ. على سبيل المثال، يردف الراوي على لسان أحد شخوصه «لهذه البلاد قابلية للفتح والاخضاع. ركّبها القرطاجيون والوندال والرومان والفاتحون والشيعة والخوارج وبنو هلال والاتراك والاسبان والفرنسيون. توجعت قليلا ولكنها كانت تحتضنهم بصدر رحب. ورغم قشور المحافظة والتدين ظلت تمارس عهرها ولا تطلب إلا الستر. لقد فهم «بن علي» هذا واستوعب الدرس جيدا ولن يتركها إلا بالدم.. ص273».
أمّا الوجه الثاني فهو سيرة الشخصيتين الرئيسيتين في الرواية إذ تربطهما علاقة حبّ وزواج فاشلة. «زينة» أستاذة الفلسفة اللامعة الآتية من الريف وعبد الناصر «الطلياني» بملامحه، والصحافي خريجُ كلّية الحقوق ذو الاصول البلديّة البرجوازية.
على أن الوجهين يحيلان بالضرورة على حال واحدة. الحال الذي نتجت من مآلات التجربة البورقيبية التحديثيّة لناحية الوصول بالبلاد الى انسداد في الأفق السياسي قبيل انقلاب «بن علي» وهي، في صورتها الضمنية، الحال ذاتها إذ أفضت بالعلاقة الحميمة بين «زينة» و «عبد الناصر» إلى الطلاق.
يشرّح السرد بدقة من خلال مسارات العلاقة المضطربة بين زينة وعبد الناصر جوانب مركزيّة من أوضاع تونس آنذاك لا سيما التشكلات السياسية والحزبية والطالبية ومناهج الرقابة والقمع التي وأدت إمكانيات الابداع، الصحافية على وجه التحديد، وأخلت البلاد لدوائر التفاهة والفساد «باح عالم الصحافة والثقافة لعبدالناصر بأسراره كلها. أصبح يراه مارستانا كبيرا دمر نزلاءه بالاكاذيب والاوهام والخمرة والكبت... زال الفارق الكيفي بين حملة الاقلام والفكر وحملة الخناجر وباعة الخردة خلسة ص272» .
وإلى ذلك فإن السرد في رواية المبخوت الأكاديميّ، الباحث والناقد في مجال الادب واللغة، يتّكئ في الاساس على تأويل سلوكيّات تينك الشخصيّتين المأزومتين والغارفتين ذاتيّا بإشكاليّتيهما. إنّها محاولة للبحث عن ملاذات نفسية آمنة تسمح باجتياز مطب ذاكرة بيتيّة طفولية قاسية عند الاثنين. إنه السرد الذي بقدر ما يرتكز على تشريح وتوصيف الاطارات الخارجيّة من حول الشخوص فإنّه يحيل مرارا وتكرارا على الدواخل إذ أراد لها الكاتب أن تبدو حتى في اللحظات الاكثر قربا في العلاقة كتلتين تستعصيان على رسم مربع آمن ومستدام للعلاقة.
يتداخل راوي القصّة، صديق «عبد الناصر» في سياق السرد مرات قليلة. وهو إلى وجوده في السياق السرديّ يبدو محايدا ويعطي الانطباع بكونه خارج السرد نهائيّا حتى ليمكن الاستغناء عنه.
في الخلاصة، نحن أمام سردٌ كلاسيكيّ سهل منبسط، لا يدع للقارئ مجالا لتكوين مناخات ذهنية يحفّزها الشغف من خارج البناءات الجدليّة المعروضة جيّدا في هذا النصّ لناحية الرؤية التفصيليّة إلى تونس. إنه النصّ الاكاديمي الجيد الذي يبتغي حمل القارئ بالجملة الآمنة إلى الخاتمة.



Aucun commentaire: