mardi 18 décembre 2012

نكبة نخبتنا



1
كانت العرب تقول إذا تكلّم أحدهم بلا تفكير ولا رويّة : "ألقى الكلام على عواهنه". وتطبيقًا للمثل العربيّ قال صاحب المتن ، وقد استعار لسان السّلاطين، "نكبتنا في نخبتنا لأنّهم كَيْتَ وكيتَ ولأنّهم كذا وكذا ...". ولك أن تملأ الفراغ بما شئت ما دام السّجع على لسان صاحب المتن موقّعا رائقا ، صادما صارما، مفتوحا على احتمالات شتّى.
لسنا نريد أن ندافع عن النّخبة التّونسيّة المنكوبة بعيّ الخطباء وقلّة فصاحتهم. ولكنّنا نودّ لفت الأنباه إلى بعض المفارقات الطّريفة.
فقد أعجبني ، والحقّ يقال ،أن يخرج صاحب المتن نفسه من النّخبة لينتصب في موقع أعلى يستمدّه من منطق الدّولة لا من ديناميكيّة المجتمع. فقد كان ،بالأمس القريب، بعضًا من هذه النّخبة ونكبتها ينازع الدّولة ويشكّك في شرعيّتها المهترئة وها هو اليوم ينفصل عنها ، إذ غيّر الموقع، مُؤْذِنًا بإحداث لا نظير له في التّاريخ إلاّ قليلا : فقد اعتدنا أن تنقد النخبةُ السّلطةَ وتسلّط الضّوء على نزعتها الفطريّة للتّسلّط وتهاجمها دفاعًا عن المجتمع وتعلّقا بجمهوريّة أفلاطون وتمسّكا بمطلق الحرّية ولكنّنا  وصلنا إلى عهدٍ جديدٍ غريبٍ أضحت فيه النخبةُ نفسها مدعاة لتهجّم أصحاب السلطة  وتبرّمهم منها. وهذا ، لو تأمّلنا ، من نكّد الدّهر على الأحرار كما يقولون.
2
وكادت العرب أن تقول، قياسا على حديث نبويّ شريف ، "إذا لم تستحِ فَقُلْ ما شئت" ولا فرق عند تدبير شؤون المدينة بين القول والفعل إذِ الأقوالُ أعمالٌ ومنها انّ هجاءَ النّخبة طعنٌ في أدوارها التي تضطلع بها.
والمفارقة كامنة في أنّنا لم نعرف تحديدًا المقصود بالنّخبة التي كانت سببًا في نكبتنا. فهي نُخَبٌ في شتّى مناحي الثّقافة والمجتمع والسّياسة.
وهي نخب حملها صاحب المتن والسّلطة على الإفراد جامعًا في دلالته ما لا يتجانس منطلقاتٍ ومواقفَ. ولكنّه حريّ بنا هنا أن نصرّفها في الجمع على معنى التّفريق والفصل ، كما هو واقع الحال ، لنؤكّدَ حيويّةَ الجدل وتفاعلَ متناقضِ الآراء ومتضاربِ التّوجّهات.
فأيّها يقصد صاحب المتن ؟
أيقصد من دعا إلى تطبيق منطوق آية الحرابة ضد المحتجّين ؟ أم من ينازع في المساواة بين النّساء والرّجال ؟ أم من يتردّد في تبنّي كونيّة حقوق الإنسان ؟ أم مَنْ مازال يحلم بشريعة لم تغادر أطلالها ؟ أم مَنْ يهاجم منظّمات المجتمع المدني المناضل ومؤسّساته المدافعة عن النساء والمعطّلين والشغّالين؟
أيقصد من هبّت عليه نسائم الثّوريّة والديمقراطيّة بأَخَرة ولكنّه يبعث اليأس في النّفوس ويُثقل كاهلَ المعدمين ويفقأ عيون المحتجّين بعد أن وعدهم بجنّات عدن وبتدفق الصّكوك الحلال ؟ أم يقصد الوحوش الكواسر التي تنهش، على الحقيقة والمجاز ، جرحانا من المواطنين وهم ينزفون دمًا.كواسر وجوارح وغربان  متمسّكةٌ بأوهامها متشبّثةٌ بكراسٍ عاجزة عن ملئها بأجساد ضعيفة سقيمة ونفوس أسكرها المجد الكاذب وعقول أغوتها شهوة السّلطة ؟
3
كانت العرب تقول " تلك العصا من تلك هذه العصيّة هل تلد الحيّةُ إلاّ الحيّةَ" فكلتاهما من شجرة زَقُوم السّلطة والحيّتان بلدغهما شيء واحد.
والمفارقة، ها هنا، أنّ هذه الأقاويل والتّقوّلات التي تذمّ نخبنا تلصق بها تهمة الأنانيّة والمصالح الشّخصيّة والفئويّة والأجندات الخارجة عن الصّفّ الوطنيّ وتتهجّم عليها فتراها ثّرثارة لا تعرف فصل المقال ، تنكّل بها لأنّها تتخاصم  ولم تجد سبيلاً إلى الوفاق الوطنيّ ، كلّ هذا سمعناه من قبل ، حين كان الملك المخلوع يتّكِئُ على عصا المصلحة الوطنيّة ويهشّ بها على معارضِيه. سمعناها من الأمّيّ الذي كان يحتقر النّخب والمثقّفين ولا يراهم صالحين إلاّ إذا تملّقُوا ودعّموا أركان دولته في عهده الزّاهر العامر.
وها أنّ التّاريخ ، تاريخ احتقار النّخب وتحميلها وزر الفشل ، يعيد إنتاج خطابه المفضوح في شكل يجمع ، هذه المرّة ، المهزلةَ إلى المأساة  حتى صرنا لا نعرف إلى أيّ جانبيْ الخطاب نميل.وهذه ، حقّا وصدقا ، نكبة نخبنا في هواة الخطابة العاجزين عن سياسة القول وسياسة الناس معا. وهي لعمري  أعظم وأخطر من نكبتهم.
وصدق من قال " عاش من عرف قدره فجلس دونه".

3 commentaires:

Lotfi Aïssa a dit…

يكفي أن نتمعن قليلا، حتى نتبين أن ما يتخفى غالبا وراء نقد النخب ليس في الحقيقة سوى عدم ترفع عن الشعور بالغيرة، وإحساس فضيع بالحرمان، وعطالة ذهنية، وإعادة انتاج وتسويق للديماغوجيا

Anonyme a dit…

هذا مدخل لمبحث في نقمة حكومتناعلى نخبتناوعزلة ساستنا على واقع أمتنا

Anonyme a dit…

قد كان يروقهم اكثر أن يصل المضمون إلى ملكات الاستيعاب التي تعوزهم جدا باللفظ المبسط و المعني الميسر فيكون العنوان و هو الاقتراح الاسلم "في نقمة حكومتنا على صفوة نخبتنا"