samedi 13 août 2011

الجامعة والثورة



    شهدت الجامعة التونسيّة في الأسابيع القليلة الماضية ولأوّل مرّة في تاريخها، انتخاب جلّ هياكل التسيير فيها ديمقراطيّا:مديرو أقسامها وأعضاء مجالسها العلميّة وعمداؤها ومديروها ومجالس جامعاتها و خصوصا رؤساء الجامعات.

   لسنا نبالغ ، فلسنا من هواة البلاغة الثويّة، حين نؤكّد أنّه حدث تاريخيّ لا يمكن الاستهانة به لأنّه الحاصل من نضال مرير خاضه الجامعيّون الحقيقيّون ونقابتهم ولأنّه من النتائج العاجلة للثورة التونسيّة التي فتحت أمام الجميع آفاقا من الأمل عريضة لإعادة صياغة الأحلام والأفكار.
     فهل يمكن القول إنّ الجامعيّين قد حقّقوا أخيرا ثورتهم؟
     ليس من حقّ النخب ، بعد الثورة وخصوصا النخبة الجامعيّة، أن تخطئ.فأخطاء النخب، بأوهامها وادعاءاتها ونرجسيّتها وثقتها المفرطة في النفس، قاتلة.
    لقد أهدر الجامعيوّن عموما وقتا طويلا في المعارك الجانبيّة وصراع النرجسيّات ، وتواطأ جزء منهم مع نظام الاستبداد طمعا أو ضعفا أو تشفيّا من أشخاص  أو نذالة متأصّلة في بعض الأفراد.
      والثابت أنّ بعض الجامعيّين وقعوا في الشراك التي نصبها نظام حكم فاشل يحتقر العلم والمعرفة ويخشى المثقفين وأصحاب الرأي والجامعيّين ويحتكر القرار بصلف وعنجهيّة لا نظير لهما (جسّدهما أحد وزراء التعليم العالي السابقين الذين نعفّ عن ذكر إسمه أحسن تجسيد) فأدّى ذلك إلى تدمير إحدى مفاخر دولة الاستقلال بيد الجامعيّين أنفسهم تدميرا يتطلّب من الوقت والجهد والذكاء الكثير لإرجاع الأمور إلى نصابها.
    وربّما احتاجت الجامعة ، شأنها شأن غيرها من مؤسّسات الدولة ،إلى كثير من النقد الذاتي والمصارحة والمحاسبة حتّى تتهيّأ عمليّا للتخلّص من منطق الإخضاع والخضوع وحسابات ردّ الفعل والتشفّي لتبدأ التفكير في أزمتها ودورانها، منذ سنوات، في حلقة مفرغة من العجز عن الفعل والفراغ المقيت الذي تعيشه.فالواقع الذي علينا أن نقوله بكل وضوح ودون مداورة هو أنّ الفكر السائد في الفضاء الجامعيّ فكر محافظ منغلق متكلّس رغم إهاب التحرّر الظاهريّ.وهذا الانغلاق هو الذي يقعد بالجامعة عن كسر الحواجز بين الاختصاصات للانفتاح على الإمكانات الهائلة التي أتاحها الذكاء البشريّ وهو الذي يمنع  الأقسام العلميّة من التعامل في ما بينها لإنشاء براديغمات علميّة مخصبة تخرجنا من تفتّت المعارف وتسمح بصياغة تصوّر عام للمعرفة العلميّة يستجيب لحاجياتنا الاجتماعيّة والثقافيّة و لا يعيد إنتاج معرفة بالية غير متناسبة مع الثورة المعرفيّة العالميّة.
    ورغم ذلك نعتبر أنّ الجامعة التونسيّة أوّل قطاع يستفيد من الثورة فعليّا ويبدأ في إنجاز ثورته.غير أن الرهان لا نراه في آليّة الانتخاب لتأسيس شرعيّة التسيير الجامعيّ ( على أهمّيّة الرهان وقد كسب) بل الرهان الحقّ على الأطر الجديدة والأساليب الممكنة للتفكير الجماعيّ في أمراض جامعتنا وعللها المزمنة والظرفيّة بعيدا عن الوصاية والإخضاع ورفض النقد والاعتراض والاحتجاج.فعلى أساس هذا الأسلوب البائس في التسيير وجد الجامعيّون أنفسهم في دائرة اليأس والإحباط وانعدام الثقة وانتظار القرارات والتعليمات الفوقيّة كأنّها قدر محتوم.
    واعتقادنا انّ كلمة السرّ في هذه المرحلة هي المشاركة.فما كنّا نفتقده ،وعلينا أن نتعلّمه جميعا ،هم التسيير المشترك للشأن الجامعيّ.وهو ما يقتضي أساسا قدرة المسيّرين بشرعيتهم الانتخابيّة على تجاوز نمط التفكير الفرديّ الممركز والاستعداد لتقاسم السلطة المؤسّسيّة وأخذ السلطات المضادّة الطلاّبيّة والنقابيّة والقاعديّة والإداريّة داخل الجامعة وخارجها بعين الاعتبار.
    إنّ هذه المشاركة تحتاج بالخصوص إلى قلب أسلوب العمل على أساس حوار مخصب بين الهياكل الجامعيّة المختلفة وبين الفاعلين في الفضاء الجامعيّ ينطلق من القاعدة إلى القمّة دون مركزة مفرطة للقرار.إنّه لتمرين عسير ولكنّه ضروريّ حتّى لا تفشل الديمقراطيّة الجامعيّة.
    وأشدّ عسرا من ذلك حماية المؤسّسة الجامعيّة من كلّ نزعة هيمنة سياسيّة أو إيديولوجيّة.فالجامعة هي موطن الفكر النقديّ بامتياز تتصارع فيه الأفكار والآراء والإيديولوجيات خصوصا في مجتمع تعدّدي لتتحوّل من اختيارات فرديّة إلى مواضيع تفكير علميّ تتناول وفق النظريّات والمناهج العلميّة المعمول بها لدى المجموعة العلميّة العالميّة.فللجامعات ،إذا تمسكت بالتقاليد الجامعيّة ،آليّات للتعديل الذاتي يمكّن العمل بها من منع كلّ ما يمسّ بالحرّيّات الأكاديميّة وكلّ فكر سياسيّ أو إيديولوجيّ لا يصاغ على مقتضى المعرفة العلميّة.
    فلئن كانت الجامعة جهازا من الأجهزة الإيديولوجيّة للدولة تنتظم وفق قواعد ومدوّنة سلوكات وممارسات ضمنيّة لإعادة إنتاج نفسها وإعادة إنتاج الإيديولوجية السائدة فإنّها قادرة بحكم المسافة النقديّة التي تتمتّع بها على أن تتجاوز شرطها المؤسّس المرتبط بوظيفة تكوين الإطارات التي يفرضها التقسيم الاجتماعي للعمل.فالجامعات في بلداننا ساهمت في تأسيس الفكر الحديث وصنعت جانبا من إيديولوجيّة الدولة ومنظومة القيم الاجتماعيّة والثقافيّة ولم تكن بحكم حداثتها مجرّد حامية للإيديولوجية السائدة. واعتقادنا انّ الجامعة التونسيّة في السياق الراهن مازالت قادرة على أن تواصل مهمّة التحديث الفكري والثقافي والعلميّ والتقنيّ والاجتماعيّ رغم ضعف دورها التاريخي الذي جعل منها مصعدا اجتماعيّا.
    هل يمكن القول إنّ الجامعيّين قد حقّقوا أخيرا ثورتهم؟
    إجابتنا التي نراها أنّ الجامعة وفّرت شرطا أساسيّا من شروط ثورتها وهو استقلاليّة هياكلها العلميّة وبدأت تصنع سلطتها الشرعيّة ومن ثمّة سلطاتها المضادّة.ولكنّ طريق الثورة الجامعيّة مازالت طويلة محفوفة بالمخاطر الذاتيّة والموضوعيّة.وفي الحالات جميعا لا يحقّ للجامعيّين الخطأ لأنّهم من أهمّ صانعي العقول والمواطنين الجديرين بصفة المواطنة في مجتمع فقير لا يملك إلاّ ذكاء أبنائه.

      

2 commentaires:

محمد الشيباني a dit…

نوافقك كثيرا على التشخيص ، ولكن من المهمّ إيجاد الآليات الفعليّة لتحقيق مصالحة شاملة للجامعي مع نفسه بالأساس من حيث إعادة تحديد دوره العلمي والبحثي والثقافي العام في محيطه الداخلي والخارجي، بعد أن دبّ اليأس أوالفساد التربوي عند قطاع عامّ من الجامعيين. إنّ الاجابة عن سؤال أي دور للجامعة اليوم؟ ماهي رهاناتها؟ كيف نعيد الاعتبار لشروط التمكّن من المنجز العلمي العالمي ، لنحلم بإنتاج المعرفة، بما في ذلمك مراجعة هيكلة الجامعات والمؤسسات الجامعية من جهة توزيعها الجغرافي وتكامل أدوراها.
ومن المهم كذلك تعميم المشاركة على مختلف الفاعلين من اساتذة وباحثين مباشرين ومتقاعدين وطلبة وإداريين وعملة، ونسيج اقتصادي ومدني ،،،
بقيت ملا حظة أخيرة ، والحديث في هذا الباب يطول، ضرور وضع ما حفّ بالعمليّة الانتخابية للهياكل المسيّرة للجامعة : مجالس جامعات ورؤساؤها، عمداء ومديرين ومجالس علمية واقسام، دون نسيان الانتخابات النقابية: مؤتمرالجامعة العامة، من تجاوزات مخجلة، تدور على الإقصاء والتشويه، ومن إخلالات في التصوّر والشعارات والممارسات من الأصدقاء والخصوم والتي تدلّ على أنّ رياح الديموقراطية والاختلاف والتعايش في الجامعة(هذا الفضاء النخبوي النوعيّ مبدئيا) دونها صروح يستعصي فتحها إن لم نمرّ بالسرعة القصوى إلى حوار وطني يضع سؤال الجامعة موضعا لائقا به لتنقية أجواء تؤسس للانصراف الى العمل . صديقك محمد الشيباني

chokri a dit…

العزيز محمد الشيباني
شكرا على الزيارة
ما قلته صحيح والملفات كثيرة والعلل تبدو أحيانا مستعصية ولكن منطق التدوينة يفرض الإيجاز والتكثيف في انتظار العودة إلى التفاصيل
تحياتي