mardi 11 juin 2013

عودة التجمّعيّين

عادوا كأنّ شيئا لم يقع





1
يعودون اليوم بلا حياء. يتقوّى عودهم ويشتدّ يوما بعد يوم. كأنّ لاشيء وقع. يتنصّلون من الدكتاتور كما لو أنّهم لم يستفيدوا منه ولم يناصروه. أصبحوا هم أيضا من ضحاياه ونسوا أنّهم كانوا جلاّدين يأتمرون بأوامره وينفخون من روحهم الحقيرة في صورته.
نفهم أن ليس للغريق إلاّ التمسّك بقشّة. ونعرف أنّ الشريك في الجريمة يسعى بغريزته إلى التنصّل من المجرم الثابت.
وبالمقابل، يخطب اليوم، ومنذ أيّام، أكثر السياسيّين ودّهم ويتسابقون لتقاسم لحمهم الذي يرونه نافعا شهيا في مأدبة التحالفات والتوازنات والمناورات السياسيّة ويزنون أصواتهم وخبرتهم في التجييش والتعبئة في الحفلات الانتخابيّة.
سعي محموم بائس، في الظاهر، لمنعهم من الوجود بالجملة باسم تحصين الثورة وتحقيق أهدافها. سعي يشارك فيه الذين يغدرون الثورة بإخلاص أو يهدرون رأسمالها بغباء متأصّل.
وفي الباطن تتوزّع القبائل السياسيّة دماء "أزلام النظام البائد" وفلوله، وحتّى رموزه، تارة باسم المحاسبة القضائيّة الفرديّة وطورا باسم الواقعيّة الانتهازيّة التي لا تقال وطورا ثالثا باسم عفا اللّه عمّا سلف مادام باب التوبة ( والأحزاب) مفتوحا لكل من يناصر هذه العشيرة أو تلك.
2
في هذه السوق السورياليّة المنتصبة بعد الثورة ضدّ آلة التجمّع المنتجة للدكتاتوريّة يجد التجمّعيّون بأصنافهم مكانا يسمح لهم بالمناورة والتأثير وتقديم الخدمات لهذا الطرف أو ذاك. أصبح لهم قول يصدحون به ورأي يدلون به على موائد الحوار والنقاش والتفكير في مستقبل البلاد. لهم هامش للمناورة والتحالف وممارسة ما اعتادوا عليه من بحث عن المواقع وتقديم الخدمات للراغبين في خدماتهم كأنّهم يعرفون أنّهم رقم ممكن في معادلات هشّة فيقبلون، بحثا عن تحصين وجودهم واستمراره، سياسة ضرب رأسٍ برأس للتسلّل خفية أو وبوقاحة إلى المشهد العام مقدّرين أنّ العاصفة مرّت ولا سبب للاستمرار في الانحناء يشجّعهم في ذلك تنافس الأطراف المختلفة على خطب ودّهم. إنّه زمن المضحكات والمبكيات والإخفاق والفشل في الالتزام بالحدّ الأدنى من الوضوح والحياء.
ليس الأمر عندنا مرتبطا بالأشخاص فردا فردا. وإن كان لبعضهم من الإثم التاريخيّ في هذه البلاد ما تقعد القوانين السائدة والقضاء الباحث عن استقلاليّته عن المحاسبة عليه. انظر جيّدا لهؤلاء الموقوفين من رموز الاستبداد الذين أفسدوا في الأرض كيف يعجز القضاء عن أن يسمّي جرائمهم ويوثّقها ويدخلها في منطقه العادل مبدئيّا.وسيفرج عنهم، ولا ريب، لعدم كفاية الأدلّة التي رآها الجميع ولكن لا أحد تكفي شهادته للإدانة.
ليس الأمر مرتبطا بالجماعة في كلّيتها فهي كيان مبهم معنويّ تربّى على أخلاقيّاته غير الحميدة أكثر الفاعلين ويقلّده كثير من الماسكين بدفة السفينة اليوم. فثقافة التجمّع أشدّ ترسّخا ممّا يعتقد. لقد سقط الإسم، في صبيحة ذلك اليوم المشهود في السادس عشر من جانفي 2011، ولم يمح المسمّى.
3
لم نسمع أحدا من هؤلاء الذين يعودون اليوم بوقاحة لا نظير لها وبتبجّح غريب ليكشف لنا آليّات الاستبداد ودوره فيه ويعلن على الملإ توبته ويعتذر عن مشاركته في حفل قتل التونسيّين عرقا عرقا ليشرب من دمائهم الدكتاتور. فالاعتراف والاعتذار كافيان عندي للاغتسال من أدران سنوات من العفن الكريه. لا أحد فعل ذلك ولا أحد ممّن يزعم حماية البلاد من عودة الاستبداد دفعهم إلى ذلك ففتحت السلطة المرتبكة العاجزة قصيرة النظر الباب والشبابيك والكوى لعودتهم من المنافذ جميعا. وسيعلم هؤلاء أيّ منقلب ينقلبون وإن استفادوا من خبرة من تربّوا على الولاء للسلطة القديمة وهاهم اليوم يتبارزون في الولاء للهواة الفرحين بالسلطة الجديدة.
كان ما كان يمكن ألاّ يكون. لقد صفّر القطار وسقطت أوراق التين السياسيّة والأخلاقيّة فليكفّوا عن الثرثرة برطانة ثوريّة لا تليق بهم والتحدّث باسم ثورة برّزوا في غدرها ووأدها في المهد. وهنيئا للمؤلّفة قلوبهم المتسربلين بالتقوى والإيمان أو بالدفاع عن مكاسب الحداثة ..حداثة التجمّع القديم ...والجديد.     
 



2 commentaires:

bacchus a dit…

يعلن على الملإ توبته ويعتذر عن مشاركته في حفل قتل التونسيّين عرقا عرقا ليشرب من دمائهم الدكتاتور.
أجل وسقطت ورقة التوت ولكنّ العري عندهم سبيل إلى البقاء في (جنتهم) فلا من ينزلهم الأرض عقابا ولا من يبقيهم هناك ثوابا
هم كشهريار الحكيم معلقون يدعون المشانق لتعلقنا جميعا وآآآه يا تونس
نص جميل سي شكري

chokri a dit…

شكرا على مرورك باخوس