mercredi 20 juillet 2011

فزّاعة الخطر الأصوليّ ... فزّاعة اليسار الاستئصاليّ

             (   إلى الصديقين  زهير .إ وسامي .ب )                         لكلّ فزّاعته في بلادنا يمينا ويسارا.
ولكلّ فزّاعة أساس واقعيّ ممزوج بأوهام تحتاج إلى كشف.فمقابل فزّاعة "الخطر الأصوليّ" لدى اليسار التونسي عموما أصبحنا نقرأ ،هنا وهناك، لدى بعض الإسلاميّين حديثا عن "اليسار الاستئصاليّ".
     وترتبط بهذه العبارة - التهمة جملة من العبارات التي تتداعى أبرزها "الفرنكوفونيّة" و"حزب فرنسا" ( وهذه منقولة عن التجربة الجزائريّة المرّة ) وتبلغ  أحيانا حدّ وصم اليسار بالصهيونيّة.
    ومن البيّن أن الاستئصال المقصود موضوعه الإسلاميّون وهدفه طمس الهويّة العربيّة الإسلاميّة   و وسيلته التحالف سابقا مع نظام السابع من نوفمبر والسيطرة حاليّا على " هيئة بن عاشور " ( على ما يسمّونها تلميحا لقصد غير خفيّ).ولكنّ النتيجة في الحالات جميعا هي ترسيخ مفهوم "المؤامرة" (وهي رياضة وطنيّة منتشرة جدّا هذه الأيّام يمينا ويسارا) ضدّ الإسلاميّين والنهضة على وجه الخصوص للوصول إلى نشر صورة الإسلاميّين المظلومين المضطهدين.
هذا متن الاتهام وهذه حاشيتنا إسهاما في النقاش لا دفاعا عن " اليسار الاستئصاليّ".
   لا نرى وجها للمجادلة في وجود شقّ من الفرنكوفونيين ( وأحبّذ عبارة الفرنكفوليّين Francophiles) الّذين يعادون اللغة العربيّة عداء إيديولوجيّا يعود إلى ارتباطها بالدين الإسلامي وإلى كونها حاملة للثقافة العربيّة الإسلاميّة.و لـمّـا  كان الإسلام عندهم، دينا وموروثا ثقافيّا، سببَ تخلّفنا فإنّ معاداة الحامل مدخل عندهم لمعاداة المحمول حتّى لكأنّ الحداثة والتقدّم لا يكونان إلا بمعاداة اللّغة العربيّة والدين والثقافة الإسلاميّين.
   ولا نرى وجها للمجادلة في أنّ شقّا من اليساريّين قد شارك أثناء محنة الإسلاميّين في نظام السابع من نوفمبر سواء بالتبرير الإيديولوجيّ والتحريض من خلال الانتماء إلى التجمّع أو المسك ببعض أجهزة الدولة كالوزارات ووسائل الإعلام المكتوبة والمرئيّة والمسموعة ضمن سياسة " تجفيف المنابع " أو بمجرّد الشماتة والتواطؤ بالصمت وحتّى بغضّ النظر عن ملفّات التعذيب الذي تعرّض له الإسلاميّون.
    على اليسار في تقديرنا أن يقوم بنقده الذاتي نقدا قاسيا سياسيّا أساسا و نقدا واضحا إيديولوجيّا خصوصا.
    لكنّ للعملة وجها آخر على الأقلّ لا يكتمل المشهد بدونه.
         فليكن واضحا بدءا أنّ الإسلاميّين، ومنهم أصدقاء وزملاء دراسة، قد عانوا السجون والتعذيب والتنكيل في أواخر الثمانينات والتسعينات لمجرّد انتمائهم إلى النهضة أو مشاركتهم في بعض أنشطتها ومظاهراتها وهياكلها الطلاّبيّة.ونجدّد تعاطفنا مع عذاباتهم ومعاناتهم وما دمّرته آلة القمع البوليسيّ الرهيب من وجودهم ومعنى حيواتهم.وإنّي لمحرج أخلاقيّا وأنا أناقش بعضهم لأنّهم لم يتمكّنوا إلى اليوم من التعبير عن ألمهم أمام الملإ تحقيقا لواجب الذاكرة واعترافا من الجميع بما لحقهم مباشرة ولحقنا جرّاء ذلك من إهانة للذات البشريّة عامّة ولذواتهم الفرديّة خاصّة.غير أنّني أعوّل على تفهّمهم لواجبنا جميعا في ألاّ يتكرّر ما كان تحت أي مبرّر أو  ظرف أو سلطة.لذلك ينبغي أن تكون المصارحة مدخلا وحيدا لهذا الوعي المطلوب خصوصا أنّ تجارب المناضلين علّمتنا أن منهم من تتفتّح في نفسه أبعاد إنسانيّة أعمق ومنهم من تتجذّر لديهم نزعة التشفّي بحثا عن ردّ الاعتبار.    
     وليكن واضحا، من ناحية أخرى، أنّ الفترة التي يتحدّث عنها الإسلاميّون لم يكونوا فيها دعاة للديمقراطيّة وحقوق الإنسان إلاّ بقدر ما كانوا يعتبرون ذلك سلّما يرتقون منه إلى السلطة.وقد أخذتهم أوهام اتساع قاعدتهم الشعبيّة والسياق الجيوستراتيجي ( خصوصا ما حدث في الجزائر ) فزيّنت لهم أوهامهم تلك إمكانيّة الانقضاض على السلطة.
    و للتاريخ ، من موقع آخر غير موقع الإسلاميّين ، لم يكن خطاب حركة النهضة ( وقبلها الاتجاه الإسلاميّ ) مطمئنا للنخب ولقاعدة عريضة من المجتمع. فلا يمكن أن ننكر ، بالعودة إلى ما كان ينشر في الصحف والمجلاّت وما كان يلقى على منابر الجوامع والجامعات وفي حلقات المساجد ،أنّ خطاب النهضة خطاب متخلّف إيديولوجيّا عن الأفكار العامّة المترسّخة في المجتمع التونسيّ وعن القيم الإنسانيّة المشتركة.فهو خطاب إخوانيّ سلفيّ ممزوج بالشحنة الهائلة التي أشاعتها الثورة الإيرانيّة المظفّرة قبل أن تكشف عن وجه استبدادي بشع.
  و بالتوازي مع ذاك الخطاب لم تكن الممارسة السياسيّة بأفضل حال.فقد انتشر العنف في الجامعات على سبيل ردّ الفعل في البداية على عنف اليسار ثمّ أصبح مشاركة " فعّالة " في حلقة العنف البغيض الذي يعكس تصوّرات " ثورجيّة" من اليمين واليسار و يشفّ عن غياب فاضح للحسّ المدني والوعي الديمقراطيّ.وقد انتشر عنف الإسلاميّين والنهضة تحديدا بأشكال مختلفة وفي فضاءات متعدّدة لا يمكن التعلّل في تبريرها بقمع السلطة أو بدسائس المخابرات ضدّها.فمن القيادات من دعا إلى العنف وحرّض عليه ومنهم من كان على خلاف ذلك كما بيّنت بعض التناقضات والانقسامات التي عاشتها النهضة قبل 14 جانفي وبعض التصريحات والتلميحات بعد الثورة.
     وفي الحالات جميعا لم يكن خطاب الإسلاميّين وممارستهم مجرّد أخطاء فرديّة بل كانت في تقديرنا مبنيّة على تصوّر وقراءة للواقع لم يخلوَا من سذاجة سياسيّة وغرور فكريّ وحماسة ثوريّة جعلتهم يعتقدون أنّ وصولهم إلى السلطة كان قاب قوسين أو أدنى.
      فلا ننسى ،للتاريخ أيضا، أنّ الأنظمة المستبدّة (في تونس ومصر بالخصوص )شجّعت الإسلاميين في مرحلتهم الدعويّة على مواجهة اليسار بمختلف أطيافه ومواقف الإسلاميين التونسيين في تلك الفترة معروفة معروضة في منابرهم المكتوبة وبياناتهم أثناء الأحداث الكبرى بتونس عند صدام اليسار والنقابيين مع النظام البورقيبيّ.
    على الإسلاميّين، والنهضة بالخصوص، في تقديرنا أن يقوموا بنقدهم الذاتي نقدا قاسيا سياسيّا أساسا و نقدا واضحا إيديولوجيّا خصوصا.
    بهذا نعتقد انّ النزعة الاستئصاليّة لم تكن خصيصة لشقّ من اليسار بل شملت أيضا الإسلاميّين ضدّ خصومهم من الشيوعيّين والماركسيّين وغيرهم من أطياف اليسار.فالإشكال قائم من جهة الوعي السياسيّ الديمقراطيّ لدى التيارات السياسيّة والإيديولوجيّة والفكريّة التونسيّة بجميع أطيافها.فالواقع يشهد بأنّ انخراط الإسلاميّيين في السياق الديمقراطي مسألة مبدئيّة لا تتصل بالهويّة العربيّة الإسلاميّة على ما يزعم الإسلاميّون بل تتصل بتعبيرها عن تيّار فكريّ يتجاوز السياق التونسيّ ولكنّه يستطيع أن يبني أنموذجا ذا مرجعيّة إسلاميّة يأخذ بمقتضيات التنزيل التاريخيّ للمتن الإسلاميّ في سياق التحديث الكونيّ الشامل بعيدا عن الثنائيّة القاتلة: ثنائيّة الخصوصيّة والكونيّة.
   وبالقدر نفسه يشهد الواقع أنّ الفكر اليساريّ قوّة اقتراح سياسيّة و إيديولوجيّة وقيميّة وجماليّة ،قبل الاستقلال وبعده، لا ينكرها إلاّ منغلق في قمقمه الإيديولوجيّ.والطيف اليساريّ نفسه متنوّع لا يخلو من انغلاق وتحجّر ومن نزعة " سلفيّة " تقديسيّة للنصوص المرجعيّة .ولكنّ دنيويّة النصوص تيسّر على الأذكياء من اليسار مراجعة أفكارهم وتنزيلها في الواقع المتحوّل المخصوص.
    إنّ التيارين اليساريّ والإسلاميّ يحتاج إلى كثير من التواضع والإخلاص الفكري والعمل النظريّ الجاد لملاءمة مرجعيّاتهما مع القضايا الحقيّقيّة التي فرضها الواقع العالميّ والإقليميّ والوطنيّ :أقصد قضايا المواطنة والحرّيّات الفرديّة والعامّة والديمقراطيّة والتعدّديّة السياسيّة والتداول السلميّ على السلطة والليبيراليّة الاقتصاديّة ذات الطابع الاجتماعيّ ورفض الدولة الدينيّة وغيرها من المسائل التي يقصد بها القضاء نهائيّا على إمكانيّة ولادة الزعيم الأوحد والحزب المتغوّل.
    هذا في ظنّنا الرهان الأهمّ للوصول إلى مجتمع سياسيّ ومجتمع مدنيّ متطوّرين حقا قادرين على تجاوز الصراعات القاتلة على السلطة أو الشرعيّة الإيديولوجيّة.ولكنّ شرط ذلك أن يترك كلّ طرف فزّاعته وأن يتفرّغ إلى التنظيف أمام بيته.فلعلّه خير وأبقى.
   
   

2 commentaires:

Lotfi Aïssa a dit…

Rien de productif...Que des binômes antinomiques rappelant le paysage politique d'antan...On dirait qu'ils n'apprennent rien d'une histoire vécue en partage!!! Effaçant donc l'ardoise et reproduisant la connerie à volonté...

chokri a dit…

أهلا لطفي
أرجو أن يتعلّم الجميع أن يكتب بلغته وفي معجمه إسم الحرّيّة ومعنى التعايش
السلميّ على اللوح بدل تكرار الحماقات القاتلة.
تحياتي