يبدو أنّنا دخلنا مرحلة تتميّز بالتشكيك في الأسس التي اعتبرتها النخبة التونسيّة الحديثة، عصريّين وزيتونيّين، مميزة لما يبدو لنا استثناء تونسيّا.
فالتنوير أفق رنت إليه هذه النخب منذ أواخر القرن التاسع عشر على الأقلّ في إطار الجمعيّة الخلدونيّة.فقد كانت هذه الجمعيّة بديلا من التحنيط الذي عرفه التعليم الزيتونيّ فانقطع عن مقتضيات العلم الحديث. فقامت استراتيجية الخلدونيّة على الجمع بين المدرسيّين من أبناء الصادقيّة والمتنوّرين الأذكياء من أبناء الجامع الأعظم. إضافة إلى ذلك شهد تاريخ التنوير التونسيّ تأسيس جمعيّة قدماء الصادقيّة سنة 1905 وحركة الشباب التونسي بعد سنتين من ذلك والحزب الحرّ الدستوري سنة 1920 وجامعة عموم العملة التونسيّين بعد أربع سنوات.
لم تكن هذه الحركيّة الجمعيّاتيّة والسياسيّة والفكريّة مجرّد صدفة سعيدة من صدف التّاريخ بل هي تدلّ دلالة قويّة على اختمار الأفكار الحديثة واتخاذها شكلا مؤسّسيّا يحميها ويعبّر عن وعي ثقافيّ وحضاريّ عميق.
ولم يكن اجتماع الفاضل ابن عاشور وعبد الجليل الزاوش والبشير صفر والعربي الكبادي وعبد الرحمان الكعاك وسالم بوحاجب، على سبيل الذكر لا الحصر،إلاّ صورة من تعامل النخبتين وشوقهما معا إلى التحديث.
وليس من باب الصدفة أيضا أن تكون عشرينات القرن الماضي مجمع التقاء الأفكار المجدّدة من «تونس الشهيدة» و«روح التحرّر في القرآن» للثعالبي و«تطوّر تونس الاقتصادي» لمحمد الصالح مزالي و«العمال التونسيّون وظهور الحركة النقابيّة» و«امرأتنا في الشريعة والمجتمع» للحدّاد إلى «الخيال الشعريّ عند العرب» للشابّي وقبلها جميعا «أليس الصبح بقريب» لسماحة الشّيخ محمد الطاهر بن عاشور حول مأزق التعليم الزيتوني. دون أن ننسى ما كانت تحفل به الصحف باللّغتين العربيّة والفرنسيّة من أفكار وتصوّرات جديدة عصريّة.
إنّه عقد الأسئلة الكبرى الدائرة على الحداثة التونسيّة في السياسة والمجتمع والفكر والتعليم والثقافة واللّغة والاقتصاد وجميع مناحي الحياة.وهو في تقديرنا بداية تشكّل الوعي التنويريّ وصياغته مكتوبا على نحو واضح لا لبس فيه ومنطلق تطوير ما سيأتي بعده من لبنات واختيارات وممكنات تاريخيّة.
وبعيدا عن القراءات الثأريّة للتاريخ، وما اكثرها اليوم انتشارا أو القراءة التمجيديّة لهذه الشخصيّة الوطنيّة او تلك وما أضعف وعيها بالتاريخ الثقافي التونسيّ، نعتقد أنّ دولة الاستقلال والأفكار التحديثيّة القويّة التي غيّرت البنية الثقافيّة والاجتماعيّة في بلادنا لم تنبثق كطائر المينرفا من جمجمة جوبيتار.ومينرفا في سياق الحال رمز للزعيم بورقيبة الذي أوتي حكمة السير في طريق العصر والأنوار.
فلئن كنّا لا ننكر ما للأفراد من دور في التاريخ، بفضل الجرأة مثلا أو الغباء أحيانا أو جنون العظمة أحيانا أخرى، فإنّ مقاربة بنية الواقع التونسيّ بثوابتها وإبدالاتها لتؤكّد أنّ ما جاءت به دولة الاستقلال والنخبة الحداثيّة التي التفّت آنذاك حول زعيمها التاريخي كان منخرطا ضمن مسار لحركة التاريخ نكاد نراه طبيعيّا.
إلاّ أنّ لشمس الحداثة وأنوارها ظلال أيضا كما انّ لدولة الاستقلال ضحاياها.فإذا تركنا جانبا من كانت مصالحهم تناقض الديناميكيّة الجديدة لشدّة محافظتهم ووعيهم المحدود بالتاريخ فإنّ الزعيم صالح بن يوسف الذي يستخدم اليوم، وهو الصوربوني الحداثيّ مزدوج اللّغة والثقافة صنو الزعيم بورقيبة، للمزايدة على التاريخ والتآمر على الذاكرة والتوظيف السياسي الغبيّ لا يندرج، ثقافيّا، ضمن نفس الاتجاه المحافظ.
فبن يوسف هو بورقيبة الذي انهزم سياسيّا. ولولا خشية الدخول في علم الغيب وقراءة التاريخ بمرايا محّدبة او مقعّرة لقلنا كان ما سوف يكون.. وكان بن يوسف سيفعل، وإن بنسق أضعف، ما فعل بورقيبة. فماذا فعل الزعيم المنتصر المظفّر وماذا كان سيفعل الزعيم المهزوم المغدور لو انتصر ؟
ببساطة سيظلّ كلاهما وفيّا للاستثناء التونسيّ: رغبة جامحة في الانتماء إلى الثقافة الحديثة من خلال اللّغات وإن من كوّة الفرنسيّة، و كثير من الرغبة عن الغرق في المحافظة والسباحة ضدّ تيار التجديد التاريخي الذي انخرط فيه دعاة الهويّة الجامدة.
والسبيل إلى ذلك بيّنة : الوفاء للتحالف التاريخي بين أبناء النور من الزيتونيين والمدرسيّين، والمراهنة على التعليم بمواصفات حديثة في عمومها.
فعلى من يتوهّم انّه يمكنه التشكيك في أسّ الثقافة التحديثيّة التنويريّة التونسيّة متعلّقا بأضغاث أحلام يرى فيها التعليم الزيتوني الكلاسيكي، وقد ردّه الزيتونيّون المتنوّرون قبل الحداثيّين، أن يكفّوا عن الصدام مع ديناميّات التاريخ وإضاعة مزيد من الوقت الحضاري العامّ. فالأرجح أنّهم سيجدون انفسهم، طال الدهر أم قصر، مرّة أخرى في هوامش التاريخ... الحديث.
* يصدر في " أكاديميا" بداية جويلية ، عدد خاص بالتعليم العالي في تونس من قرطاج إلى دولة الاستقلال.
4 commentaires:
"Les rhéteurs ont constamment regardé memoria comme nécessitant plus qu'une simple mémorisation. L'orateur devait également avoir à sa commande un vaste corpus de connaissances pour permettre l'improvisation, pour répondre aux questions, et réfuter les arguments opposés. Dans les temps anciens, l'oraison a beaucoup intervenue dans le cadre des débats, des dialogues, et d'autres paramètres, dans lequel les orateurs se devait de réagir à d'autres. En outre, les rhéteurs ont également reconnu que la crédibilité d'un haut-parleur ne dépendait pas seulement de la force de ses arguments préparés, mais de la perception de l'auditoire. En Grèce, Rome, et de la Renaissance, la familiarité d'un locuteur de nombreux domaines de l'apprentissage a été considérée comme une vertu."
(Je crois qu'on à moi et après avoir lu tes diatribes et compte tenu aussi de la courte mémoire des croyances de tous bords, qu'on en a besoin d'un aussi pertinent rappel).
أهلا سي لطفي.متى نكتب موجزا بتاريخنا الثقافي؟..أمستعدّ للمغامرة؟
أكون في غاية السعادة لو التقينا على هكذا مشروع
مشروع قديم سيرى الوجود ...بضعة ايام للبحث عن وثائقي
تحياتي
Enregistrer un commentaire