mercredi 20 mars 2013

ثلاثيّة الاستبداد



1-
يبدو أنّنا أفقنا على مكبوت اجتماعيّ أعمق وأخطر ممّا نتصوّر. فقد أخرجت إلينا شياطينُ الاستبداد ، برؤوسها الثّلاثة ، ألسنتَها هازئةً مخيفةً : لسانٌ ناطقٌ برموزِ الإيمان والاعتقاد المذهبي والطّائفي المتعصّب الذي يدّعي احتكار الحقّ الحقيقة ويغلق الأبواب أمام المخالفين. ولسان ثانٍ ناطق باسم من همّشتهم ، عبر التّاريخ ، تنميةٌ غير متوازنة فطفِقُوا من الدّواخل والبوادي يستعيدون منطق النّسب والقرابة والعصبيّة رافعين شعار "أنا وأخي على ابن عمّي وأنا وابن عمّي على الغريب". ولسان ثالثٌ يلهج بتقسيم الكعكعة وغزو مصادر الثّروة والتّحكّم في حنفيّة المال الحلال أو الفاسد أو الوافد.
ثلاثيّة العقيدة التي تؤطّر الفرد والجماعة والقبيلة التي تحدّد العلاقات بين النّاس والغنيمة التي ترسّخ اقدام الموالين وتشتري ذمم المعارضين.
ثلاثيّة قديمة صاغت ، حسب المرحوم محمد عابد الجابري ، مفردات الاستبداد وتحكّمت في تكوين مخيال المجتمعات العربيّة الإسلاميّة وواقعها على أساس التّداخل بين بنية الدّولة وبنية الاقتصاد.

2-
خِلْنَا الاتّفاقَ حاصلاً على أنّ الدّيمقراطيّة الحديثة ، باعتبارها التّنظيم المتاح تاريخيًّا للمجتمعات ، أفقٌ للبشريّة جمعاء.
ذهب في أوهامنا أنّ التّمييز بين المجتمع السّياسي والمجتمع المدني ، مؤسّساتٍ دستوريّةً وأحزابًا ونقاباتٍ وجمعيّات ، من أمارات تفكيك البنية القبليّة وصِيَغٌ للتّنظيم المدنيّ والاجتماعي يتجاوز منطق العشيرة والقبليّة.
اعتقدنا ، ولو تمنِّيًا وتفاؤلاً ، أنّ المجال فُتِحَ لتعدّد الآراء والتّصوّرات على نحوٍ يقبل الاختلاف وينبني على التّسامح بالضّرورة بديلاً عن التّفكير المغلق عقائديًّا وحزبيًّا.
توهّمنا أنّ سيطرةَ رأس المال وفتحَ السّوق فَرَضَا اقتصادًا قِوامُه مراكمة الثّروة والعمل المنتج في عصر اقتصاد الذّكاء والمعرفة.
فاكتشفنا أوهامَنا عن أوهامِنا ورأينا بأمّ العين زيفَ صورتنا عن أنفسنا. فنحن لم نغادر ، حتى بالشّرعيّة الانتخابيّة عتبات القبيلة والغنيمة والعقيدة.

3-
استفقنا فإذا بالفيلسوف الذي اطّلع على الجهاز من الدّاخل ينبّهنا إلى "تحوّل الحكم إلى توزيع مغانم في الحكومة وأجهزتها والإدارات وتوزيعها على الأقرباء والأصحاب والأحباب" بما أنّ أهل الحلّ والعقد ، وإن كانوا وقتيّين رغم حديث الشّرعيّة المصمّ للآذان ، "لم يكن من أولويّاتهم إلاّ تأييدُ بقائهم وأهليهم في الحكم" بتحزيب الإدارة واحتكار جهاز الدّولة والتّخلّي عن "مبدإ المساواة بين  المواطنين في شغل الوظائف" ، كما كتب الأستاذ أبو يعرب المرزوقي.
استفقنا فإذا ببعض من ينتمي إلى النّحل الفكريّة والسّياسيّة يتحدّث عن ضرورة نَقْلِ السّلطة، بغنائمها الممكنة ، إلى القبائل والبوادي والدّواخل وانتزاعها من أيادي محتكريها في الحواضر والسّواحل ليكون للهامش موقعُه في المجال السّياسي الرّسمي والمركزي. وأوّل الغيث قطر. فرئيسان من رؤسائنا الثّلاثة من الجنوب.
هكذا بشرعيّة مدنيّة انتخابيّة ديمقراطيّة ، تضاف إليها بعض توابل الشّرعيّة النّضاليّة والسّجنيّة ، نتأكّد أنّنا لم نغادر منطق القبيلة والغنيمة والعقيدة ، أي المنطق الذي نسجت به بردة الاستبداد الذي فرض علينا لِباسُهُ منذ قرون.
اِنفجر المكبوتُ التّاريخيّ. فمتى تُقْطَع لشياطين الاستبداد رؤوسها الثّلاثة ؟

1 commentaire:

زينب a dit…

أوافقك في كل كلمة كتبتَ إلا تسميتك رجلا قبل اللعب مع المستبدين بالدين بأنه فيلسوف. ليس بالفيلسوف من خبأ وجهه وراء المطلق، وقبل بالدلالة الدينية ولم يقدر على مواجهة الوجود والعدم.