mardi 10 juillet 2012

ثقافة الثورة




1
     كلّما سمعت حديثا عن "ثقافة الثورة" هذه الأيّام لا أدري لم تزكم أنفي روائح الإقصاء الإيديولوجي والسياسيّ فأستحضر في ذهني الثورة الثقافية الصينيّة.
     قد لا أكون ثوريّا كما ينبغي لي ان أكون في بلد شهد ثورة مدنيّة "نظيفة" صنعت الأمل ثم جعلها أبناؤها تراوح بين الأمل والخوف.
       بهدي من الكتاب الأحمر لماو تسي تونغ بدأت الثورة الثقافيّة بمقاومة الفكر المحافظ ودك حصون البيروقراطية وإسناد السلطة إلى الشباب والعمال والفلاّحين فانتهت إلى ما يشبه الحرب البشعة:تحطيم للمنحوتات والمعابد ( البوذية خاصة) وانتهاك لحرمة جامعة بيكين والاعتداء على المثقفين والفنانين.
      رفعت الثورة الثقافية الصينية شعار التطهير فغرقت في وحل الفوضى التي كادت تؤدّي إلى حرب اهليّة، لوّحت ببيارق الطهارة والنقاوة الثوريّة فوقعت في شرنقة معركة السياسيين لوضع اليد على اجهزة الدولة الإيديولوجيّة والقمعيّة.

2

    باسم الثورة والفنّ الثوريّ وثقافة الثورة وحق الشعب الثائر في ثقافة تعبّر عن أحواله مرّغت أنوف آلاف المثقفين والفنانين والمبدعين في التراب.من لم يقتل مات كمدا وغمّا.من لم يمت أوقف دماغه عن التفكير وخياله عن الإبداع.كان عليه أن يصمت إلى الأبد أو أن يبيع ضميره لشيطان الثورة الجشع.
ولنا في روسيا البلشفيّة وإيران الإسلاميّة والصين الماويّة ...وحتى الثورة الفرنسيّة شواهد على مقصلة تنصب لتقطع الرؤوس التي اينعت .. والرؤوس التي مازالت غضّة أيضا.
  والطريف أنّ أهل العلم بالثقافات وتواريخها يؤكّدون ّأنّ الانتقال الثوريّ لا ينتج بالضرورة وآليّا فنّا ثوريّا أو ثقافة ثوريّة.فالثورة في التصوّرات والذهنيّات أشدّ بطءا منها في أبنية المجتمع وهياكل السياسة.

   فمن المفارقات التي تدعو إلى تدبّر انّ الثورة الفرنسيّة مثلا أنتجت في الفنّ تيّارا كلاسيكيّا عبّر عنها على ما يقول ثقات من الدارسين.فكأنّ هذه الثورة ، وهي تعيد توزيع الثروة ورأس المال السياسيّ وتشكّل الخارطة الاجتماعيّة على صورة جديدة عجزت في الفنّ عن توليد فنّ ثوريّ يقولها.

3

أيّ فنّ يحتاج إليه شعبنا في نشوة ثورته بآمالها ومخاوفها ،بانتظاراتها وخيباتها ؟
 أيّ فنّ يحتاج إليه شعبنا بعيدا عن منطق الإملاءات و"الينبغيّات" التي لا تنتج ثقافة بل تصنع المقاصل ووسائل الإقصاء؟
    في مجتمع محافظ يعيش توتّرا في صلته بذاكرته وفصاما منذرا بالخطر في علاقته بواقعه ،
 في مجتمع تتجاذبه أوهام التاريخ وأخيلته وقسوة الحداثة المعطوبة التي لم تزدها مشهديّة العالم المعاصر إلا قسوة،
في مجتمع بهذه الملامح والخصائص ،ليس للفنّ إلاّ أن يشتغل على الفرح اليوميّ ليفكّك الأنساق الكليّة الخانقة والأنظمة المغلقة.
ليس له إلاّ أن يحتفي بطيّبات ما رزقنا اللّه ومباهج الحياة حتى يغذّي النفوس المعذّبة والقلوب الكليلة حبورا ومسرّات،
ليس له إلاّ ان يكون ، كما هو شأن الفنّ الأصيل دائما، مقاومة للموت وصروف الزمن وأهواله وأغواله.
فلنستلهم  صوت الثورة المجلجل الذي هدى شعبه إلى شعار " إذا الشعب يوما اراد الحياة..."،
صوت الشابي الذي قال استكمالا لبيته الثوريّ : " إلى النور.. فالنور عذب جميل"
  إنّ حبّ الحياة هو الأساس المكين لإرادة الحياة.. وهو مبتدأ الحريّة وخبرها.

1 commentaire:

Wohnungsräumung a dit…

مدونة مميزة ..
شكراً ع الموضوع .... :)