mardi 21 mai 2013

تدريب على حرّيّة الضمير


1
واقع لا تحظئه العين المجردة: سوق للأفكار تنتصب يوميّا في بلادنا، أفكار متعدّدة المصادر والمراجع، صراع على المعنى و تأويله حادّ.كلّ يدّعي وصلا بالحقّ الحقيقة البشريّ أو المتعالي. كلٌّ يرى فرقته، بخلفياتها السماوية أو الأرضية، ناجية لا محالة و يرى، متأسّفا، أنّ أغلب الناس لا يعلمون.
و الحاصل أنّ هذا يعكّر صفو الفكر و يدخل سوس الشك في النفوس فيدمّر التوازن الثقافيّ العام ويشوّش بلغة أهل السلطة و قوانينها "صفو النظام العام". 
تضيع البوصلات جميعا بما يبعث في الوجدان إحساسا بالإساءة إلى الآخرين في اعتقاداتهم أو أخلاقهم أو ثوابتهم ومقدّساتهم.
تدور عجلة الاتهامات المتبادلة. كلٌّ يتهم غيره باستيراد الأفكار من الغرب المخرّب للعقول أو من جزيرة العرب الناشرة لأشدّ ما في البداوة من انغلاق فكريّ و تشدّد روحيّ.و الضحيّة في الحالات جميعا واحدة: أسس التعايش و التسامح بغرس بذرة الحقد و التمييز و الكراهيّة و العنف باسم الدين في الأغلب الأعمّ و ضدّه أحيانا.
ما ننساه دائما أنّ الرهان سياسيّ و ليس فكريّا لأنّ الثقافة تقوم على المجادلة بالحسنى ولأنّ الفكر يحوّل طاقة العنف الماديّ غير المحتمل إلى حجاج محمود في الفضاء العام.
2
 منذ سنة، يقبع في السجون التونسية شابّ في المهدية حكم عليه بسبع سنوات و نصف.
 منذ سنة، غادر شاب آخر البلاد فاراّ من الحكم القضائي نفسه طالبا اللجوء السياسي.
و التهمة هي " التجاهر عمدا بالفحش وترويج  نشريات و كتابات أجنبية المصدر و غيرها من شأنها تعكير صفو النظام العام و النيل من الأخلاق الحميدة والإساءة للغير عبر الشبكات العمومية للاتصالات" بحسب منطوق مجلة الاتّصالات المتقادمة التي وضعها الدكتاتور لتحصين عرشه.
و الطريف هو منطلق القضية .فقد رفعها مواطن كريم وأحد المحامين متّهمين الشابّيْن بالمسّ بالمقدسات و التحريض على الفتنة .ممّا تسبب لهما في " ضرر معنوي حادّ".
والوقائع عنيدة لا تقبل الدحض : تحرير كتاب بذئ يهاجم الدين الحنيف وإعادة نشر صور كاريكاتوريّة تسيء إلى النبيّ الأكرم من قبيل الصور الدانماركية و صور "شارلي هبدو".
و الأطراف أمران: أوّلهما إقرار المتّهمين بذلك و اعتبارهما له تعبيرا عن "معتقدات شخصية لا غير" والثاني رفض دفاع المحامين عنه و سكوت جلّ المدافعين عن حقوق الإنسان وهو أمر مفهوم في سياق سياسي يعتمد الصراع فيه على الشحن الديني و توظيف العقائد والمقدّسات.
3
بقيت أسئلة عديدة معلّقة : هل يعتبر هذا الشابّ سجين رأي؟ أم إنّه يستحقّ العقاب بسبب تعمّده الإساءة للمقدسات؟ هل يندرج ما قام به في باب حريّة الضمير والتفكير و التعبير؟ أم أنه من باب التجديف و الهرطقة و الكفر؟
هب أنّ الشابّين يعانيان من " رهاب الإسلام" و يعبّران عن " كراهية للذات" الثقافيّة، وقد اعترفا بإلحادهما، فهل يجوز في مجتمعنا ألاّ يكون للمرء دين؟ هل يحقّ له أن يبدّل دينه؟
هل الفيصل في المجتمعات الديمقراطية هو نوع الفكر المعبّر عنه أم هو بثّ الحقد و التحريض على الكراهية و التمييز واستعمال العنف والحثّ عليه؟ 
هل تحمي حقوق الإنسان الأفراد و حقوقهم في التعبير والتفكير أم تحمي أنظمة الاعتقاد المختلفة؟ هل الحقّ في حريّة التعبير مطلق كما تزعم الدول الديمقراطية أم هو مقيّد باحترام مشاعر المؤمنين إذا أحسّوا بمساس بمقدّساتهم؟
هل ينطبق هذا الإحساس على أصحاب الديانة الواحدة داخليّا أم بين الديانات المختلفة التي ترى نفسها على حقّ و غيرها على باطل ؟ لنتذكر فقط أنّ الأمر لا يخصّنا نحن المسلمين فحسب وإنما الإشكال عالميّ في كلّ دين و بين الأديان جميعا.
ما دمنا بلا دستور فعلى نوّابنا الأفاضل في المجلس التأسيسي الموقّر أن ينظروا في الأمر.
 ما دام لنا رئيس، وإن كان مؤقّتا، فليتذكر أن هؤلاء أيضا أبناؤنا وليتصرّف كما شاء بمنطق الحقوقيّ المبدئي على ما هو مأمول أو بمنطق الحساب السياسيّ على ما يفعل الآن في شأن هذه القضيّة. فكلا الأمرين من صلاحيّاته...الفرديّة.
فقط لنتذكر جميعا أن جابر الماجري و غازي الباجي لم يأتيا من المريخ هما أيضا و لنفكّر لحظة كم من جابر و غازي خارج السجون أو في المنافي. فالرهان أكبر من هذين الشابّين .ولا فرق، حقوقيّا وقانونيا وأخلاقيا، بين أن يسجن المرء من أجل الدفاع عن اعتقاده الدينيّ أو بسبب نقد الاعتقادات الدينيّة .

Aucun commentaire: