mercredi 3 avril 2013

غنائم التاريخ





1
يعامل السياسيّون عندنا تاريخ البلاد المعاصر،وقائع ورموزا،معاملة غنائم حربٍ لم يخوضوها في الإبّان.يملؤهم ، باسم العدل والإنصاف والحقيقة، حقد دفين كالسمّ الزعاف يدسّونه في طعام الذاكرة على مائدة الوطن وفي وليمة الزمن.
ينسفون الرموز المستقرّة ويصطنعون رموزا أخرى مستلهمين فكرة البدايات من أرض محروقة واضعين دولة الاستقلال بين قوسين لأنهم لا يرون فيها علما ونشيدا ومشروعا يطابق أضغاث أحلامهم.
يريدون إعادة كتابة القصّة وتغيير مكوّنات السرد ، يأخذون الصفحة البيضاء ، يشطبون الفقرات والجمل ، يغيّرون أسماء الأبطال الأساسيين والثانويّين ولكنّهم لا يصنعون قصّة ملهمة أبلغ وأكثر تناسقا.
يضعون الأحداث على سرير بروكست : يقطّعون أطرافا من الأرجل ،يقطعون الرأس إن لزم الأمر ،يمدّدون إصبعا من الرجل اليمنى أو اليسرى ، على هواهم،ليوافق امتداد السرير الذي يتوهّمون.
يصنعون من الفراغات وهوامش حركة التحرّر الوطني ومهمّشيها وضحاياها الذين لفظتهم آلة التاريخ الماكر المعاصر ،فيستحضرون بدائل لا تستبدل شيئا.
يعملون ، عن وعي، على إسكات تعدّد الأصوات في جوقة التحرير الوطنيّ مثلما فعل من سبقهم ليفرضوا ، أو هكذا شبّه لهم، نشيدهم الحماسيّ الخافت دون أن يتساءلوا:ثمّ ماذا؟

2

طبعا، نتفهّم أن يكتب المنتصرون ، هنا عندنا أو هناك عندهم، التاريخ وسرديّتهم من خلاله ليأخذوا نصيبهم من حفل الرموز البهيج.ولكنّهم ، عندنا الآن، ينسون أنهم منتصرون وقتيّون.
طبعا، يقُدُّ الحاقدون والناقمون من عجينة التاريخ كعكتهم بعسل مرّ يدعون الجميع لأن يأكلوا منها في مأدبتهم البائسة التي تسمّى إعادة كتابة التاريخ وتصحيحه.بيد أنّ أكثر الناس يرفضون حضور المأدبة الفقيرة المسمومة.
يتّخذ سياسيّونا ، الآن وهنا ، كلٌّ على مقتضى معايير نحلته وقوالب ملّته،مجالا لصراعهم من أجل شرعيّة تُستمدّ من الذاكرة غير أنّها ، لسوء حظّهم، لا تباع في سوق الأفئدة والقلوب والمخيال الجماعيّ.
والمفارقة القاتلة أنّ سيل الرابع عشر من جانفي حملهم ، دون سابق تدبير ، لما سيأتي عساهم يملؤون أرضنا عدلا فعجزوا لأنّهم لم يغادروا قوقعة الماضي إذ سعوا ،كالمراهقين الطالعين من كتب فرويد ،إلى قتل الأب الزعيم للاستفراد بالأم الوطن.
3
نتفهّم أنّ ما انقضى يُكتب بأسئلة الراهن وأنّ الماضي يُصنع ، الآن ، تأليفا للمتفرّق وتأويلا للبياض واستكشافا للدلالات واستنباطا للرموز.
نتفهّم هذا كلّه ولكنّ انقلاب السياسيّين ،بأوهامهم وأكاذيبهم،  ودكاكينهم الحزبيّة ،بمصالحها الضيّقة وقصر نظرها، إلى معالجين لقضايا الذاكرة لأمر مفضٍ كما أفضى عند غيرنا إلى تهشيم الذاكرة الموحِّدة وإلى تحريفيّة مقيتة وتآويل سقيمة لن تجد إلاّ الرفض والنفور ولن تؤدّي إلاّ إلى مزيد تقسيم التونسيّين المنقسمين أصلا.
لتتلهّوا بألعابكم الناريّة التي ستحرق أصابعكم ما دمتم لا تثقون في أهل العلم بالتاريخ ، فلسِفوا الوقائع بمرايا إيديولوجيّاتكم المحدّبة والمقعّرة ولكن لا تنسوا أنّ من مضى زرع البيدر فكان ما كان .فاتركوا الموتى لأمجادهم وحقاراتهم وتساءلوا سؤالا خيرا و أبقى لكم ولنا:لقد زرعوا فأكلنا ولكن ماذا نحن زارعون في بيدر الوطن؟   

Aucun commentaire: