jeudi 16 juin 2011

جائزة " أبو القاسم الشابي" وحكاية الندم



 لم يفاجئني ردّ السيد عزّ الدين المدني حين لاحظت له إحدى صحافيّات  جريدة " لابراس" بأنّه هو نفسه من عيّن شكري المبخوت في الهيئة العليا لجائزة " أبو القاسم الشابيّ" .فقد جاء بليغا موجزا: "ندمت على ذلك ندما شديدا" ( انظر الرابط التالي).
    ولست أحبّ في هذه الحاشية أن أعتذر للسيد المدني على ما سبّبته له تصريحاتي إلى بعض وسائل الإعلام من ألم وما خلفته مواقفي في نفسه من مرارة. ولا أحبّ بالخصوص أن أجادله في الأمر حفظا للمقامات وتجنّبا لصبّ زيت الندم (ندمه هو) على نار الفضائح التي تثير في الوسط الأدبيّ نزعة التلصّص.فيكفي هذا الوسط الذي يجرّ وراءه سنوات من القهر والكبت والتسلّط ما فيه من علل وأمراض وإصابات بالغة بالنرجسيّات الخاوية وبأوهام النجوميّة التي لا تضيء معنى معتما ولا تثير طاقة كامنة.
   لا أحبّ أن اعتذر ولو من باب آداب التعامل أو أن أجادل ولو من باب الرياضة الفكريّة لأنّ بعض من ندّد وهدّد واستنكر واحتجّ إنّما كان يبحث عن أوّل فرصة لينهش لحم عزالدين المدني .أضف إلى ذلك أنّ بعض المتحرّقين لنيل جائزة أدبيّة ولم يحصل عليها استغلّ المناسبة ليشكّك في جائزة " أبو القاسم الشابّيّ" وغيرها من الجوائز على قلّتها في حياتنا الأدبيّة.
      وبعد هذا ودونه أيّ جرم اقترفت؟ لم أخطئ في حقّ الرجل بل عبّرت عمّا أعتقد. فما أنا بالغرّ حين زعمت ما زعمت في شأن تحويل جائزة دورة 2010 من رواية " كازينو فج الريح" لمصطفى الكيلاني  إلى رواية " الحمام لا يطير في البريدة" لـيوسف المحيميد.كنت أعرف ولو على وجه التقريب ما سيقع.وقد قصدت إلى بعضه قصدا ولا سبيل إلى اصطناع السذاجة في هذا الباب.
     فما هو ثابت عندي هو أنّ وجهة الجائزة قد حوّلت بقطع النظر عمّن أدار اللّعبة ، داخل الجائزة وخارجها وقبل الإعلان عن تحويل وجهتها وبعده، ومن وزّع الأدوار على اللاّعبين و مهما كانت دواعي المتفرّجين وحماستهم استنكارا أو تبريرا.
    والواقع أنّني نبّهت القائمين على الجائزة مرارا وتكرارا إلى الخطإ قبل أن أنشر الأمر بين الناس عبر صحيفة الشروق.وربّما عوّلوا على احترامي لتقاليد العمل في مثل هذه الجوائز وتمسّكي بواجب التحفّظ.و لكنْ ربّما فاتهم أنّ التقاليد وواجب التحفّظ لا يمنعان حرّيّة التعبير والنقد ولا يعطّلان واجب الإنصاف و العدل.وفي الحالات جميعا لا يمكنني أن أكون شاهد زور أو أن أشارك في لعبة لا أعرف قواعدها.
   والقاعدة في جائزة " أبو القاسم الشابّي" أنّ الهيئة العليا تصادق على ما تتّفق عليه لجنة التحكيم.ولكنّ هذا الإجراء لم يحترم في دورة 2010 المخصّصة للرواية.
    والواقع أنّ اللجنة العليا سبق لها في دورات أخرى ان أقرّت نتائج لم أكن شخصيّا راضيا عنها خصوصا في الشعر.وكنت أحدس حدسا ، ولا دليل عندي، انّ وراءها حسابات لا تمتّ للإبداع بصلة.وقد قبلت اللّعبة مادام الإجراء محترما.
    والواقع أيضا أنّني شاركت في بعض لجان التحكيم وساهمت في توجيه الجائزة إلى من اعتقدت انّهم جديرون بها بمعايير أدبيّة وجماليّة دافعت عنها داخل لجنة التحكيم وأقنعت بها أثناء المداولات ولم تخالفها الهيئة العليا. 
    وبهذا كان التوازن قائما وكانت آليّات العمل على هشاشتها وطابعها الضمنيّ يمكّنان من الحفاظ على جانب من مصداقيّة الجائزة من دورة إلى أخرى.
  ولكن ما ينبغي أن يعرفه الأدباء والمبدعون هو أنّ تركيبة لجان التحكيم كانت بيد شخص واحد يستشير الهيئة العليا ثمّ يعيّن من يعيّن دون العودة إليها.وهو خلل جسيم لاحظناه مرارا ولم يؤخذ بعين الاعتبار خصوصا أنّ الجائزة كانت مهدّدة في وجودها بعد أن تغيّرت إدارة البنك التونسيّ وقبل أن تتبنّاها وزارة الثقافة.و الحقّ أنّ السيّد عزّ الدين المدني قد قام بدور مشرّف في الحفاظ على هذه الجائزة.
    وعلى هذا فليس في الأمر محاكمة للنوايا ولا كشف لأسرار لا ينبغي لها أن تكشف.ولا تنحصر المسألة في إسناد جائزة هذه الدورة او تلك إلى هذا المبدع أو ذاك بل المطلوب أهمّ من ذلك بكثير.
    فقد بلغت جائزة " أبو القاسم الشابّي" مرحلة تتطلّب انطلاقة جديدة في تصوّر أهدافها واستراتيجيّتها ومنزلتها من الحياة الأدبيّة في تونس والعالم العربيّ.وتتطلّب بالخصوص تعديلات في طرق عملها وضوابطها المدوّنة وأساليب تسييرها ليكون أعضاء هيئتها العليا مشاركين فعليّا في تحديد مواضيع الدورات وتعيين المحكّمين ومعايير صياغة التقارير وتسيير المداولات وتوثيقها ...وغير هذا من المسائل والتفاصيل.
    وقد تكون هذه الرجّة التي تسبّبت فيها مناسبة لتعديل الأوتار وإعادة الاعتبار لجائزة أثبتت السنوات أنّها الجائزة التونسيّة الوحيدة التي حقّقت ، على ما نعلم، إشعاعا عربيّا رغم ضعف مواردها الماليّة مقارنة بجوائز عربيّة أخرى تتمتّع بإمكانيّات ماليّة خرافيّة بمقاييس سياقنا الثقافي التونسيّ.
   ولا نظنّ أنّه يمكن لأيّ كان أن يدّعي لنفسه أنّه الوحيد الذي يقف وراء هذا الإشعاع.فقد ضمّت هيئة الجائزة ولجان تحكيمها المتعاقبة عددا من جلّة الباحثين الأكاديميين و المثقّفين البارزين والمبدعين الأصيلين.
    لهذا لن أندم مثلما ندم السيّد عزّ الدين المدني على إسهامي في أعمال الهيئة العليا لجائزة "أبو القاسم الشابيّ" فهي كسب لمثقّفي تونس جميعا.ولن أندم على مشاركتي في بعض لجان تحكيمها إذ
أعتقد أنّني ساهمت في إسناد بعض جوائز دوراتها لأدباء شرّفوا الجائزة بقدر ما شرّفتهم مثل الشاعر التونسيّ المرموق المنصف الوهايبي والروائيّ العراقيّ المتميّز علي بدر عن رواية " بابا سارتر".
ولكنّني سأندم ، ولا شكّ، إذا ظلّت دار "جائزة "أبو القاسم الشابي" على حالها الآن: عاجزة عن صياغة تصوّر ثقافي وجمالي وأخلاقيّ يحقّق الوظائف المنتظرة من كلّ جائزة تحترم المبدعين والأدباء وجمهور القرّاء.

   وإلى الأصدقاء قرّاء هذه المدوّنة الخاتمة التي وضعتها لمحاضرة ألقيتها خلال شهر مارس المنقضي بدعوة من وزارة الثقافة القطريّة بمناسبة صدور كتاب يضمّ عددا من محاضرات الحائزين على جائزة نوبل للآداب.وتجدونها في التدوينة الموالية.
    

2 commentaires:

Anonyme a dit…

قرات دفاعك بدوت لي مهذبا جدا تجاه من لا يستحق ممن ينتعش من تهذيب الاخرين

سؤالي هو هل تسمح لنا ثورتنا بتنقية مناخ الادب من شوائبه

دمت بخير يا استاذ

نور الدين العلوي

chokri a dit…

أوتعتقد أنّها مجرّد شوائب يا صديقي؟
نفتقر إلى مشروع ثقافيّ وسياسة في التنمية الثقافيّة
وأكثر ما نفتقر إليه إبداع قويّ حقيقيّ
لقد كتب الناس بعفويتهم نص
ّ الثورة ولكن على أحبابنا الكتاب والفنانين أن يصوغوا ثورة نصوصهم
أمّا التهذيب فهو واجب أخلاقي لكي لا نشخّص القضايا ولا نرفع الخناجر في وجوه بعضنا البعض فأمّة الكتّاب ضعيفة لا تحتمل المعارك الضارية
تحياتي