mercredi 8 juin 2011

"سعادته ... السيّد الوزير" رواية جديدة لحسين الواد


Dégage     يا عصابة السرّاق




    ( تصدر قريبا في سلسلة "عيون المعاصرة " ( دار الجنوب – تونس ) رواية حسين الواد الثانية بعنوان "سعادته ... السيّد الوزير".وفي هذه التدوينة الورقات الأولى من المقدّمة التي كتبتها لهذه الرواية.)
     كتب حسين الواد هذه الرواية قبل الثورة التونسيّة بسنوات.ولسنا نشك في أنّه قد استلهم ،زمن كتابتها، بعض ما كان يتداول من أخبار عن دولة الفساد والسرّاق وفضائح وزرائها وزعيمهم وعائلته المالكة تاركا البقية ، ولعلّها الأهم في حساب الفنّ، لمنطق الحكاية وصناعة الرواية.
     وقرأنا المخطوط ،إثر تجهيزه للنشر، بعيد الثورة.فوجدنا أنفسنا مدفوعين إلى استحضار نثار من تلك الأحاديث التي فاحت روائحها العطنة ، هنا و هناك ، لفرط بذاءتها ونذالتها. فبدا العالم الفنيّ الذي صنع من خيال الكاتب مشاكلا لوجوه من الواقع الذي كشفت الأيام بعض أسراره.
     غير أنّك لن تجد في هذه الرواية ، وإن قرّبت وشبهّت، وزيرا بعينه وأكبر ظني أنّك ستظل تقرّب تقريبا و لا يقين باديا لك.ويعسر عليك،مهما اجتهدت ، أن تجد هذه الواقعة أو تلك الحادثة تحديدا ولكنّك ستلمس لمسا بأيّ منطق كانت تصرّف شؤون الدولة :دولة ناهبي الأوطان وبائعيها ومخرّبي العقول ومستعبدي الناس.
     نعم ، لا جدال في أنّ حسين الواد يتحدّث عن وزير اشتقّه من وزراء سيادته ، القائد الفذّ والمنقذ البطل  والضرورة التاريخيّة ،ولكنّ لكلّ دولة " رجالا " ( ونساء لو ندري ) يخدمونها وفاء لسيادته ...ولعصابته.فتنعتق الرواية بذلك ، على قدر انغراسها في تربتها التونسيّة، من إسار التفاصيل والحيثيّات المحلّيّة لتقدّم لنا ، بفضل المراوحة بين العينيّ الواقعيّ والمجرّد التخييليّ، آليّات الفساد والخراب ومنطق الاستبداد والاستعباد ...ولا عبرة بعد ذلك بالأسماء فعلى مثالي مخلوعي تونس ومصر وعصابتهما  يكون القياس.
     وليس من باب الصدفة أن صاحب هذه الرواية لم يسمّ أحدا من شخصيّات الحكاية عدا خالته " خدّوج" لأمر ما يحتاج إلى بعض التأويل.فغياب الاسم باب إلى التنميط واستخدام الصفة مدخل إلى التعميم  :فالوزير وزير بدوره الذي يؤدّيه في مسرحيّة سمجة ،والاستعارة من الرواية نفسها مع بعض الترشيح، تؤلّفها حكومة رثّة ويخرجها مستبدّ جاهل يرقّيه القفّافون والقوّادون والمصفقون والمطبّلون إلى مصاف القائد الذي تخشى سطوته.
   ولكنّ الخشية ، الخشية كلّها، أن يجد قارئ هذه الرواية ، بعد سنوات من الثورة التي شهدها أو بلغته أنباؤها،بينها وبين واقعه الذي سيكون شيئا ممّا كان وتعود حليمة إلى عادتها القديمة.وحينها سنتساءل ، أنا و أنت أيها القارئ ،بتعالم دارسي الفنّ السرديّ : أهو شرط الفنّ حين يتعالى على ظروف إنتاجه؟ أهي قدرة السرد وألاعيبه على تجاوز التاريخ المعيّن بالمقام؟
    والأنكى أن نتساءل ، بتشاؤم المؤرّخ الحزين في رواية حسين الواد الأولى "روائح المدينة" أو بتعالم من درس الثورات الكبرى والصغرى :أهو التاريخ الماكر يتكرّر ، بمهازله ومآسيه،ويتعاود ، بعبره ومغازيه،فتتشابه الوقائع الأساسيّة والخطاطات العامّة شبه الماء بالماء وإن اختلف الإناء؟
     لست أحبّ أن أنغّص على أبناء بلدي فرحتهم برحيل الطاغية ، فهم الذين سمحوا لحسين الواد بنشر عمله هذا في بلاده بعد سنوات من الحفظ في ملفّات الحاسوب مع إحكام الغلق بكلمة السرّ.ولا أريد أن أبعث في نفوس الراكبين على الثورة وأشباح الثورة المضادة وأزلام النظام البائد بعض الطمأنينة والأمل في عودة حليمة فهم من تدينهم هذه الرواية لدورهم في صناعة المستبدّين ودوام دولة الاستبداد.ولكنني أرى ، ببرودة مصطنعة وحياد من يزعم الاستفادة من "العلم الوحيد الذي نعرفه ونعترف به"، على حدّ تعبير ماركس قاصدا به التاريخ، أنّ رجال الدولة ، مذ كانت الدولة ،أصحاب نفوس يجمح بها الطمع وتجنح بها غواية المناصب وتدفعها عقدة التفوّق إلى احتقار " الشعب الكريم" واستعباده.فالدولة والاستعباد صنوان.
    إنّها نفوس تبني قوّتها ونفوذها الموهومين على أهواء عابرة تغذّيها قيم سافلة منحطّة.ولا يرحم منها ربك أحدا مهما تذرّع بالدين والأخلاق الحميدة أو بالحرّيّة   والديمقراطيّة.واقرؤوا التاريخ إن كنتم في شك ممّا نقول.
    إنّ منطق الدولة ، هذا الكيان المصنوع من وهم وشارات وعلامات، عنكبوت غير مرئيّ وَهِن شديد الوهن ولكنّه يعرف كيف يشدّ إليه تلك النفوس الهائمة.
    وهم يغذّي وهما يزكو بكذب معتّق يستحيل لغة مخادعة مخاتلة يلوكها لسان صفيق ينطق باسم كلّية مبهمة ( شعب أو طبقة أو دين ...) ناسجا بتكرار الأكاذيب خطاب الحكمة والرأي السديد لمصلحة الوطن العليا أو الذود عن الدين أو الاستجابة للحتميّة التاريخيّة ...وما إليه من مشتقّات هذه الخزعبلات.
      وبصرف النظر عن تشاؤم المؤرّخ الحزين الذي صنعه حسين الواد ليقول مثل هذا الكلام ، وقد وسوس لنا به فوجدنا فيه وجها من الحقيقة فأثبتناه، فإنّ قصّة السيّد الوزير وسعادته تدفعنا دفعا إلى مثل هذه الوعي الشقيّ باغترابه واغترابنا.
………………………………….
" مجنون يقتل مجنونا" .القتيل فيها هو الوزير التيّاس رمز السلطة الفاسدة والقاتل نقابيّ  يرمز إلى السلطة المضادّة قد سحقته آلة التفريط في مصانع الدولة للنهّابين و المتنفذّين فذهبت بنضاله السلميّ أدراج الرياح ومحقته آلة الطب النفسيّ تخديرا وصدما بالكهرباء.فما كان له إلاّ أن يتظاهر بالاستقامة طلبا لبعض السلامة ولكنّ ما في القلب ظلّ في القلب.
    شخصان سليمان يلتقيان في مستشفى المجانين لأسباب مختلفة في الظاهر والأصل فيها واحد:دولة نهمة تأكل أبناءها حين يزعجون سيادته يستوي في ذلك من سبّحوا باسمه ونفذوا رغباته فانتهت مهمتهم ومن دافعوا عن حقّهم في الحياة الكريمة ووقفوا ضد بيع الوطن.
        قفلة في الرواية صادمة يُجْهِز فيها رمز النضال الاجتماعيّ السلميّ على رمز السلطة الخائنة.وإن هي إلاّ صورة من صرخة المسحوقين في وجوه الجلاّدين عندما تصل حرب الطبقات إلى مداها المنطقيّ.إنّها حرب كانت بالأمس وحدّثتنا عنها أدبيّات الثورات ومازالت اليوم واقعا وإن اتّخذ أشكالا أخرى بعضها واضح فاضح وبعضها متخفّ مزوّق بأكاذيب الميديا والإعلام. وفي الحالتين لم تطلع من خيالات ماركس و أضرابه من الثوريّين.
    " مجنون يقتل مجنونا " بهذا تنتهي الرواية ولكنه جنون التاريخ المضرّج بالأحمر القاني اختصرته استغاثة النقابيّ في الجملة الأخيرة من نصّ الرواية:"يا لثارات الشعوب".
      نهاية ،كالولادة الجديدة، مضرّجة بالدم في ضرب من النبوءة ، وقد كتبت الرواية منذ سنوات كما قلنا،بما سيكون حين وقف شعبي صارخا في وجه الطاغية " ديقاج " ملخّصا ،بهذه الكلمة السحريّة،ما صاح به النقابي الفصيح أمام السيّد الوزير عندما همّ بطعنه :" يا بيّوع، يا خائن،يا وبش، يا فاسق، يا سارق" مع حفظ الفوارق بين الرواية والواقع وإن كانت الروح واحدة:ثوريّ الرواية أزاح فردا من العصابة وشعبي البطل أزاح زعيم العصابة، والنقابيّ المسالم لم يجد غير السلاح الأبيض لمحو الخائن وشعبي المسالم وجد في نصال الكلام ودروع الصدور العارية ما به يجهز على رأس الخيانة.
      هكذا هي ثارات الشعوب أدوات شتى تتحقّق بها ليتخلّص الناس من السرّاق والخمّاج سواء أكانوا سادة وزراء يمثلون يد السلطة التي تنفّذ ( ديقاج) أم أزلام النظام الذين يبرّرون الفساد والطغيان ( ديقاج) أم عصابة السرّاق التي لا تعرف إلاّ النهب والتمعّش ( ديقاج) أم سيادته نفسه الذي يدير شبكة المافيا ويبيع الوطن ( ديقااااااااااج).


2 commentaires:

محمّد الحاج سالم a dit…

كالعادة، سي شكري، سأسطو على مقالك هذا وأنشره على "مكتبة الشعب الكريم" تعريفا بإبداع أستاذنا حسين الواد، علما وأنّني لا أنتمي إلى "عصابة السرّاق"، فلا تقل لي "ديقااااااج" !

Jalel El Gharbi a dit…

Félicitations pour ce beau blog.