mardi 17 juillet 2012

الوسطيّة و مدرسة الدولة




1
من أعاجيب ثورتنا المباركة ،كما أصبح يقال في اللّغة الخشبيّة الجديدة ،أنّها على عكس منطوق اللفظ وفحواه ثورة يتنادى الجميع فيها بالوسطيّة إلاّ من رحم ربّك في الكلام.
  فالثورة الحقّ ، في الثقافة الكونيّة إلغاء جذريّ للنظام القائم واستبداله بنظام جديد لا رجعة فيه. ولكنّنا نشهد هرولة في اتجاه مغاير لما يقتضيه هذا المفهوم من جذريّة وغلوّ وأخذ للكتاب ، كتاب الثورة، بقوّة.نشهد هرولة نحو الوسط.كلّهم أصبحوا وسطيّين فلا يمين ولا يسار ممدوحين.
   ولئن كان الوسط في الثقافة السياسيّة الحديثة ،منذ الثورة  الفرنسيّة ،بحثا عن الاعتدال بين اليمين واليسار  بعيدا عن التوجهات الراديكاليّة للثوريّين فإنّ الانزلاق التاريخيّ للتصوّر الوسطيّ جعله رديفا للتوافق والإجماع والمصلحة العامة والاعتدال. نعم وراء ذلك شيء من المثاليّة التي لا تريد ان تعترف بنفسها.
2
من استعارة فضائيّة وزّع المجال السياسيّ بها إلى وسط ويمين ويسار إلى الانجرار إلى ذمّ اليمين المحافظ وتقبيح اليسار الجذريّ ومدح الوسط المعتدل:رحلة للمفهوم تداخلت فيها الفضاءات بان أصبح لليمين وسطه ويساره ولليسار أقصاه ووسطه وللوسط كذلك نصيبه.ولكن الوسط ظلّ واسطة العقد ، في الإدراك العام، وواسطة العقد محلّ اللؤلؤة النفيسة العزيزة كما تقول المعاجم.
فبأيّ آلاء الوسطيّة تكذّبون؟
  إنّنا نشهد في ثقافتنا السياسيّة ما بعد الثورة انزلاقا آخر للمصطلح ودلالته بعد أن أخرجته الترجمة من جهة والتلاعب الإيديولوجيّ من جهة اخرى من معناه السياسيّ الحديث لتحمله على غير محامله الأصليّة.
فاستعمال مصطلح الوسطيّة في بلادنا اليوم جعله مرادفا لأجود ما في العقائد والأعمال والسلوكات والأخلاق.بحكم الدلاليّة القرآنيّة الواردة في الآية 143 من سورة البقرة " وكذلك جعلناكم أمّة وسطا".وعليها بنيت معاني العدل والعدالة والاعتدال والحقّ والخير وجميع القيم السمحاء السامية.
هي مثل عليا  أوسع من ان يحتويها نظام سياسيّ بعينه لأنّ الأحزاب ، مهما كانت " نظافتها" و" طهارتها" أضيق من أن تجسّدها.
إنّها مغازلة مفضوحة لذاكرة الكلمات أكثر من كونها تعبيرا عن واقع فكري او سياسيّ.طهارة مزعومة  يكشفها دنس السياسة اليوميّ.
3
لا ريب أن الناس أشدّ اطمئنانا لما يبعد عن الغلوّ والتطرّف وأنّهم يفضّلون عيش الثورة خبرا لا عيانا وقد يغالون في اللفظ ولكنهم لا يحبّون المغالاة في المعنى. فمما استقرّ في وجدانهم الثقافي العام أنّ خير الأمور أوسطها.
ولكن حين نرى نداء الوسطيّة يعلو على كلّ نداء ونسمع صوت الاعتدال غالبا  كلّ صوت حتّى ممن هو يمين يريد أ ن يبحث لنفسه عن يسار متطرّف أو يمين متطرّف ينتصب بينهما وسطا ، حينها يحقّ لنا ان نتساءل :أيوجد وسط حقّا؟
ألا يصبح كلّ حزب ، في دنيا السلطان عندنا كما هو الشأن عند غيرنا،وسطيّا بالضرورة ليوفّق بين الأطراف يمينا ويسارا على ما بينها من اختلاف وتعدد في الإيديولوجيا والسياسة؟
حينها الا يكون الخطاب الوسطيّ مجرّد تمرين أسلوبيّ وتجربة في التعبير تفرضها المدرسة ...مدرسة الدولة؟ 

3 commentaires:

Lotfi Aïssa a dit…

كان المعيدي يُغير على مسالح الملك النعمان بن المنذر, وإذا سنحت له الفرصة انقض على اطراف مملكته ونهب منها ما يقدر عليه, وارسل الملك النعمان السرايا العسكرية لقتل المعيدي أو القاء القبض عليه, ولكنها عجزت عن ذلك لتحصنه بالصحراءوخبيرته بمسالكها وبموارد مياهها. كما كان شجاعا فارسا لا يقعقع له بالشنان.
إزاء جميع ذلك اضطر ملك الحيرةأن يعطي وجهه والأمان والف ناقة من الابل الى المعيدي بعد أن أعياه واشجاه.
وبعد أن وصلت رسالة النعمان الى المعيدي, ركب ذلوله وتوجه الى مدينة الحيرة ودخل على الملك النعمان وعرّفه بنفسه بأنه هو شقة أو شق بن ضمرة المعيدي, فلما نظر الملك الى شكله وهيئته وصغر جسمه ازدراه واستحقره, وقال: يا معيدي إن خبرك خير من مرآتك، وان تسمع بالمعيدي خير من ان تراه. فذهب مثلا.
فقال المعيدي: مهلا أبيت اللعن، فإنما المرء باصغريه لسانه وقلبه، إن نطق ببيان وإن قاتل بجنان... هذا في زمن أن كان فيه جانب من العرب على دين النصرانية قبل مجيء الإسلام، لا بل وقبل مجيء الإسلام السني الوسطي بزمن طويل... ولله الأمر من قبل ومن بعد...

los-pistoleros-de-Tunez a dit…

قد أوافقكم الرأي بأن لا وجودا فعليا (أو لا وزن بالأحرى) للوسط السياسي و رأيي (المتواضع والمجاري لتحليلكم، سيدي الباحث) بأن مفهوم الوسط (أو التحلي بالوسطية) من البديهيات و من المسلمات بأمرها عند الإنسان المتوازن بحيث لا يمكنه عمليا أن يكون حافزا يفعل استقطابا جماهيريا شاسعا. و قد يكن لنا عبرة في المثال الفرنسي (و أن تداخلت فيه هو الآخر مفاهيم اليسار واليمين بما قد يشوش الصورة) والذي لم تسجل فيه المقاربات الحزبية ذات الصبغة الوسطية نجاحا يذكر (فرانسوا بايرو لمرتين أو لمرة على الأقل).
أما في باب الاستغلال السياسي لهذا المفرد فإني أوافقكم الرأي تماما فالوسطية صارت علكة في أفواه الإسلاميين في السلطة و مرادهم بها الانحياز قليلا إلى اليسار في محاولة لمغازلة مخيلة الناخب التونسي و هم في حقيقة الأمر أبعد ما يكون عن اليسار من حيث تاريخهم و حاضرهم. و هي كذلك نفس العلكة في فم من يرفض الإسلام الديني (و إن أضحى اليوم حقيقة تونسية) و أغلبهم من جماعة اليسار السياسي و مرادهم بها الانحياز نحو اليمين قليلا لمغازلة التونسيين الذين هم في نفس الوقت رافضون لمبدأ الخلافة (كتوجه متطرف للإسلام السياسي) و وثيقو الارتباط بدينهم الإسلامي.
و في ختام تعليقي قد يكون مبدأ الوسط السياسي غير ذي مغزى بصفة عامة و قد تكون الوسطية آلية إنتخابية جديدة (في تونس) تمكن من صقل صورة هذا الحزب أو ذاك و لكني شديد الاعتقاد بأن الوسطية كسلوك شخصي من أهم خصوصيات الشعب التونسي و أرجو إن لا نفقدها بأن تميع على مذبح الحسابات السياسية.

Entrümpelung a dit…

Succès ... S'il vous plaît noter les nouveaux sujets toujours