mercredi 6 mars 2013

اللّجنة المركزيّة ونظائرها




1
ليس الاستبداد نتيجة بل هو مسار.
يبدأ كل شيء برغبة جامحة في استنشاق الهواء النقيّ الذي صادروه، بتطلّعٍ إلى أفق واسع يرتسم من أجل حياة كريمة.يبدأ بالتخلّص من تبلّد الحواسّ وثقل العادة.إحساس بالرعشة الأولى ، تتبدّل الطعوم وتُولد موسيقى جديدة ويتغيّر الإدراك.
يجوس الناس في رحلة غير معهودة بحثا عن أقوم المسالك إلى مملكة الحريّة فيتوهون قليلا ويضيعون.
ولأمر ما يسلّمون القياد لتقنيّي السياسة وبيروقراطيّي الأحزاب الذين يعدونهم ،كالعادة، بجنّات عدن فلا يجدون، كالعادة أيضا،  إلاّ الجحيم.
جمع من المتحرّقين للسلطة والهيمنة والجاه والمال والتملّك يسوّقون رغباتهم الدفينة بلغة لا ماء فيها مستمدّة من قاموس " المصلحة الوطنيّة" و " خدمة الآخرين" و " الإرادة الشعبيّة" و " الديمقراطيّة الناشئة".لغة مكرّرة بليدة.
يعود الناس إلى تفاصيل حياتهم الثقيلة.ثمّ يتوزّعون على القبائل التي يوالونها: قبائل من صنف جديد يقوم على صلات من الأوهام والأكاذيب والكوابيس والمصالح الشخصيّة والماليّة.
يسلّم الناس طوعيّا أحلامهم إلى المختصّين في بيع الرياح إلى المراكب ، إلى أولئك المستثمرين في سوق السياسة يخطّطون ويتكتكون ويقامرون فاتحين باستمرار أبواب المزايدات والمناقصات بحثا عن نصيب من الكعكعة بالمخاتلة او المناورة أو الموافقة الكاذبة أو بالاتفاق الواهم ...على تغليب المصلحة العليا للبلاد.
2
بدأ المسار منذ أمد وكان العمل جادّا حثيثا لاستجلاب المنافع وإطعام الأفواه الجائعة: مقرّب هنا ، قريب أو صديق هناك.وآثار الأيادي الخفية لا تخفَى، تُحرّك الدمى لأنها تعرف ما لا يعرفون وتتركهم يهرفون بالقليل الذي يعرفون.
وهنا تحديدا تصادر اللّجنة المركزيّة للحزب الإرادة وتختزل الأصوات جميعا.ولها أسماء غير حسنى مختلفة في اللّفظ متفقة في المعنى والوظيفة كأن تسمّيها هيئة عليا أو مجلس شورى أو سكرتاريّة الحزب.
من أعطاهم  حقّ التكلّم باسم الشعب الكريم الذي تورّط في منحهم طوعيّا شرعيّة لم تغادر الصناديق لتتجسّد في الواقع.
يتكلّمون باسم الوطن والثورة حتّى وإن فضحت الأيام والكلمات عيّهم وجهلهم بأصول الخطابة الجديدة وقوانين البلاغة الحديثة وحتّى قواعد النحو والصّرف.
وللجان المركزيّة ،هنا وهناك ،عندنا وعند غيرنا، تاريخٌ أسودُ في احتكار الحقيقة وفرض الدكتاتوريّات.
عصابات من الثقات المخلصين لأحزابهم قبل أوطانهم ولزعيمهم الفذّ قبل شعبهم.
ثلّة من الأصفياء الأنقياء تحرص على وضع اليد على الدولة ومحاصرة الخصوم في جحورهم.
عقل جماعيّ تدرّب على المناورة وتحييد جبهة المخالفين واشتراء الذمم وصياغة التحالفات وقلب الطاولة في الدقيقة التسعين لتسجيل الهدف القاتل.
قد يحتاجون إلى سفيه يتكلّم ليكذّبه العاقل.فهذا من مقتضيات الحال في بعض المقامات. ومن هذه المقامات ، تمثيلا لا حصرا، إشعال النيران لتلهية الناس وإرسال بعض وحدات الإطفاء ليشتّتوا الاهتمام ويضاعفوا الحيرة ثم يخرجون علينا بخطّة شاملة توافقيّة للوقاية من الحرائق التي أشعلوها.يبثّون الخوف يرفعون سقف الرعب ثم يطلعون ، كالبدر في الليلة الظلماء، بالحلول السحريّة التي تكون قد فقدت سحرها وبريقها.
3
قد تفلت كرة السياسة من أقدام الفريق المسمّى اللجنة المركزيّة ونظائرها فتكثر عثراتهم وهم يلهثون لاسترجاع ما فقدوا، قد يتعبون ويصاب العقل الجماعي للحزب ممثلا في لجنته المركزيّة بالنسيان أو الاختلال ، عندها يتدخّل المرجع الذي لا مرجع بعده والحجّة الدامغة القاطعة ليعيد تنظيم الصفوف ويفرض الانضباط على اللاعبين حتّى ينقذهم من الضلال الحزبيّ والتيه في ملعب السياسة والعياذ باللّه.
ولكن يوما مّا ،بعد كثير من المآسي والرعب والترهيب والدماء سيكتشف الناس أنّ اللجنة المركزيّة الجديدة التي وعدتهم بالجنّة لم تكن إلاّ نسخة مطابقة للأصل أو مشوّهة ،لا فرق، من النسخة الأصليّة التي اقتلعوها اقتلاعا ذات شوقٍ إلى الحرّيّة عارمٍ.
تعود تلك الرغبة الغريزيّة في استنشاق الهواء النقيّ وكنس الأوراق الذابلة المتساقطة من شجرة الحياة الخضراء أبدا.فحبل التسلّط والزعامات الحاقدة المفلسة كحبل الكذب قصير ، قصير بحساب التاريخ وتوقيت الوعي : الوعي بالحرّيّة.  

1 commentaire:

bacchus a dit…

الصِلات والصلاة ليس جناسا عند الجماعة إذ يعبدون المقدس (الصِلات أولى ب... كما الصلاة عندهم كلها - تخديم مخ-) كما الجناس والجنسية والجنس ليس جناسا لمن يمنحهم فتوى نكاح أكثر من (أمة لأنها ترضى بذلك. )
واسمح لي هنا أن أعبّر بالعامية لأني أجدها أبلغ (عريت عليهم الستر سي شكري) شكرا على تحليلك الوجيه ونزاهتك خاصة
نص يخاطب القوم (بلغتهم)