mardi 14 mai 2013

ثقافة الإرهاب



1
أخيرا، بعد لأي، وجد جلّ التونسيّين عدوّهم المشترك. فأطلقوا العنان لحماسة وطنيّة تتردّد في أعطافها أصداء من خطاب مصمٍّ سبق لنا سماعه.وجدوا قطعة لحم طازجة ينهشونها في لهفة وتناغم غائم.ومن باب الصدفة لا غير كان اسم هذا العدوّ هو الإرهاب السلفيّ.
فجأة تبدّل كلّ شيء. لم يعودوا يبشّرون بثقافة لا تمثّل خطرا ولا عادوا ضحايا لقانون الإرهاب الظالم الذي وضعه الحاكم المستبدّ. بدأت الجوقة تردّد أهازيج الوحدة الوطنيّة الصمّاء والدفاع عن الدولة وتمجيد جيشنا الباسل وأسود أمننا الوطنيّ.
هكذا، بعد أن سال دم وبُترت أرجل وشُوّهت وجوه أصبح المنادون بثقافة جديدة قطعانا من الحالمين بجنّات عدن يتدرّبون على تجسيم كوابيس شيوخ يصولون، ولا رقيب في جوامعنا، ولآخرين فتحت لهم القاعات الشرفيّة، صاروا مجرمين لا يفقهون سماحة الدين الحنيف ويتأوّلونه على وجوه لا تمتّ له بصلة، استحالوا دمى تحرّكها أياد خفيّة لنشر الجهالات وإفشال حكومتنا الفاشلة أصلا. فجأة تبيّن أنهم ليسوا فزّاعة من صنع الإعلام ومبالغاته ونواياه السيّئة وليسوا أزلاما.كانوا وهاهم هنا.
ما يتناساه بعض المشاركين ، طوعا أو كرها، في هذه الجوقة، بعد صمت مريب أو دفاع بائس مناور، أنّ المسألة أبعد شأوا ولا شيء يوقف هؤلاء. فلا العلَمُ علَمهم ولا النشيد نشيدُهم ولا المجال الجغرافيّ مجالُهم ولا الدولة دولتُهم ولا الرموز رموزُهم.هم جند اللّه الغرباء بيننا في المكان والزمان والمعنى يرنّ في ذاكرتهم الحديث الشهير مُهدهِدا مفعما بالأمل :" طوبى للغرباء".
2
أخيرا أصبح لدينا، ككلّ الشعوب العظيمة المحسودة، عدوّ مشترك نعلّق على شمّاعته قبحنا وفشلنا ونتأكّد في مرآته من نصاعة وطنيّتنا وصفاء وحدتنا. لنا عدوّ ينكّل به بعضُنا ليؤكّد صحّة تنبيهه السابق لنا ويتنكّر له بعضُنا الآخر بعد أن برّر ودافع.
لقد تأكّدنا أخيرا أنّهم يروننا لم نغادر الجاهليّة الجهلاء وهم يريدون فتحنا ثانية لنشر نور الله في قلوب أعمتها العلمانيةُ والديمقراطية والسلع الفكريّة الوافدة. ثبت لديهم أنّ جندنا ورجالَ أمننا طواغيت تحمي الكافرين وتصدّ المجاهدين في سبيل إعلاء كلمة اللّه.
والغريب أنّ كلّ شيء كان واضحا منذ البدء، منذ أمد. الخطاطة معروفة مألوفة، جرّبت من قبل فثبتت. فلم التعجّب؟ ولم الدهشة؟ أجديد حقّا ما نشاهده؟
منذ سنوات قليلة منّا من مات دفاعا عن الدولة ضدّ هؤلاء أنفسهم ومنّا من شجب واستنكر ومنّا من رحّب وتعاطف باسم مقاومة الدكتاتور. فما الذي تغيّر يا ترى؟ عودوا إلى صحائف تلك الأيام وقارنوا ما كان يقال وما يقال اليوم. نعَمْ رحل الدكتاتور ولكنّ العَلَمَ وقتها هو العلم الآن والنشيد هو النشيد والدولة هي الدولة.فلمَ يتكرّر الخطأ نفسه؟ مرّة أخرى ما الذي تغيّر؟
3
ثمّة شيء جوهريّ وراء هذا كلّه: هل ترفض ثقافتنا السياسيّة السائدة تغيير هيئة الدولة ونظام الحكم بالسلاح ؟ دعك من صريح اللّفظ وانظر بعين العقل إلى المعاني.
لنتدرّب على استحضار بعض ما علق بالذاكرة من نوازل وأحداث مشابهة .
منذ أسابيع أحيى عدد من مواطنينا الكرام ذكرى إعدام بعض من رفعوا، في أوائل الثمانينات، السلاح  في وجه الجيش التونسيّ قادمين من ليبيا لتنعم تونس باللّجان الثوريّة على النمط القذّافي. فأصبح زعيمُ العصابة ، في حفل ترميم الذاكرة المشروخة، شهيدا من أجل الوطن ومقاوما لدكتاتوريّة بورقيبة.
قبله بسنوات كثيرة، مباشرة بعيد الاستقلال، قامت مجموعة من المدنيّين والعسكريّين بمحاولة انقلابيّة أضحت اليوم لدى البعض حركة ثوريّة قامت ضدّ النظام البورقيبيّ الخائن العميل. فاستحقّ المشاركون فيها صفة المناضلين الأشاوس المدافعين عن هويّة البلاد وعروبتها وإسلامها.
في بداية الألفيّة اعتدتْ خليّة من خلايا القاعدة على معبد الغريبة في جزيرة السياحة التونسيّة، وفي أواسط العشريّة الأولى منها عمدت مجموعة إلى استعمال السلاح في ضواحي العاصمة.حوكموا ثمّ تمتّعوا بالعفو التشريعي العام ووُظّف بعضُهم، على سبيل جبر الضرر، منذ أسابيع قليلة.
منذ أشهر، عاد شابّ من العراق في تابوت بعد إعدامه. أعدّزا له ما يليق بالأبطال من استقبال وتأبين. اعتبروه مجاهدا قاوم الاستعمار الأمريكي والهيمنة الشيعيّة وسيحتسبه المولى ضمن الشهداء.ولهذا الشاب أشباه في إفغانستان وسوريا وليبيا ومالي والجزائر ما طمنا بلدا يصدّر الأبطال الذائدين عن بيضة الإسلام.
ليعد كلّ واحدٍ إلى نفسه يحادثها حتّى يتأكّد ممّا يدين به اليوم  مَنْ يوجدون في جبال الشعانبي. فإذا صحّ عندك ما سبق أو بعضه كنت تبرّر ولا ريب، من حيث تدري أو لا تدري، ما يحدث اليوم من إرهاب مقيت وإن تغيّرت الجهات والأسماء والدوافع والإيديولوجيّات. تثبّت مليّا قبل أن تشارك في وليمة نهش لحم السلفيّة الجهاديّة المتاح اليوم بالمجان. تأكّد قبل أن تشرب على أنخاب الروح الوطنيّة السامية.  

dimanche 12 mai 2013

دستور الورقة البيضاء



1
لم يكن ثمّة من سبب وجيه للانطلاق من ورقة بيضاء في كتابة الدستور عدا ما يحمله مفهوم الثورة ذاته من معنى القطيعة والانفصال والبداية من أرض محروقة.
ثمّة ولا شكّ في كلّ نزعة ثوريّة حلمٌ بالتأسيس على فراغ، وبياضٌ ملازم للطهارة. ثمّة في كل ثورة اشتهاءُ الولادةِ من جديد بما في الولادة من نقاء وصفاء وبراءة.
بيد أن التاريخ بتعقّده ومكره ومنطقه يأبى الفصل، وإن شبّه لنا، ويكره الفراغ ويمدّ لسانه هازئا بالطهرانيّة المبالغ فيها.
والحقّ أن اليسار التونسيّ الفاشل المغرم عبر تاريخه بالطهر الثوريّ الكاذب، الحالم بمدينة لسنا متأكّدين من أنّها فاضلة حقّا، هو الذي بدأ فكرة التأسيس، مجلسا ولجانا لحماية الثورة ودستورا يعيد صياغة المواطنة والدولة بدأ حتّى بإفساد اجتماعات الخصوم بعد الثورة.
مزايداتٌ في سوق الأحلام الجميلة الشيّقة سرعان ما أصبحت وبالا على من استنبطها و صدّقها ثمّ رواها ونشرها بين النّاس.
كان اليسار يتوهّم، كعادته، أنّه الناطق الرّسميّ باسم الثورة حتّى لكأنّ نضال أجيال متعاقبة منه عذاباته وأدبيّاته واحتجاجه المتواصل يمنحه شرعيّة الحديث عن الجماهير والشعوب والفقراء والمضطهدين. وهاهو اليوم يحلم، مجرّد حلم بائس، بأن يبقى بعض الماضي الذي يراه مشرقا أمام زحف من يعتبرهم فقهاء الظلام. فلا شيء نهائيّا في التاريخ الذي قد يكون لولبيّا لا خطيّا يتّجه إلى الأمام ...إلى ميتافيزيقا التقدّم.
كم يلزم هذا اليسار الغبيّ الذي لم يغادر مربّع الوهم من الوقت كي يدرك أنّ شعبا ربعه في فقر مدقع وأكثر من ثلثه لا يفكّك حرفا سيدافع، حتما، عن حقّه في الجهل المقدّس وإيمان العجائز؟
كم يلزمه من الوقت ليدرك أنّ الأغلبيّة اليوم تعبير أمين عن عجز حداثة معطوبة عن تحديث العقول والإرادات وعن خطاب ثوريّ بليد منقول من الكتب الحمراء التي أكلتها الجرذان؟
2
جاؤوا من هناك، من المنافي التي استجاروا بها من رمضاء القمع. وجدوا في تلك الديار دساتير تحترم الكائن البشريّ وحرّيّاته باسم حقوق كونيّة مكفولة للجميع. وحين عادوا من المنافي ليسرقوا الدماء والأحلام مستعيدين كوابيسهم القديمة طفِقوا يشكّكون في كونيّة الحقوق التي تمتّعوا بها هناك في الغرب الكافر. ..حين عادوا بين ظهرانينا تذكّروا أصولهم الصافية الموهومة وهوّيّتهم النادرة العزيزة وخصوصيّتهم الثقافيّة الرائعة المتطوّرة.
تذكّروا فجأة أنّ شعبهم الفقير الجاهل أو المتعلّم الميسور، على حدّ السواء، لا يستحقّ بعض ما تمتّعوا به ...هناك في دار الصليب. هكذا أخذوا يناورون من أجل غرس بذرة الاستبداد الدينيّ في دستور أراده غيرهم ورقة بيضاء فاستغلّوا الفرصة السانحة ليسوّدوه بما في بواطن الكتب الصفراء من قديم القيم وفاسد التصوّرات.
هكذا هي الإرادة الشعبيّة التي تولّد الأغلبيّة فتصبح البداية من أرض محروقة إعلانا عن الانتقام من مسار التحديث ورموزه ومن الدولة وقيمها الجمهوريّة المستوردة. لتموتوا إذن بغيظكم..موتوا بالسمّ الذي وضعتموه في الورقة البيضاء.
3
لم يكن ثمّة من سبب للانطلاق من الورقة البيضاء عدا الوهم والحلم. فلن ننسى، أيّها الرفاق المناضلون المبدئيّون جدّا، أياديكم البيضاء علينا. لقد سوّدتم وجوهنا أمام الأمم.
 نعْمَ الخصوصيّات الثقافيّة التي تأبى لنا أن نكون مثل خلق اللّه حريّةً وكرامةً. لتحيى الدولة الاستبداديّة الناشئة باسم الواحد الأحد ومندوبيه على الأرض. ولتتمتّعوا بدستوركم الجديد الأبيض وأوراقه البيضاء: أوراق بيضاء تنضح ثوريّة ادّعاها اليسار الواهم الخائب ، وسعي إلى محو التاريخ الحديث حتّى تصبح البلاد ورقة بيضاء يكتب فيها الذين يدّعون الخوف من المولى القدير استبدادهم الآتي.
فلتموتوا جميعا بأوهامكم ..لهذه الأرض ذاكرتها الخصبة ودستورها الأصيل..ففيها حقّا ما يستحقّ الحياة.
                                      

mercredi 1 mai 2013

الملاليم و الأحذية


من تاريخ الاحتجاج السلمي



(1)       
سيسجل التاريخ،تاريخ الاحتجاج، ما يلي :
    حين بدأ نوابنا الأفاضل في مجلسنا التأسيسي يناقشون رواتبهم و منحهم، بالعملة التونسية لأغلبهم أو بالعملة الأجنبية لقلة منهم، ذهب جمع من المواطنين إلى مقرّ المجلس الموقّر و طفقوا يرشقونه بملاليم حقيرة.
كان ذلك عنوانا للاحتجاج السلميّ لا يخلو من رمزية ثريّة وإبداع طريف. لقد قال المحتجون في غير ما تلعثم: "أعرناكم ألسنتنا لتعبّروا عما يجيش بصدورنا فنطقتم بألسنتكم عمّا يثري رصيدكم في البنوك".
يومها سُمع صوت هاتف من خلل رنين القطع النقدية المنثورة أمام المجلس التأسيسي يحاكي "العابرين في الكلام العابر":
     " خذوا ما تبقى لنا من مال وملاليم فأنتم ما عدتم أهلا لثقتنا .
خذوا أموالكم و ارحلوا أيّها المؤقتون في دستور مؤقت
اسحبوا منحكم من لحمنا و انصرفوا
اسرقوا ما شئتم من روعة الحلم و بقايا الأمل
كدّسوا أوهامكم في صناديق فارغة و انصرفوا
أعيدوا عقرب الوقت إلى شرعيّة مهترئة
أو إلى إيقاع حذاء الدكتاتور الجديد
آن أن تنصرفوا
آن أن تخرجوا من واقعنا و ذكرياتنا المرة"

(2)
سجّل التاريخ، تاريخ الاحتجاج، ما يلي:
حين عجزت وزيرة حتى عن بيع الكلام المتعاطف للضحايا من الأطفال المغتصبين و النساء المهدّدات في حرمتهن الجسديّة، ذهب جمع من المواطنين أمام وزارة المرأة لرشق واجهتها بالأحذية القديمة .
كان عنوانا آخر للاحتجاج السلمي يحمل من الرموز والإبداع ما يكفي للتعبير عن الغضب.
 تطريز على الرجم باعتباره جزءا من مناسك ضاربة في القدم تستعيد الدينيّ لمواجهة بذاءة السياسة، رجم لحماية الطفولة و الأسرة في تونس، تعبير عن الاحتقار و تأكيد للدونية بأحذية جعلت للأرجل التي نطأ بها الأرض فإذا بها ترشق على من وُضع في رأس وزارة لصيانة حقوق الضعفاء من الأطفال و النساء .
 يومها سُمع هاتف من خلل وقع الأحذية على حائط الوزارة و الطوار يستحضر " سوق القرية":
"إليك سيدتي،
ما يناسب مواقفك العطنة و تصريحاتك المهلهلة
من قديم الأحذية المتروكة المهملة.
فحشٌ و اعتداءات حقيرة و ذباب
و أحذية  يتداولون رشقها،
 ووزيرة تحدّق في الفراغ
في مطلع العام الجديد
يداي تمتلئان حتما بالنقود
لكن الطريق إلى الجحيم
من جنّة الفردوس أقرب
و العائدون من الكتب القديمة
صرْعاهم أبناؤنا و أجسادُ النساء
فلن يصلح العطار ما قد أفسده الدهر الغشوم
أبدا على أشكالها تقع الطيور
و البحر لا يقوى على غسيل الخطايا و الدموع"

(3)
    سجل المؤرّخون من قبلُ هجرة جماعية لأهالي مدينة تونسية احتجاجا على واليها الذي اعتصم بالحجر و المباني: "خذ المدينة، قالوا له، ولكنّنا لن نخفض لك جناح الذلّ".
    سجل الإخباريّون احتجاج المواطنين على وزيرة أنقذتها من العزل أحزاب تمارس السياسة بمنطق الصلاة صفا واحدا مستويا وراء الإمام. و لكن الرسالة بينة:" خذي الوزارة، قالوا لها، فحرائرنا و أطفالنا في بؤبؤ العين".
   سجل أحفاد ابن خلدون احتجاج المواطنين على نوّابهم المطالبين بنصيبهم من كعكة المال والجاه اللذيذة: " خذوا ملاليمنا القليلة واخرجوا أيها المؤقّتون من وقتنا وانصرفوا"
    حقّا هذه البلاد شجرة مباركة وارفة الظلال لا شرقية و لا غربية، يكاد ضوء احتجاجها المبدع ينقدح ويضئ و لو لم تمسسه نار.



dimanche 28 avril 2013

أطفال بورقيبة





1
في بداية الثمانينات، حين دخلتُ الجامعة وجدت نحلا سياسيّة ومللا فكريّة وشبه فكريّة.كنت أعرف ،من قبل، جلّها وقليلُها عرفته هناك في ساحات النقاش الذي لا ينتهي.
كانوا متفرّقين مختلفين قلّما يلتقون.فإذا التقوا فضدّ طلبة الحزب الحاكم آنذاك وقد كانوا ،في أعين طلبة زماني عن حقّ أحيانا وعن باطل أحيانا أخرى، وشاة ومخبرين ومندسّين يبيعون المناضلين للأمن.وهذا من نادر ما عرفه تاريخ الحركات الطلاّبيّة على حدّ علمي:أن تـُمنع الجامعةُ على طلبة الحزب الحاكم بمبدإ صاغه اليسار وقتئذ ، قبل أن يهيمن الإسلاميّون، مفاده القطيعة التنظيميّة والسياسيّة مع حزب السلطة.
كنّا جميعا تقريبا، نكنّ للزعيم بورقيبة كرها شديدا ونراه رأس القمع والاستبداد.لم نكن نحبّ أبانا الذي روى لنا بأسلوبه الفاتن قصّة الاستقلال وتاريخ البلاد على هواه وكان في سرديّته الممتعة الأوّلَ في كلّ شيء من المسرح والفنّ إلى تحرير البلاد والنساء مرورا بصناعة شعب يربّيه ويهذّب أخلاقه وسلوكه.
كنّا نكرهه كما يكره الشاب المأزوم أباه ويتمنّى رحيله ليكون هو لا كما أراد له أبوه أن يكون.وقليل منّا كان يتساءل عن يُتْمِنا بعده وقد تخرّج جميع الفاعلين السياسيّين آنذاك من مدرسته وبعضهم ،ممّن كنا نتوجّس منه خيفة، تخرّج من مدارس في الشرق والغرب ليست بالضرورة أفضل من مدرسة أبينا.
2
ما لم أفهمه في حفل قتل الأب الرمزيّ ، في تلك الفترة من حماسة الشباب وتفتّق أحلامه،أنّ جلّ ّأبناء جيلي كان يشتري دكتاتورا بدكتاتورنا الذي نعرفه.
فكنت ترى شبابا يدعو إلى جنّة الشيوعيّة ويعد البشريّة جمعاء بتوزيع الخيرات كلّ على قدر حاجته وأكثر ،تراه يمجّد الرفيق العظيم جوزيف ستالين أو ماوتسي تونغ وحتّى أنور خوجة فإذا ذكّره أحدنا بجرائمهم دافع عنهم دفاعا شرسا وبرّر وكذّب واتهم الإمبرياليّة والتحريفيّين.
وكان بعض إخوتنا من حملة الهويّة العربيّة القحّة الحالمين بوحدة صمّاء من البحر إلى البحر يرون في المرحوم جمال عبد الناصر ملهما أو في صدّام حسين قائدا وحتّى في العقيد القذّافي نبيّا موحّدا لأمّة عريقة ناهضة.فإذا ذكّرهم مذكّر بهزيمة هذا أو باستبداد ذاك أو بجنون العظمة لدى الآخر رموه بالقطريّة والإقليميّة والرجعيّة.
وحين انظمّ المنافحون عن دولة الشريعة والخلافة والرجوع إلى تعدّد الزوجات إلى السرب المغرّد ضدّ بورقيبة الأب سمعنا منهم خليطا من أعلام الثورة الإيرانيّة المظفّرة آنذاك وقادة الإخوان المسلمين وبعض الوجوه الوهّابيّة.فإذا نبّههم بعضنا إلى أنّ ما عندنا خير من هؤلاء الطالعين من المتون الصفراء الذين يَعِدُون باستبداد أنكى وأشدّ لأنه ينطق باسم الواحد الأحد رموهم بالتطاول على الدين كأنهم شكّكوا في ركن من أركان الدين.
كانوا يحبوّن من المستبدّين وجوها ثبت بالبيّنة والدليل أنّها رموز لقهر الشعوب والتسلّط عليها ، وجوها خفّت موازينها في حساب التاريخ  ولكنّهم يكرهون بورقيبة الذي يبدو مقارنة بها حملا وديعا.
لم أفهم إلى اليوم هذا الغباء الذي لا أظنّ أنّه قد زال تماما.
3
واليوم عاد بورقيبة الزعيم والرمز ، بعد ثلاثة عشر عاما من غيابه الأبديّ، إلى حفل نهش اللحوم أو طقس التبرّك بالموتى.يعود النزاع على الزعيم وقد أتاح التاريخ لهؤلاء وأولئك فرصة النظر إلى الأمام وصنع الآتي الأجمل.لكنّهم ما يزالون ، سواء بحقدهم الدفين على الدولة الوطنيّة والحداثة التونسيّة أو ببحثهم المحموم عن مرجعيّة تفتن التونسيّين،يؤكّدون يوما بعد يوم، أنّهم "أطفال بورقيبة" حقّا  وأيتامه أيضا.فكلا الفريقين يتلاعب بالذاكرة الوطنيّة ، ولبورقيبة فيها محلّ رفيع جدّا، ويثبت أنّه عاجز عجزا مذهلا عن الحداد الفعليّ على الزعيم الكاريزميّ وهو في ذمّة التاريخ.
لنتذكّر فقط أنّ "أطفال بورقيبة" ،في أصل تسميتها، مؤسّسة رائدة لاحتضان اللّقطاء الذين تتكفّل الدولة بتربيتهم.
ولست أرى في من ينكر منّا الأثر العميق لبورقيبة في صياغة المشروع الوطنيّ التونسيّ إلاّ صورة ممّن ينكر أبوّة الزعيم.
ولست أرى كذلك في من يمجّد الأب بورقيبة ،وهو تحت التراب قد غادر الفعل في التاريخ، إلاّ  كمن أصبح الوفاء للآباء لديه مدعاة للتكاسل عن إثبات شخصيّته.
ولا أظنّ أنّه يليق بنا ، الآن وهنا ، أن نحكّم الأموات في رقابنا بحقد ساذج مدمّر للذاكرة الوطنيّة أو بوفاء كاذب أساسه استحضار الماضي لخوض صراعات الحاضر.     

في الموسوعة التونسيّة



1
يمثّل إصدار بيت الحكمة للموسوعة التونسيّة حدثا ثقافيّا جللا يصادف لحظة فارقة من الزمن الثقافي التونسيّ.فنحن نشهد مناكفة حادة ، تبدو لنا حاسمة، في شأن ما به تتحدّد خصائص الهويّة الوطنيّة للتونسيّين والرهانات الحضاريّة الكاشفة عن مسارات الآتي. فالبيّن أنّ أهل هذه البلاد دخلوا في مرحلة شكّ وتشكيك في السرديّة التي كانوا يعيشون بها وتتغذّى منها أرواحهم وعقولهم.فأوصلهم الشكُّ إلى مفترق طرق تؤدّي جميعها إلى تغليب الخارجيّ المحيط بهم ثقافيا وجغرافيّا على الداخليّ الخصوصيّ.ويستتبع هذا الانتقال من السرديّة القديمة إلى السرديّات الأخرى أمرين متلازمين:أحدهما المحو، محو غير المطابق للكتابة المنشودة وللذاكرة المطلوب صنعها والآخر تمزيق الحدّ الأدنى من قماشة الثقافة المشتركة ليجد التونسيّ نفسه في العراء باحثا عمّا يستره من الملابس الضيّقة جدّا أو الفضفاضة أكثر ممّا يجب.فيبدو في هذا متضايقا وفي ذاك مضحكا. وفي الحالات جميعا نرى العلم الوطنيّ ينتزع ويمزّق ويحرّق بسبب كرة القدم أو ترفرف أعلام أخرى ورايات غريبة بدل الراية الموحّدة.
2
صدرت الموسوعة التونسيّة لتكون متحفا تجتمع فيه الأعلام والمعالم والمواقع والأحداث والمدن والمؤسّسات.قد يكون ثمّة سهو هنا أو نقص هناك ولكن الجهد بدءا من الفكرة والتصوّر جهد سخيّ ولا ريب.فالموسوعات باعتبارها مجمعا للذاكرة المشتركة وجمعا لشتات المعارف الحاصلة تقبلُ التنقيح والتصحيح والتعديل والإضافة.فإن هي إلاّ طبعة تجريبيّة وإن كانت نسخة توصّل إليها المشاركون والمشرفون من المختصّين بعد سنوات من الكدّ والجهد.
بيد أنّ هذا الجهد قديم بدأ منذ عقدين من الزمن ولا نرى وجها أخلاقيّا ولا معرفيّا لتناسي من ساهم فيه بالتحرير واقتراح المداخل أو الرأي والمشورة.والغريب أنّ أوّل المنسيّين ، حتّى نحمل الأمر على مجرّد النسيان وإن لم يكن نسيانا،هو رئيس بيت الحكمة الأسبق الأستاذ عبد الوهّاب بوحديبة.
نعم قد يكون لنا احتراز على الرجل ، احتراز سياسيّ يعود إلى ولائه السابق وعلاقته بدولة الاستبداد.نعم قد يرى أحدنا في ممارسته عند إشرافه على المجمع تحويلا لمؤسّسة علميّة أكاديميّة تنتج الثقافة النوعيّة إلى ناد ثقافيّ لم يضطلع، على الوجه المطلوب، بالمهامّ الأصليّة.نعم قد نختلف معه في هذا الأمر أو ذاك ولكن لا يجوز أخلاقيّا ألاّ نعترف لذوي الفضل بفضلهم ولأصحاب المشاريع بأفكارهم. نعم وضع الأستاذ بوحديبة البيض كلّه في سلّة واحدة فوقعت السلّة بما فيها ولم يعد له ما يخسر.ولكن ما الذي خسره من لم يدعه إلى حفل تقديم الموسوعة التي ساهم في صناعتها ولو بالإشراف؟ ولماذا لم يُذكر المشاركون في التحرير؟ ألأنّ منهم من والى النظام البائد ولا تسمح الظروف التي حوّلت الجميع إلى ثورجيّين جدّا مجانا بذكرهم؟
3
أحبّ أن أشير إلى أمر يتّصل بهذه الموسوعة قد يبدو ثانويّا للناس ولكنّه عندي حمّال دلالات كثيرة.فقد سبق لي أن دعيت إلى الإسهام فيها باقتراح المواضيع والمداخل و بالتحرير وتأليف فصول  لمّا كانت مجرّد مشروع. غير أنّني رفضت ،على تقديري للمشروع وإيماني بالحاجة إليه.أمّا سبب الرفض فيعود إلى ما اقترح على الكتّاب والمؤلّفين ، وهم من المختصّين في علومهم وأبوابها، من مقابل زهيد بدا لي أنّه ينمّ عن احتقار للخبرة والعلم والجهد.وهذا دأب المؤسّسات التونسيّة في التعامل مع إسهامات المختصّين والمبدعين وحقوقهم الماديّة والمعنويّة التي تنصّ عليها المواثيق الدوليّة والقوانين الوطنيّة.فلئن كنّا نتفهّم الخواصّ وأصحاب المشاريع التجاريّة في سعيهم إلى الربح على حساب العاملين بالفكر فإنّ اتّباع الدولة وأجهزتها ومؤسّساتها لسلوك الخواصّ ، أو بعضهم، لممّا يدلّ عندي دلالة قاطعة على أنّ مكانة المثقّف والمبدع والفنّان والمفكّر والجامعيّ والنخبة عموما في عيون السلطة السابقة لهي في أسفل السافلين.فما الذي يدلّ اليوم على أنّ الحال تغيّرت؟

mercredi 3 avril 2013

الخطاطيف والبوم



1
سألني المذيع التلفزيونيّ العراقي عن المشروع الثقافي العربيّ وسبل النهوض بثقافتنا لتتبوّأ مكانة مميّزة في المشهد الثقافي الكونيّ.كان ذلك في بغداد بمناسبة استهلال أنشطتها عاصمةً للثقافة العربيّة هذه السنة وسط إجراءات أمنيّة مشدّدة تشهد، هنا في بغداد  كما في غيرها من عواصم العرب وإن بدرجات متفاوتة ، على جرح غائر لا أحد يعرف كيف سيندمل.
كنت حاملا معي ، بحكم جنسيّتي على الأقل،بعض أمارات خطاطيف الربيع العربيّ الذي انقلب شيئا فشيئا إلى خريف متقلّب تسكنه رياح السموم القادمة من الصحراء وتعشّش فيه خفافيش الظلام وتحلّق في سمائه غربان تنثر السواد حيثما طارت أو حلّت.
  كان السؤال ،حين نربط العواصف العربيّة ووعودها بعاصمة اصْطُفيت بسبب مجدها القديم وإسهامها الحديث للتكريم،سؤالا قلقا عن الآتي أو هو كان  ،في أفضل الأحوال، سؤالا حالما محمّلا بالأمل.ولكن من أين لي أن أبذر الآمال والأحلام وما يحيط بنا ، هنا وهناك، لا ينمّي إلاّ مزيدا من اليأس والكوابيس ؟
2
ماذا لو تبيّن لنا أنّنا لا نملك ما نقدّمه للبشريّة المعاصرة ولأنفسنا من جديد القيم والمعاني وبديع الأفكار والرؤى ومخصب التصوّرات والمقترحات؟ ما الذي سنقترح على البشريّة : قيم الطوائف والقبائل والعشائر؟ أم أصول الحدود المهينة للكرامة البشريّة ؟أم دونيّة المرأة؟ أم الاستبداد باسم الواحد الأحد ؟أم فنون العنف والإرهاب؟ فللبشريّة بعض من هذا عبرت ، بالأمس ، عن سخطها عليه ثمّ عملت وما تزال تعمل ، اليوم، على القضاء عليه؟
ألم نر إلى أنفسنا نقدّم رجلا في دروب التفاعل مع الفكر الكونيّ الحيّ المؤثّر ونؤخّر أخرى مغلولة إلى وهم خصوصيّة لا نحبّ أن نراها إلاّ في ماض منقضٍ ومجد أثيل لم يعد من الممكن البناء عليه؟
ألسنا متسمّرين في مهبّ الثقافات المبدعة بأشجارها الخضراء الباسقة متشبّثين بنخلتنا المتيبّسة وأعجازها المنقعرة ذاهلين عن تيّارات الروح والمعنى التي تنفخ في الإنسانيّة ريحَ حياةٍ قويّة متجدّدة نردّها على أهلها محتجّين بأنّنا وجدنا آباءنا على هذا وما نحن بمغادرين أطلالا تلوح كباقي وشمٍ  لا ألق فيه ولا حسن.
مازلنا نضع موضع الشكّ والرفض ما تمخّض عنه صراع الإنسانيّة لإعادة تعريف ذاتها وما زال منّا من يحذر بغباء أصيل متأصّل مدنيّة الدولة والمساواة بين الرجال والنساء ، تمام المساواة، والحرّيّات الفرديّة والجماعيّة وجميع البديهيّات المقرّرة في المتون الحديثة التي حوت حقوق الآدميّين أفرادا وشعوبا.مازال منّا من يبحث بحث شحيح ضاع في الترب خاتمه عن مدى مناسبة تلك الحقوق للسائد من معتقداتنا والموروث من تصوّراتنا للإنسان والكون والخالق.
3
أيّ مشروع ثقافيّ عربيّ ممكن إذا لم نأخذ كتاب الثقافة البشريّة بقوّة ونجلس ممّن سبقنا إلى حضارة اليوم ، فنونا وإبداعا وتقنيات وعلوما، مجلس المتعلّم؟كيف لنا أن نسأل عن مشروع ثقافيّ ونحن لم نتخلّ بعد عن أوهام مركزيّتنا وجرح نرجسيّتنا البائسة وتمثّلنا غير المطابق لحيواتنا ومآلتنا؟ متى أمكن لأمّة أن تصنع ثقافة مبدعة تدعو إلى مائدتها الباذخة الشهيّة الآخرين وهي ما تزال تخشى ركوب المخاطر وترهب السبل البكر وترغب عن المغامرة؟
لقد حملت خطاطيف الربيع العربيّ وعدا بربيع مدنيّ مواطنيّ نصوغ فيه وبه رؤية جديدة ممكنة لمنزلتنا في الكون ومكانتنا في منظومة القيم المعبّرة عن رحيق الأفكار التي اعتملت منذ قرون.ولكن من البيّن أنّ "الواحد منّا ، كما قال مظفّر النواب بحزن الشاعر وسخطه الجذريّ، يحمل في الداخل ضدّه" جهلا وعنادا ومكابرة؟
ولهذا الضدّ أسماء بذيئة كريهة عديدة هي التي جعلت ثقافتنا العربيّة تخبط خبط عشواء لم تغادر بعد كتب الفرْق بين الفرق وصحائف الملل والنحل وأكذوبة الفرقة الناجية التي لن تنجو أبدا مادامت لم تأخذ بأسباب التعدّد والاختلاف والتسامح.
ألم تقل الحكمة إنّ الخطاف لا يصنع الربيع وإنّ البوم لو كان في صيده خير لما خلّفه الصيّادون وراءهم؟        

غنائم التاريخ





1
يعامل السياسيّون عندنا تاريخ البلاد المعاصر،وقائع ورموزا،معاملة غنائم حربٍ لم يخوضوها في الإبّان.يملؤهم ، باسم العدل والإنصاف والحقيقة، حقد دفين كالسمّ الزعاف يدسّونه في طعام الذاكرة على مائدة الوطن وفي وليمة الزمن.
ينسفون الرموز المستقرّة ويصطنعون رموزا أخرى مستلهمين فكرة البدايات من أرض محروقة واضعين دولة الاستقلال بين قوسين لأنهم لا يرون فيها علما ونشيدا ومشروعا يطابق أضغاث أحلامهم.
يريدون إعادة كتابة القصّة وتغيير مكوّنات السرد ، يأخذون الصفحة البيضاء ، يشطبون الفقرات والجمل ، يغيّرون أسماء الأبطال الأساسيين والثانويّين ولكنّهم لا يصنعون قصّة ملهمة أبلغ وأكثر تناسقا.
يضعون الأحداث على سرير بروكست : يقطّعون أطرافا من الأرجل ،يقطعون الرأس إن لزم الأمر ،يمدّدون إصبعا من الرجل اليمنى أو اليسرى ، على هواهم،ليوافق امتداد السرير الذي يتوهّمون.
يصنعون من الفراغات وهوامش حركة التحرّر الوطني ومهمّشيها وضحاياها الذين لفظتهم آلة التاريخ الماكر المعاصر ،فيستحضرون بدائل لا تستبدل شيئا.
يعملون ، عن وعي، على إسكات تعدّد الأصوات في جوقة التحرير الوطنيّ مثلما فعل من سبقهم ليفرضوا ، أو هكذا شبّه لهم، نشيدهم الحماسيّ الخافت دون أن يتساءلوا:ثمّ ماذا؟

2

طبعا، نتفهّم أن يكتب المنتصرون ، هنا عندنا أو هناك عندهم، التاريخ وسرديّتهم من خلاله ليأخذوا نصيبهم من حفل الرموز البهيج.ولكنّهم ، عندنا الآن، ينسون أنهم منتصرون وقتيّون.
طبعا، يقُدُّ الحاقدون والناقمون من عجينة التاريخ كعكتهم بعسل مرّ يدعون الجميع لأن يأكلوا منها في مأدبتهم البائسة التي تسمّى إعادة كتابة التاريخ وتصحيحه.بيد أنّ أكثر الناس يرفضون حضور المأدبة الفقيرة المسمومة.
يتّخذ سياسيّونا ، الآن وهنا ، كلٌّ على مقتضى معايير نحلته وقوالب ملّته،مجالا لصراعهم من أجل شرعيّة تُستمدّ من الذاكرة غير أنّها ، لسوء حظّهم، لا تباع في سوق الأفئدة والقلوب والمخيال الجماعيّ.
والمفارقة القاتلة أنّ سيل الرابع عشر من جانفي حملهم ، دون سابق تدبير ، لما سيأتي عساهم يملؤون أرضنا عدلا فعجزوا لأنّهم لم يغادروا قوقعة الماضي إذ سعوا ،كالمراهقين الطالعين من كتب فرويد ،إلى قتل الأب الزعيم للاستفراد بالأم الوطن.
3
نتفهّم أنّ ما انقضى يُكتب بأسئلة الراهن وأنّ الماضي يُصنع ، الآن ، تأليفا للمتفرّق وتأويلا للبياض واستكشافا للدلالات واستنباطا للرموز.
نتفهّم هذا كلّه ولكنّ انقلاب السياسيّين ،بأوهامهم وأكاذيبهم،  ودكاكينهم الحزبيّة ،بمصالحها الضيّقة وقصر نظرها، إلى معالجين لقضايا الذاكرة لأمر مفضٍ كما أفضى عند غيرنا إلى تهشيم الذاكرة الموحِّدة وإلى تحريفيّة مقيتة وتآويل سقيمة لن تجد إلاّ الرفض والنفور ولن تؤدّي إلاّ إلى مزيد تقسيم التونسيّين المنقسمين أصلا.
لتتلهّوا بألعابكم الناريّة التي ستحرق أصابعكم ما دمتم لا تثقون في أهل العلم بالتاريخ ، فلسِفوا الوقائع بمرايا إيديولوجيّاتكم المحدّبة والمقعّرة ولكن لا تنسوا أنّ من مضى زرع البيدر فكان ما كان .فاتركوا الموتى لأمجادهم وحقاراتهم وتساءلوا سؤالا خيرا و أبقى لكم ولنا:لقد زرعوا فأكلنا ولكن ماذا نحن زارعون في بيدر الوطن؟