vendredi 23 janvier 2015

الطلياني لحظة تقويم مسيرة اليسار


الطلياني لحظة تقويم مسيرة اليسار و دعوة إلى مراجعة اختياراته: الطليانيّ سيرة أم رواية ؟


نظمت جمعية الدراسات الأدبية بصفاقس زمسية ثقافية تولّى خلالها الأستاذ أحمد السماوي تقديم قراءة في رواية شكري المبخوت «الطلياني» بحضور الروائي وعدد هام من مثقفي الجهة.
وعن هذه الرواية قال السماوي: «بنية رواية الطلياني للأستاذ شكري المبخوت تذكّر ببنية الرواية البوليسيّة وإن ليس ثمّة جريمة ولا تحقيق بل لغزٌ يجعل الراوي كالمرويّ له وراء فكّه. ولا يُفَكّ اللغز إلاّ في آخر الرواية. ووجود حكاية وقيام الرواية على لغز وتوافر حبكة جيّدة هي كلّها عوامل لنجاح الرواية في إمتاعها لقارئها وفي جعله يدرك ذلك ويشعر به.
بيد أنّ الرواية التي نهجت النهج البوليسيّ في الاستقصاء وعرفت شكل البناء الهرميّ في المسرح أو الملحمة تُلبِس على قارئها إذ لا يدري إلى أيّ نوع سرديّ ينسبها، إلى الروائيّ أم إلى السيريّ أم إلى السير ذاتي؟ ثمّة كثيرٌ من المعطيات تيسّر انتماءها إلى الرواية. ولا أدلّ على ذلك من الإشارة النصّيّة على غلاف الكتاب ومن قيام النصّ على سرد بضمير الغائب تارة، فإذا
الراوي غفلٌ أي مجهولٌ، وبضمير المتكلّم، فإذا بالراوي سيرذاتيّ. أمّا السيريّ فيبرهن عليه سَوْق الراوي من الذاكرة أو ممّا أبلغته إياّه الشخصيّتان الرئيستان عبدُ الناصر وزينة من معلومات تخصّ شخصيْهما ونضالَهما طالبيْن في صفوف اليسار وعملَهما في الصحافة أو في التدريس. وأهمّ ما ألحّ عليه الراوي في كلامه على صديقيْه عيشُهما في صباهما وظلّ ذلك بمثابة الوشم الذي طبعهما. فآل أمر ناصر إلى أن يدمن الخمرة والنساء ويتنكّر لماضيه اليساريّ النشط. أمّا زينة فأبت أن تُبقِيَ على علاقة الزواج بناصر وأصرّت على الطلاق منه لتتزوّج إيريك ش. الفرنسيّ. وأمّا السيرذاتيّ فيتجلّى من خلال حضور الراوي بضمير المتكلّم من حين إلى آخر ليثبت أنّه موجود متكلِّما، وإن غادر الحكاية والسردً. ويتجلّى ذلك في وقوفه من صنيع صديقيْه موقف المقوّم والمعلِّق.
وفي هذه الرواية طغيانٌ واضحٌ للخطاب الواقعيّ. فالراوي يعمل على أن يمّحي من التلفّظ ما وسعه، ويصرّ على التسمية ما أمكن، ويورد من التواريخ الدقيقة والتفاصيل المضبوطة ما لا يرتاب معه القارئ في أنّ الحكاية كذلك جرت. ولئن كانت شخصيّات الرواية كثيرةً عدّاً فإنّ ما يميّزها هو دورانها جميعاً حول محور هو الشخصيّة الرئيسة عبدِ الناصر. فهو ينهض بأدوار عديدة ويظهر في اللحظات الحرجة التي تمر بها حبكة الرواية. إلاّ أن شخصيّة زينة لا تقلّ عن شخصيّة ناصر قيمةً، وكذا أمر الراوي الخفيّ الاسم على امتداد الرواية. فهو على صلة متينة بالشخصيّتيْن الأخرييْن يعرف عنهما أكثر ممّا يعرف أحدهما عن الأخرى. وهو لهذا السبب، يستنكف من كلّيّة حضوره ومن كلّيّة معرفته، فيخفّف منهما باستناده إلى أطراف أخرى يستقي منها معارفه حتّى يثبت أنّه لا يفوق البشر قيمة كما هو شأن الراوي الكلّيّ المعرفة عادة. ورغم سعيه ذاك، يظلّ دوماً عاجزاً عن شكم نفسه.
ولعلّ تماهيه أحياناً مع الشخصيّة أن يخفّف من غلواء هذا التطرّف في المعرفة، فيبدي ارتياباً أو ترجيحاً أو تعويما لفكرة مّا. وإذا ما لم يتماه سمح للشخصيّة بأن تبدي رأيها مباشرة. وقد يسرّد أحيانا آراءها. وهو، في كلّ الأحوال، يبغي تأثيراً في سامعه عبر تقديمه صورة عن نفسه مرضيّةً. وما يميّزه أساساً هو وقوفه من صديقيْه موقف الحاني المعجب بشجاعتهما الراغب في أن يكون الوئام سيّد الموقف بينهما؛ لكنّه لا ينفكّ يعبّر عن خشيته من أنّ مصيرهما المحتوم، وهو السقوط، سيكون آخر عهدهما بالحياة المشتركة. والمهمّ هو أنّ الليلة الفاصلة بين بقائهما على وئام وانفراط عقدهما هي ليلة السابع من نوفمبر والتي فيها يعدّ بن علي للانقلاب على بورقيبة. فإذا هذه الليلة الواردُ الكلام عليها في وسط الرواية أي في أوج الحبكة تستدعيها لحظةُ السبّ والضرب اللذين حصلا في المقبرة إبّان دفن الميّت أبي ناصر لتكون وجها من وجوه التفسير لهذه الواقعة.

Aucun commentaire: