mardi 14 mai 2013

ثقافة الإرهاب



1
أخيرا، بعد لأي، وجد جلّ التونسيّين عدوّهم المشترك. فأطلقوا العنان لحماسة وطنيّة تتردّد في أعطافها أصداء من خطاب مصمٍّ سبق لنا سماعه.وجدوا قطعة لحم طازجة ينهشونها في لهفة وتناغم غائم.ومن باب الصدفة لا غير كان اسم هذا العدوّ هو الإرهاب السلفيّ.
فجأة تبدّل كلّ شيء. لم يعودوا يبشّرون بثقافة لا تمثّل خطرا ولا عادوا ضحايا لقانون الإرهاب الظالم الذي وضعه الحاكم المستبدّ. بدأت الجوقة تردّد أهازيج الوحدة الوطنيّة الصمّاء والدفاع عن الدولة وتمجيد جيشنا الباسل وأسود أمننا الوطنيّ.
هكذا، بعد أن سال دم وبُترت أرجل وشُوّهت وجوه أصبح المنادون بثقافة جديدة قطعانا من الحالمين بجنّات عدن يتدرّبون على تجسيم كوابيس شيوخ يصولون، ولا رقيب في جوامعنا، ولآخرين فتحت لهم القاعات الشرفيّة، صاروا مجرمين لا يفقهون سماحة الدين الحنيف ويتأوّلونه على وجوه لا تمتّ له بصلة، استحالوا دمى تحرّكها أياد خفيّة لنشر الجهالات وإفشال حكومتنا الفاشلة أصلا. فجأة تبيّن أنهم ليسوا فزّاعة من صنع الإعلام ومبالغاته ونواياه السيّئة وليسوا أزلاما.كانوا وهاهم هنا.
ما يتناساه بعض المشاركين ، طوعا أو كرها، في هذه الجوقة، بعد صمت مريب أو دفاع بائس مناور، أنّ المسألة أبعد شأوا ولا شيء يوقف هؤلاء. فلا العلَمُ علَمهم ولا النشيد نشيدُهم ولا المجال الجغرافيّ مجالُهم ولا الدولة دولتُهم ولا الرموز رموزُهم.هم جند اللّه الغرباء بيننا في المكان والزمان والمعنى يرنّ في ذاكرتهم الحديث الشهير مُهدهِدا مفعما بالأمل :" طوبى للغرباء".
2
أخيرا أصبح لدينا، ككلّ الشعوب العظيمة المحسودة، عدوّ مشترك نعلّق على شمّاعته قبحنا وفشلنا ونتأكّد في مرآته من نصاعة وطنيّتنا وصفاء وحدتنا. لنا عدوّ ينكّل به بعضُنا ليؤكّد صحّة تنبيهه السابق لنا ويتنكّر له بعضُنا الآخر بعد أن برّر ودافع.
لقد تأكّدنا أخيرا أنّهم يروننا لم نغادر الجاهليّة الجهلاء وهم يريدون فتحنا ثانية لنشر نور الله في قلوب أعمتها العلمانيةُ والديمقراطية والسلع الفكريّة الوافدة. ثبت لديهم أنّ جندنا ورجالَ أمننا طواغيت تحمي الكافرين وتصدّ المجاهدين في سبيل إعلاء كلمة اللّه.
والغريب أنّ كلّ شيء كان واضحا منذ البدء، منذ أمد. الخطاطة معروفة مألوفة، جرّبت من قبل فثبتت. فلم التعجّب؟ ولم الدهشة؟ أجديد حقّا ما نشاهده؟
منذ سنوات قليلة منّا من مات دفاعا عن الدولة ضدّ هؤلاء أنفسهم ومنّا من شجب واستنكر ومنّا من رحّب وتعاطف باسم مقاومة الدكتاتور. فما الذي تغيّر يا ترى؟ عودوا إلى صحائف تلك الأيام وقارنوا ما كان يقال وما يقال اليوم. نعَمْ رحل الدكتاتور ولكنّ العَلَمَ وقتها هو العلم الآن والنشيد هو النشيد والدولة هي الدولة.فلمَ يتكرّر الخطأ نفسه؟ مرّة أخرى ما الذي تغيّر؟
3
ثمّة شيء جوهريّ وراء هذا كلّه: هل ترفض ثقافتنا السياسيّة السائدة تغيير هيئة الدولة ونظام الحكم بالسلاح ؟ دعك من صريح اللّفظ وانظر بعين العقل إلى المعاني.
لنتدرّب على استحضار بعض ما علق بالذاكرة من نوازل وأحداث مشابهة .
منذ أسابيع أحيى عدد من مواطنينا الكرام ذكرى إعدام بعض من رفعوا، في أوائل الثمانينات، السلاح  في وجه الجيش التونسيّ قادمين من ليبيا لتنعم تونس باللّجان الثوريّة على النمط القذّافي. فأصبح زعيمُ العصابة ، في حفل ترميم الذاكرة المشروخة، شهيدا من أجل الوطن ومقاوما لدكتاتوريّة بورقيبة.
قبله بسنوات كثيرة، مباشرة بعيد الاستقلال، قامت مجموعة من المدنيّين والعسكريّين بمحاولة انقلابيّة أضحت اليوم لدى البعض حركة ثوريّة قامت ضدّ النظام البورقيبيّ الخائن العميل. فاستحقّ المشاركون فيها صفة المناضلين الأشاوس المدافعين عن هويّة البلاد وعروبتها وإسلامها.
في بداية الألفيّة اعتدتْ خليّة من خلايا القاعدة على معبد الغريبة في جزيرة السياحة التونسيّة، وفي أواسط العشريّة الأولى منها عمدت مجموعة إلى استعمال السلاح في ضواحي العاصمة.حوكموا ثمّ تمتّعوا بالعفو التشريعي العام ووُظّف بعضُهم، على سبيل جبر الضرر، منذ أسابيع قليلة.
منذ أشهر، عاد شابّ من العراق في تابوت بعد إعدامه. أعدّزا له ما يليق بالأبطال من استقبال وتأبين. اعتبروه مجاهدا قاوم الاستعمار الأمريكي والهيمنة الشيعيّة وسيحتسبه المولى ضمن الشهداء.ولهذا الشاب أشباه في إفغانستان وسوريا وليبيا ومالي والجزائر ما طمنا بلدا يصدّر الأبطال الذائدين عن بيضة الإسلام.
ليعد كلّ واحدٍ إلى نفسه يحادثها حتّى يتأكّد ممّا يدين به اليوم  مَنْ يوجدون في جبال الشعانبي. فإذا صحّ عندك ما سبق أو بعضه كنت تبرّر ولا ريب، من حيث تدري أو لا تدري، ما يحدث اليوم من إرهاب مقيت وإن تغيّرت الجهات والأسماء والدوافع والإيديولوجيّات. تثبّت مليّا قبل أن تشارك في وليمة نهش لحم السلفيّة الجهاديّة المتاح اليوم بالمجان. تأكّد قبل أن تشرب على أنخاب الروح الوطنيّة السامية.  

Aucun commentaire: