mardi 6 novembre 2012

التدافع في الدستور




1
كان أسلافنا من علماء العرب يقولون: " لا مشاحّة في الاصطلاح".والأرجح أنهم يقصدون أن وضوح المفاهيم يغني عن المهاترات في أمر الألفاظ والتسميات.
ومادام الشيء بالشيء يذكر فقد عادت إلى سطح الذاكرة هذه العبارة ونحن نقرأ ونسمع النقود الموجّهة إلى مسودة الدستور وتوطئته.
وقد ثبت في العلم بالخطابات ، عند أسلافنا وأهل عصرنا على السواء،أن معاني الألفاظ تستنبط من أكوان النصوص لا مما يُضمر في النفوس وأن أنماط القول تكيّف الدلالة. وثبت كذلك في دراسة لغة المفاهيم وبناء الأقاويل العلميّة أنّ التواطؤ على المصطلحات وما تفيده من ثابت المعاني لممّا ييسّر التخاطب بها والاستدلال عليها.وإلاّ انقلب الكلام مغالطات منطقيّة وتلاعبا بقواعد التفكير وأخلاقيّات المناظرة وأصول الفهم والإفهام.
وهذا كلّه بيّن في ما يدور من سجال حول الدستور.فالنصّ المطلوب عائد لا محالة إلى تقليد خطابيّ وسنّة علميّة وصنف الأقاويل التي سمّيت قانونيّة.
ولكلّ علم أهله، ولأهله مصطلحاتهم، وللمصطلحات ، عرفا وتواطؤا،دلالات يعرفها المختصّون  ومجموع العلماء.ولن يستقيم لنا الدستور المطلوب بغير احترام نمط القول وسننه لفظا ومعنى.
2
لقد تجشّم رجال القانون ونساؤه عناء التنبيه على ما في المسودّة من خرق لقواعد الصياغة ومن مبهم المصطلحات وغريب المفاهيم وحوشيّ التعابير التي دسّت دسّا في أعطافه.وهي لا تعود إلى جهل بأصول القول القانونيّ وإعرابه وأساليب إجرائه وقوانين كتابته فحسب.بل تعود كذلك إلى منهج الابتداء من الورقة البيضاء خارج السنن والتقاليد كأنّ الأمر إبداع حرّ  لا اتباع فيه.فعابوا مسودّة الدستور بأنها من قبيل الإنشاء الأدبي. وهو اتهام حزّ في نفوس بعض رجال الأدب.ولكنّنا لا نخال أهل القانون قد قصدوا ما فُهم من ظاهر لفظهم بل هم على الأرجح  قد نبهوا على  فارق أساسيّ بين الأدب بما يتيحه من حرّيّة في تصريف الكلام والنّصوص القانونيّة وما تستلزمه من صرامة في التعبير ودقّة في أداء المفاهيم وإجراء المصطلحات.
3
للكلمات ذاكرتها وللمعاني في مظانّها وسياقاتها تاريخ ولهما معا سطوة على الأذهان ما دامت  النصوص ، ومنها الدساتير، تؤوّل بمعارف القارئ الموسوعيّة على تنوّعها وتداخلها لا بأصول دلالاتها المعجميّة.
خذ لك تمثيلا عبارة التدافع في توطئة الدستور.فهي عبارة تحمل أصداء من دلالتها القرآنيّة ونثارا من تأويلات من استعادها من معجمها وسياقها الأصليّين.
يقول صاحب التحرير والتنوير مفسّرا الاية الكريمة "ولولا دفعُ الله الناسَ بعضُهم ببعض ٍ لفسدت الأرضُ"( البقرة ،251) أصل الدفع "الضرب باليد للإقصاء عن المرام" وهو " ذبّ عن مصلحة الدافع".
بيد أن الحديث في الآية عن الدفع وهو غير التدافع الذي يفيد معنى المشاركة والتفاعل في التوطئة رغم أنّ الآية في بعض القراءات على معنى " دفاع الله الناس".والدفاع هنا مبالغة في الدفع وليس للمفاعلة والمشاركة.
ولئن كان الدفع قانونا شاملا للموجودات والكائنات جميعا فهو يرتبط بالصلاح وحبّ الخير لأنّ " طبع النفوس الشرّيرة ألاّ تراعي مضرّة غيرها بخلاف النفوس الصالحة" على حدّ تعبير سماحة الأستاذ الإمام ابن عاشور الذي استخلص ما يلي:"ولولا دفاع الناس بأن يدافع صالحهم المفسدين لأسرع ذلك في فساد حالهم".ويضرب  الشيخ العلاّمة ابن عاشورمثال الحرب التي قد تكون من الأشرار فسادا ومن الأخيار دفاعا عن الحقّ.
وبصرف النظر عن الانزلاق من الدفع إلى التدافع فما الضامن لألاّ يُستعاد هذا المفهوم القرآنيّ دون ما يصاحبه من صلاح هو أقرب إلى المثل العليا منه إلى حفظ الحقوق؟وما الصالح إذا لم يُصَغْ  على مقتضى العَقد الاجتماعيّ المواطنيّ الذي يترجم إلى إجراءات تضمن العيش المشترك؟وما الفائدة التي ترجى من مفهوم رجراج غائم غامض من خارج المتن الحقوقيّ ولا منزلة له في الأصول البانية للخطابات القانونيّة؟ أفلا تكون التكلفة مع الغموض الاصطلاحيّ مرتفعة في دستور للحريّة والكرامة؟
حينها قد نفيق يوما ، على افتراض حسن النوايا ونبل المقاصد، على جهنّم من التأويلات والفهم المختلّ ونحن نقصد الحجّ إلى جنّة الحقوق والحرّيّات؟
 حقّا لا مشاحّة في الاصطلاح بين أهل العلم الواحد ولكن حين يختلط حابل التشقيق القانونيّ بنابل الإنشاء الأدبيّ تصبح المشاحّة في المصطلح فرضَ عينٍ على من لا يريد لعِقدنا ان ينفرط ولعَقْدنا أن ينقض.


2 commentaires:

Lotfi Aïssa a dit…


كشعرة في الحساء ...ou comme un cheveux dans la soupe!

chokri a dit…

أرجو ألاّ يصبح حساء من شعرات متساقطة من رأس كثّ أو من رأس أصلع