عن مجموعة السيدة الرئيسة لشكري المبخوت
محمّد السباعي، روائيّ مصريّ
تطالعنا جاكلين بروك زوجة بيكاسو الثانية على الغلاف الامامي
وهي اللوحة التي رسمها بيكاسو عام 1954م بعنوان جاكلين مع الورود لكن اللوحة كانت على
الغلاف بدون المربعات التي تحوي الورود كانت جاكلين فقط بلا ورود، وكتب العنوان مكان
الورود"السيدة الرئيسة" على سطرين، وكأن الغلاف يعكس السيدة رئيسة بلا ورود،
وحيدة مرفوعة الرأس طويلة العنق.
أما الغلاف الخلفي اقتباس جذاب من قصة "السيدة الرئيسة"
يوحي بقصة رومانسية لحد كبير، وغير مكتوب من أي قصة من المجموعة كان هذا الاقتباس،
فمن راقه عليه البحث عنه داخل المجموعة.
يبدأ المبخوت مجموعته بقصة بعنوان "صورة سيادته" صغيرة
الحجم وأقصد القصة وليس الصورة، سريعة الإيقاع، ولأنها تجريدية فيمكن رؤيتها من أكثر
من زاوية وإلباسها ما في الهوى من انطباعات حول تأويلها، وفي نفس الوقت إن قرأناها
كما هي دون تأويل فهي مباشرة المعنى والمفهوم مما يأخذنا لمقصود واضح... وفي اختيار
القصة الأولى والعنوان الأول يضع المبخوت منهجاً خفيا يربط المجموعة "سيادته"
فيبدأ بصورة سيادته ويأخذنا للتعرف في قصة أخرى على "إعلام سيادته" و"صحافة
سيادته" سخرية وتهكم من واقع لا يمكن إنكاره لا يضخمه "العميد" بل ينقله
بتجريد من شوائبه ليطل واضحاً، وقبل تملل القارئ من فساد "سيادته" المنعكس
في صور متعددة يطل خيط آخر يضاف لعصر "سيادته" اليمين الظلامي واليسار التائه،
فننتقل من أعلى الجبل من "صورة سيادته" لنمر بقلب مؤسسات سيادته نازلين حتى
الوادي... المجتمع في عصر "سيادته"... الضوابط والشواغل... المحددات... وحتى
ما آل إليه الطموح بعد رحيل "سيادته" ماذا ترك؟ ومن حمل الإرث؟ أو نهبه...
هذا متروك للقارئ ليقرر فيه... وعندما نصل للقصة الأخيرة "السيدة الرئيسة"
والتي نصل إليها بنسق يجعلنا نتوقع أنها حول السيدة الأولى أو سيدة "سيادته"
فنجدنا أمام قصة من نوع آخر ربما سيلاحق ذئاب الرجال المبخوت بعدها لفضحه كتابهم الأسود
في اصطياد الأنثى... أساليب الشيطان المثقف في الصيد والتخلي... سيبتسم الكثيرون عند
قراءتها... الاحتياج... توفير مناخ القبول... الحصول والتمتع... ثم الخروج الآمن...
وبعد الانفعال وإلقاء اللوم على اليساري المتسلق والمستغل للطبقة المتوسطة "برغبتها"
وفقا لما يعرفه عن احتياجاتها ومخاوفها... فيتحصل هو على المتعة المجانية ويترك لها
الكثير من الألم بالإضافة لبعض المتعة التي رغبتها، ويجعل هروبها منه من وجهة نظرها
هو قمة الانتصار فهو مريض، عنيف ومستبد... وصفته هي بكلب السلطة وقد تكون أخفت في سريرتها
الأسوأ... وبعد امتصاص موجة الغضب تتبين حقائق أخرى... الطبقة المتوسطة العاملة الفاعلة،
قلب الدولة وعمودها... تحتاج وجدانيا لمثل هذا المثقف لا تحتاجه شيطاناً لكنها تحتاجه،
فهو من يستطيع باتساع رؤيته أن يحتوي طموحاتها ويؤمن مخاوفها... لكنه شيطان... فهل
عليها الرضوخ لمن يعرف مفاتيحها أن يعبث بها ويلهو؟... هي لن تقبل أن تسلم جسدها لمن
لم يحتل عقلها... ومن دون هذا الشيطان مهما بلغت قدرتهم الجسدية لن يصلوا بها لقمة
نشوتها الجسدية لقصورهم في إمتاع عقلها... فهل هذا هو المتاح لطبقة كاملة؟ إما الرضا
بالأقل أوالتنازل للشيطان المثقف؟ هل بتلك الطبقة من يمكنه أن يحتل وجدان "فائزة"؟
أم ستظل هي الفائزة في طبقتها والمؤمنة بدورها وأن تقبل النقص الوجداني والاحتياج الشعوري؟
أم عليها قبول المغامرات المتقطعة المتابعدة أو المتقاربة مع الشياطين المثقفة؟ أم
ستتحول كما قال لها "عبد الناصر" لعاهرة بتغير وتطور احتياجاتها؟ كالعادة
لا يغلق "المبخوت" الأبواب من خلفه بل يترك الكثير من المفاتيح للعديد من
الأسئلة التي تقود بدورها للمزيد منها...
الشخصية الرئيسية في المجموعة هي شخصية اعتبارية "سيادته"،
والحدث له حدود زمان ومكان داخل تونس أثناء وما بعد فترة ولاية "سيادته"
والدافع هو استفزاز العقول للسؤال... أما الوسيلة فهي لغته الخاصة التي تلعب دورا مهماً
في المجموعة مفردات محلية قليلة تركيبات لغوية بسيطة ومباشرة كمن يحكي لكل الأعمار،
لا يعتمد على الاستعارات ولا يعتمد على قوالب مستهلكة فلن نجد إلا أقل من صوابع اليد
الواحدة أذكر منها "الأفاعي وسمها الزعاف" وأذكر أيضا "انطللق السهم
ولا سبيل لعودته للقوس" ولا أذكر المزيد، كما يظهر اهتمام المبخوت بالشخصيات من
خلال اللغة فلكل شخصية بقدر الإمكان لغتها الخاصة المعبرة عن خلفياتها ولا ينقص المجموعة
إلا الأداء الصوتي التعبيري ليجعلها "حكايات" يمكن حكيها بسهولة.
في الوقت ذاته تتميز تلك المجموعة بوضوح العلاقة بين عقل المؤلف
وعقل القارئ، ويتعامل معها "العميد" بقدسية العاشق ولا يترك بها مكاناً للناقد،
فهي علاقة بسيطة واضحة صادقة لا تسمح بوجود "عزول" فلا يحتاج القارئ لقراءة
نقدية ولن يؤثر كلام النقاد أو "العوازل" في تلك العلاقة... مما يضعنا أمام
أدب بسيط لا يمكن تصيده أو اصطياده لا يحتاج للنقد المعياري فلن يضيف إليه ولن يقلل
منه، بل يحتاج للقراءة بأعماق مختلفة ورؤى متنوعة، أدب يأخذ فيه القارئ رأي القارئ
فالمتخصص هنا هو القارئ... كيف قرأ؟ ماذا فهم؟ إلى أي حد استمتع؟ وتكون القراءات التحليلية
تأويلا ينتج عنه نص آخر فتتحقق مقولة "الناقد يقرأ ليكتب، فهو كاتب بلا نص"
ولكن الفرق أنه سيكتب ما يقرأه القارئ وليس دارسي الأدب وحراس اللغة المقدسة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire