vendredi 27 juillet 2012

روح الجمهوريّة



  
-1-
تحلّ الذكرى والنخب عندنا في معمعان الأسئلة الحارقة والبحث عن التوازنات الهشّة أو الصلبة والتساؤل عن الجامع الثقافيّ بين المواطنين  الأحرار. عيد للجمهوريّة توّج منذ المجلس التأسيسيّ الأوّل مسار التحديث غير القابل للنكوص وإن شهد تعرّجات وتقلبات وأزمات.
   عيد للجمهوريّة ...يعود ولكن أبما مضى أم لأمر فيه تجديد.فالسياق جديد حقا والحلم أكبر إلاّ انّ ثقافتنا كمن يراوح مكانه منذ نصف قرن.مازلنا نسأل عن الهوية كما لو أننا ، جميعا ، أتينا من المرّيخ ، مازلنا لم نخرج من الثنائيّات القاتلة التي نعيشها متأزمين بين وهم الأصول التي لا أصل لها إلاّ في المتخيّل ومعنى التاريخ الذي يحثّ الخطى نحو الآتي القابع في ممكنات الواقع.
     ماذا نريد من جمهوريّتنا ولا وجه باديا للتراجع عنها ؟ماذا نريد من مجلسنا التأسيسيّ ليكرّس قيم الجمهوريّة الثانية كما يحلو للبعض أن يقول؟ ولكن متى استوفينا ممكنات الجمهوريّة الأولى أم هي الرغبة في القطع مع الماضي أقوى من مبدإ الواقع؟
-2-
  حين تشكّل المجلس التأسيسيّ الأوّل كانت النيّة معقودة على إنشاء ملكيّة مقيّدة بدستور.كان ذاك هو السقف المحدّد سلفا. غير ان المجلس ،وهو سيّد نفسه و حاكم بأمره مطلق يستند إلى الإرادة الشعبيّة، قلب الملكيّة إلى جمهوريّة بإرادة النخب قبل إرادة الشعب.
   فلا معنى حينئذ للاتكاء على الجموع والعدد والكثرة للانقلاب على الجمهوريّة وقيمها وعلى مدنيّة الدولة باعتبارها الصيغة الوحيدة الممكنة تاريخيّا ، دون تردّد أو تأويل أو استغفال ، للتوافق مع المعايير الدوليّة في صياغة العقود السياسيّة.
   يحقّ لعشاق الشقشقة اللفظيّة أن يتخاصموا في شأن اللائكيّة والعلمانيّة ،العلمانية الجزئيّة أو الشاملة، ولهم أن يعودوا إلى ما شاؤوا من النماذج السياسيّة عبر التاريخ ولهم أن يختاروا مرجعيّاتهم وأصول نظرهم.فلا مشاحة في الاصطلاح وإن جاز النقاش في المفاهيم ومضامين المصطلحات .
-3-
الثابت أنّ الجمهورية والديمقراطيّة لا تنبنيان إلاّ على ما هو بشريّ يعترف ببشريّته ولا تستند إلى أمر أعلى من إرادة الشعب: هذا هو الدرس الأول البسيط في المواصفات الدوليّة للأنظمة السياسيّة.وعلى الحالمين بغير هذا أن يخرجوا من اللعبة أصلا لأنّهم سيكونون في موقع من يمارس كرة القدم على مقتضى قواعد كرة اليد وأصولها.
   ولا معنى للإرادة الشعبيّة دون قيم الجمهوريّة:قيم المساواة أمام القانون وعدم التمييز مطلقا وقيمة الحريّة في التفكير والتعبير والاعتقاد وكل هذا مدنيّ في أصله وفصله.
    ولا معنى للجمهوريّة إذا لم تكن نسيجا ثقافيّا جامعا ومنظومة قيميّة مشتركة بين المواطنين الذين خرجوا من منزلة الرعايا ، عن وعي حاد بهذه القيم يعضّون عليها بالنواجذ ويعملون بهدي منها ويلتزمون بها ويذكّر بها بعضهم البعض.
ليس المهم ما سيوضع في الدستور الجديد على معنى انّه سيكون ولا شكّ تعبيرا مكثّفا عن قيم الحريّة والكرامة والعدالة والتضامن .فالرهان الأكبر اليوم في ثقافتنا السياسيّة والاجتماعيّة دائر على تجديد مفهوم المواطنة وصيغها وصورها و أشكال المشاركة وتجسيمها ،الرهان الأكبر دائر على إنشاء جمهوريّة ثانية تجعل المواطن أصل الفعل السياسيّ العام وعماد المدينة الجديدة.
وهل لنا ولإخوتنا في الوطن من اختيار غير هذا؟
 
 

Aucun commentaire: