jeudi 16 juin 2011

من منطق الغنيمة إلى مقتضيات التنمية الثقافية

                           
                                    
       إنّ وجود الجوائز الأدبيّة العربيّة مظهر من مظاهر التحديث في الحياة الثقافية العربيّة. وهو تحديث لا سبيل إلى فصله عن نمط إنتاج الكتاب وتوزيعه واستهلاكه وعلاقته بالمؤسّسات الثقافية (المنتديات الأدبيّة والمجلاّت الأدبيّة) والعلميّة (الجامعات ومراكز البحث) والسياسية (الرقابة) والإعلامية (الصحافة). وهي شبكة متماسكة من المؤسّسات تتعامل معها مؤسّسة الجائزة الأدبية تأثّرا وتأثيرًا.
        وعلى هذا الاعتبار تطرح هذه الجوائز أسئلة أساسيّة عن صلتها بواقع الكتاب نشرًا وقراءة ومشروعها (أو مشاريعها) الثقافية والفكرية ودورها في المشهد الأدبي والثقافي وتكوين عادات القراءة وتدعيم التجارب الأدبيّة المحقّقة لاستقلاليّة العمل الأدبي باعتباره نقدًا جذريّا للسائد من الأعراف والقيم والاعتقادات وفضاء للمساءلة الجمالية والفكريّة للمدينة وللمجتمع والسياسة.
        فمن القضايا التي تطرحها الجوائز العربية، ضمن هذا التصوّر الذي لا يرى الأمر من زاوية "صناعة نجوم الأدب" و"صيد الجوائز" و"النجاح الأدبي"، منزلة الأديب في مجتمعاتنا العربية، ومنزلة المثقّف عمومًا. فالبنى الثقافية والسياسية السائدة، تضيّق الخناق على حرّية التفكير والتعبير والتحبير.وقد نجحت إلى حدّ بعيد في أن تحوّل الرقيب الخارجي إلى رقيب داخلي قابع في ضمير المبدع ونجحت في أن تستبقي الأديب في منزلة بائسة ترهقه الحياة اليومية وشواغلها فتحول دون أداء وظيفته الأصلية في النقد والكشف عن المستور وإنشاء سلطة معنويّة مضادّة ونجحت في أن تجعل المثقف في أحسن الأحوال خبيرًا.
        لهذا كلّه، وغيره ممّا لم نذكر، قام تساؤلنا الأساسي على الدور الثقافي للجوائز الأدبية العربية ورأس المال الذي يقف وراءها في تناول قضايا الجدل الفكري وصياغة خطاب التنوير العربي بعيدًا عن منطق الوجاهة الاجتماعية ورعاية الأدب وتقسيم العالم العربي إلى "مركز مثقف تنويري" و"هامش ثري رجعي".
        فالرهان قائم أوّلا من جهة رفع التقابل بين رأس المال الأدبي ورأس المال النقدي بناء على تصوّر واضح لمسألة الاستثمار في الأدب والفن والثقافة من أجل مشروع ثقافيّ حداثيّ تنويريّ تحرّريّ نعتقد أنّ مجتمعاتنا العربية في حاجة أكيدة إليه.
        والرهان قائم ثانيا من جهة رفع التناقض الظاهر بين المبدع الحقيقي المخلص لأدبه والمكانة الهامشية التي يعيشها في مجتمعات لا ترى للأدب مردودا. ولا سبيل باديا لذلك إلاّ الاعتراف بشرعيّة الدور النقدي السالب للأديب والأدب في المجتمعات الحديثة وإخراجه من بوتقة الصوت المعبّر عن الجماعة في وحدتها وانسجامها الموهومين حتّى يقول ذاته بجراحاتها وأحلامها وهوسها ضمن المسافة الفاصلة بين الفرد ومجتمعه.
       فالممارسة الأدبيّة الحديثة تتمتّع بمكانة خاصة أساسها الاستقلال عن الإيديولوجية السائدة ومقتضيات المصلحة والمنفعة. ومن المعلوم تاريخيّا أنّ ثمن هذه الاستقلالية هو التخلّص من رعاية الأدب والانعتاق من قيود المؤسّسات السياسيّة والدّينيّة.وهذا رهان عظيم، لو ندري، بل لعلّه مربط الرهانات في الثقافة العربيّة التي تغلب عليها النزعة التقليدية المحافظة .
        قد نكون واهمين وقد يرانا البعض حالمين في ما ذهبنا إليه ولكنّ رياح التحرّر والتغيير التي تهبّ هذه الأيّام على عالمنا العربيّ تحمل وعودًا جدّية بتوسيع آفاق الحريّة وفتح فضاءات المساءلة و النقد والتفكير المتحرّر. ولا نعتقد أنّ الأدب سيكون بمعزل عن هذه الدّيناميكيّة الشاملة بما في ذلك مؤسّسات الجوائز الأدبيّة العربيّة.


* هذه التدوينة هي خاتمة المحاضرة التي ألقيتها في شهر مارس المنقضي بقطر بمناسبة صدور كتاب " محاضرات الحائزين على جائزة نوبل للأدب " وقد ترجمه التونسي عبد الودود العمراني وراجعته وفاء العمراني.


Aucun commentaire: