mercredi 3 avril 2013

الخطاطيف والبوم



1
سألني المذيع التلفزيونيّ العراقي عن المشروع الثقافي العربيّ وسبل النهوض بثقافتنا لتتبوّأ مكانة مميّزة في المشهد الثقافي الكونيّ.كان ذلك في بغداد بمناسبة استهلال أنشطتها عاصمةً للثقافة العربيّة هذه السنة وسط إجراءات أمنيّة مشدّدة تشهد، هنا في بغداد  كما في غيرها من عواصم العرب وإن بدرجات متفاوتة ، على جرح غائر لا أحد يعرف كيف سيندمل.
كنت حاملا معي ، بحكم جنسيّتي على الأقل،بعض أمارات خطاطيف الربيع العربيّ الذي انقلب شيئا فشيئا إلى خريف متقلّب تسكنه رياح السموم القادمة من الصحراء وتعشّش فيه خفافيش الظلام وتحلّق في سمائه غربان تنثر السواد حيثما طارت أو حلّت.
  كان السؤال ،حين نربط العواصف العربيّة ووعودها بعاصمة اصْطُفيت بسبب مجدها القديم وإسهامها الحديث للتكريم،سؤالا قلقا عن الآتي أو هو كان  ،في أفضل الأحوال، سؤالا حالما محمّلا بالأمل.ولكن من أين لي أن أبذر الآمال والأحلام وما يحيط بنا ، هنا وهناك، لا ينمّي إلاّ مزيدا من اليأس والكوابيس ؟
2
ماذا لو تبيّن لنا أنّنا لا نملك ما نقدّمه للبشريّة المعاصرة ولأنفسنا من جديد القيم والمعاني وبديع الأفكار والرؤى ومخصب التصوّرات والمقترحات؟ ما الذي سنقترح على البشريّة : قيم الطوائف والقبائل والعشائر؟ أم أصول الحدود المهينة للكرامة البشريّة ؟أم دونيّة المرأة؟ أم الاستبداد باسم الواحد الأحد ؟أم فنون العنف والإرهاب؟ فللبشريّة بعض من هذا عبرت ، بالأمس ، عن سخطها عليه ثمّ عملت وما تزال تعمل ، اليوم، على القضاء عليه؟
ألم نر إلى أنفسنا نقدّم رجلا في دروب التفاعل مع الفكر الكونيّ الحيّ المؤثّر ونؤخّر أخرى مغلولة إلى وهم خصوصيّة لا نحبّ أن نراها إلاّ في ماض منقضٍ ومجد أثيل لم يعد من الممكن البناء عليه؟
ألسنا متسمّرين في مهبّ الثقافات المبدعة بأشجارها الخضراء الباسقة متشبّثين بنخلتنا المتيبّسة وأعجازها المنقعرة ذاهلين عن تيّارات الروح والمعنى التي تنفخ في الإنسانيّة ريحَ حياةٍ قويّة متجدّدة نردّها على أهلها محتجّين بأنّنا وجدنا آباءنا على هذا وما نحن بمغادرين أطلالا تلوح كباقي وشمٍ  لا ألق فيه ولا حسن.
مازلنا نضع موضع الشكّ والرفض ما تمخّض عنه صراع الإنسانيّة لإعادة تعريف ذاتها وما زال منّا من يحذر بغباء أصيل متأصّل مدنيّة الدولة والمساواة بين الرجال والنساء ، تمام المساواة، والحرّيّات الفرديّة والجماعيّة وجميع البديهيّات المقرّرة في المتون الحديثة التي حوت حقوق الآدميّين أفرادا وشعوبا.مازال منّا من يبحث بحث شحيح ضاع في الترب خاتمه عن مدى مناسبة تلك الحقوق للسائد من معتقداتنا والموروث من تصوّراتنا للإنسان والكون والخالق.
3
أيّ مشروع ثقافيّ عربيّ ممكن إذا لم نأخذ كتاب الثقافة البشريّة بقوّة ونجلس ممّن سبقنا إلى حضارة اليوم ، فنونا وإبداعا وتقنيات وعلوما، مجلس المتعلّم؟كيف لنا أن نسأل عن مشروع ثقافيّ ونحن لم نتخلّ بعد عن أوهام مركزيّتنا وجرح نرجسيّتنا البائسة وتمثّلنا غير المطابق لحيواتنا ومآلتنا؟ متى أمكن لأمّة أن تصنع ثقافة مبدعة تدعو إلى مائدتها الباذخة الشهيّة الآخرين وهي ما تزال تخشى ركوب المخاطر وترهب السبل البكر وترغب عن المغامرة؟
لقد حملت خطاطيف الربيع العربيّ وعدا بربيع مدنيّ مواطنيّ نصوغ فيه وبه رؤية جديدة ممكنة لمنزلتنا في الكون ومكانتنا في منظومة القيم المعبّرة عن رحيق الأفكار التي اعتملت منذ قرون.ولكن من البيّن أنّ "الواحد منّا ، كما قال مظفّر النواب بحزن الشاعر وسخطه الجذريّ، يحمل في الداخل ضدّه" جهلا وعنادا ومكابرة؟
ولهذا الضدّ أسماء بذيئة كريهة عديدة هي التي جعلت ثقافتنا العربيّة تخبط خبط عشواء لم تغادر بعد كتب الفرْق بين الفرق وصحائف الملل والنحل وأكذوبة الفرقة الناجية التي لن تنجو أبدا مادامت لم تأخذ بأسباب التعدّد والاختلاف والتسامح.
ألم تقل الحكمة إنّ الخطاف لا يصنع الربيع وإنّ البوم لو كان في صيده خير لما خلّفه الصيّادون وراءهم؟        

1 commentaire:

zeineb a dit…

هويتنا كرحم الأم: مانكون لو لم يكن، وما نكون إذا لم ننقطع عنه. والولادة ألم وعذاب. وبعضنا يظن أن البقاء داخل رحم الهوية الدافئ حيث المعاني الجاهزة المطمئنة يمكن أن يكون حياة وما ذلك إلا موت لكن من الناس من لا يدركون؟؟
نعم إن داخل الواحد فينا ضده، أو ربما هما قاببل وهابيل، أو الرب والشيطان، من المؤكد أن الأساطير أصدق إنباء.