mardi 3 avril 2012

انتهى الحفل الانتخابي ، ثمّ ماذا؟





    انتهت انتخابات ممثّلي الطّلبة بالمجالس العلميّة بمفاجآت سارّة للجميع تقريبا. فأمّا طلبة الاتّحاد العام لطلبة تونس (المحسوب على اليسار) فقد اعتبر النّتائج نصرا تاريخيّا يؤكّد وقوف النّخبة ضدّ النّهضة ومشروعها الاجتماعي والسّياسي وأمّا طلبة الاتّحاد العام التونسي للطّلبة ، المحسوب على الإسلاميّين و المدعوم صراحة من شباب حركة النّهضة ، فقد اعتبر النّتائج مشرّفة له بعد عقدين تقريبا من المنع و القمع .و أمّا سلطة الإشراف فقد سجّلت بارتياح كبير انتهاء الانتخابات دون مشاكل تذكر و أمّا رؤساء الجامعات و المسؤولون على المؤسّسات ، مديرين و عمداء ، فقد تنفّسوا ،والحقّ يقال، الصّعداء لأنّ التوقّعات كانت منذرة بعنف كبير بين اليساريّين والإسلاميّين.
انتهى الحفل وخرجت جميع الأطراف منتشية. ولست أريد أن أكون مفسدا لهذه الفرحة ولا لهذا الانتشاء. فقط أودّ أن أبرز ما أراه جزءا فارغا من الكأس. فقد ثبت ضعف مشاركة الطّلبة في اختيار ممثليهم في هيكل بيداغوجي وعلميّ محوريّ في حياة المؤسسات الجامعية إذ لم تتجاوز النسبة وطنيّا خمس الطّلبة المسجّلين بل سجّلنا ،للأسف ، عزوفا من طلبة بعض المؤسّسات عن التّرشّح أصلا لتمثيل زملائهم.
ولئن ركّز المعلّقون على التّنافس بين الاتّحادين الطّلاّبيين فإنّ الواقع الجامعيّ يؤكّد الحضور القويّ ، ترشّحا وفوزا ، لمن اختاروا تسمية أنفسهم بالطّلبة المستقلّين. وهم الفائز الأكبر في انتخابات 15 مارس 2012 من حيث العدد. والواقع أنّنا لا نثق تماما في هذه الاستقلالية لأنّها تضمّ فعليا طيفا واسعا يمتدّ من طلبة التّجمّع سابقا إلى الطّلبة السّلفيين دون أن ننفي عددا ممّن لا يجد في شعارات اليسار ولا اليمين ما يعبّر عن اختياراته.
غير أنّ السّؤال الذي يدعو فعلا إلى التفكير هو : إلى أيّ مدى يمكن لهؤلاء الفائزين أن يمثّلوا زملاءهم ويعبّروا عن شواغلهم ويبلّغوا آراءهم ويدافعوا عنها ويساهموا في حلّ ما أمكن من مشاكلهم ؟ وإلى أيّ مدى يمكنهم أن يكونوا في الآن نفسه مؤثّرين في زملائهم قادرين على تأطيرهم وبلورة تصوّرات بيداغوجية وجامعية جزئية في كلّ مؤسّسة أو كلّية تهمّ المنظومة كلّها ؟
إنّ وراء هذا السّؤال سؤالا أهمّ مداره على كيفية خروج ممثّلي الطّلبة بالمجالس العلمية من منزلة "الملاحظ" في أحسن الأحوال، إلى منزلة الشريك الفاعل ذي الدّور الأساسي في القرار الجامعي. وإذا نظرنا إلى الأمر نظرا موضوعيا وجدنا خلطا قد يكون مبرّرا عمليّا بين العمل النّقابي في الوسط الجامعي ومهامّ ممثّلي الطّلبة بالمجالس العلمية. فلئن كان النّشاط النّقابي متعدّد المحاور متّصلا بقضايا كبرى تخصّ الطّلبة جميعا وتتجاوز كل مؤسّسة على حدة (كالسّكن والتّنقّل والمنح والتّربصات والصّحة وآفاق التشغيل ومنظومة التكوين...إلخ ) فإنّ التّمثيل الطّلاّبي داخل المؤسّسات أعلق بالقضايا الخصوصيّة والمشاركة في حياة المؤسّسة وهياكلها الدّاخلية من أقسام بيداغوجية ومجالس تأديب وفضّ للمشاكل الفردية والجماعية الطارئة وإيجاد صيغ سليمة للتّواصل بين الطّلبة والإدارة من جهة وبينهم وبين الأساتذة من جهة أخرى.
إنّ تعقّد مشاكل الطّلبة وتراكمها منذ عقود وانشغال النّاشطين النّقابيين بالجانب السّياسي لمقاومة الدّكتاتورية ومسار القطيعة التّنظيمية والسّياسية التي تولّدت عن حركة فيفري 1972 وغيرها من المعطيات قد شلّت فعليا العمل النّقابي بالجامعة وأضعفت قدرة الاتّحاد العام لطلبة تونس عن تحقيق مكاسب حقيقيّة للطّلبة تارة بسبب تعنّت النظام وتارة أخرى بسبب رغبة بعض مكوّناته عمّا يعدّ ، عندهم باسم الثوريّة،عملا إصلاحيا. فخسر الطّلبة ليزداد بؤسهم وخسر الاتّحاد ليزداد تشرذما وراديكالية لا تتجاوز الشعارات.
 والحاجة اليوم ماسّة لردّ الاعتبار إلى العمل النّقابي وفتح الملفّات الحارقة ومعالجة المشاكل المزمنة خدمة للطّالب وللجامعة ولمستقبل النّخبة التونسية. وبالمقابل فإنّنا نحتاج إلى إعادة النّظر في صيغ التّمثيل الطّلابي بالمجالس العلمية والأقسام البيداغوجية وآليات العمل الطلابي بالجامعة عموما.
من ذلك أن تشريك الطلبة تشريكا ناجعا وتمثيلهم تمثيلا فعليّا لا يمكن أن يظلا على الصّورة المعمول بها حاليا. فالرّأي يتّجه نحو اختيار ممثّلي الطّلبة في مستويات متعدّدة.
 أوّلها مستوى كلّ فريق من فرق التّدريس حتى يكون الطّالب المنتخب من زملائه ممثّلا لفريقه أمام إدارة القسم والأساتذة. وثانيها مستوى سنوات الدراسة داخل القسم الواحد ليصبح الطالب المنتخب من بين ممثلي الفرق المحاورَ المباشرَ لرئيس القسم في كل ما يتّصل بسير الدروس والعلاقات بين الطلبة والأساتذة والمشاكل الطارئة في الاختبارات والامتحانات. وثالثها مستوى المعهد العالي أو المدرسة أو الكلّية ليكون الطالب المنتخب من بين ممثّلي الأقسام ممثّلا للطّلبة في المجلس العلمي. حينها ستتوفّر للطّلبة والإدارة معا عبر الديمقراطية المباشرة ومن خلال المشاركة القاعدية في كلّ فريق وفي كلّ قسم صيغ مرنة للتّواصل والتّحاور في قضايا الطلبة وشواغلهم.
 وهي صيغ ستمكّن في ظنّنا، إذا عاضدها العمل النّقابي بعد هيكلة جميع الأجزاء أو جلّها ، وتدعيم العمل الجمعياتي ، وتطوير عمل النّوادي المختلفة ، من تغيير جذري في الحياة الجامعية و تتيح إمكانات أوسع لتناول القضايا ومعالجة المسائل فرديا وجماعيا على نحو تشاركي يكون الطلبة وممثّلوهم فيه فاعلين مؤثّرين .
لقد انتهى الحفل ، حفل انتخابات ممثّلي الطّلبة ، وانتصر المنتصرون وانهزم المنهزمون ولكن مسألة التّمثيل الطّلاّبي والدفاع عن حقوق الطلبة عامة وحقهم في المشاركة تظلّ في حاجة إلى تدبّر و تفكير.

Aucun commentaire: